الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
التعريف بـ " التحرير والتنوير
"
يعد كتاب التحرير والتنوير من أشهر كتب التفسير في العصر الحديث، يقع في ثلاثين جزءا طبع في دار الكتب الشرقية، وفي الدار التونسية للنشر، والطبعة التي بين يدي تقع في خمسة عشر جزءا لدار سحنون للنشر والتوزيع في تونس.
عقد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور العزم على تناول كتاب الله بالتفسير بعد أن راودته الفكرة مرات ومرات، وفي كل مرة يثني عزمه عن ذلك خوف أن يعتريه من هذا الطريق ما يعتري بعض من يقدم على تفسير كتاب الله من خروج عن المراد الحقيقي للفظ
يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في هذا الصدد: " كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحّم على هذا المجال، ............ . ما عسى أن يعرِّض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتات سهام الفهم وإن بلغ ساعد الذهن الفُتوّة "(1).
كما كان يتحرّى من نفسه ثبات عزمه على تفسير القرآن قبل أن يبدأ فيه، فلم تكن فكرة تفسيره للقرآن الكريم مجرد إرادة عابرة أو فكرة خاطفة أو فراغ أو ترف فكري أو أدبي.
فقد راودته هذه الأمنية منذ بعيد كما يقول وهو لم يتجاوز الـ (30)
(1) انظر التحرير والتنوير، ج 1، ص 6.
سنة، ولكنه انشغل عن مشروعه هذا بإسناده خطة القضاء في (26) رمضان (1331 هـ). ومن تصميمه على الفكرة - فكرة التفسير- عقد العزم على تحقيق أمنيته بمجرد تفرغه بنقله إلى خطة الفتيا في (26) رجب (1341 هـ)، إذ يقول:" هنالك عقدت العزم على ما كنت أضمرته، واستعنت بالله تعالى واستخرته، وعلمت أن ما يَهُولُ من توقع كلل أو غلط، لا ينبغي أن يحول بيني وبين نسيج هذا النمط، إذا بذلت الوسع من الاجتهاد، وتوخيت طرق الصواب والسداد. أقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع، على وادي السباع (1) .. "(2)
وسمّاه: " تحرير المعنى السديد وتنوير العقل المجيد من تفسير الكتاب المجيد"، واختصر هذا الاسم فسماه بـ (التحرير والتنوير من التفسير).
وقد كان ينشر هذا الكتاب على شكل مقالات في المجلة الزيتونية، ثم طبع مقدمات التفسير، وتفسير سورة الفاتحة، وجزء عم في كتاب مستقل عام (1376 هـ)، ثم طُبعت منه أجزاء في عام (1390 هـ)، وَوَصلتْ إلى الجزء الرابع عشر عام (1397 هـ).
وفي عام (1404 هـ- 1984 م) طبع الطبعة الكاملة في (15) مجلدا، عدد صفحات الجزء الواحد تزيد عن (300) صفحة غالباً.
(1) وادي السباع موضع بين مكة والبصرة وهو واد قفر من السكان تكثر به السباع، قال سحيم:
…
مررت على وادي السباع ولا أرى ....... كوادي السباع حين يظلم وادياً. انظر معجم البلدان / ياقوت الحموي، ج 5، ص 344، ولسان العرب / ابن منظور، ج 6، ص 159، مادة: سبع.
(2)
التحرير والتنوير، ج 1، ص 6.
احتوى تفسيره "التحرير والتنوير" على خلاصة آرائه الاجتهادية والتجديدية؛ إذ استمر في هذا التفسير ما يقرب من (40) عاما، وأشار في بدايته إلى أن منهجه هو أن يقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين، تارة لها وأخرى عليها؛ حيث بيّن أن الاقتصار على الحديث المعاد في التفسير هو تعطيل لفيض القرآن الكريم الذي ما له من نفاد، ووصف تفسيره بأنه احتوى أحسن ما في التفاسير، وأن فيه أحسن مما في التفسير.
وتفسير التحرير والتنوير في حقيقته تفسير بلاغي، اهتم فيه بدقائق البلاغة في كل آية من آياته، وأورد فيه بعض الحقائق العلمية، ولكن باعتدال ودون توسع أو إغراق في تفريعاتها ومسائلها.
وقد انتقد ابن عاشور كثيرا من التفاسير والمفسرين، وانتقد فهم الناس للتفسير، ورأى أن أحد أسباب تأخر علم التفسير هو الولع بالتوقف عند النقل حتى وإن كان ضعيفا أو فيه كذب، وكذلك اتقاء الرأي ولو كان صواباً حقيقيا، ، وبيّن أن توهمهم في أن مخالفة النقل عن السابقين إخراج للقرآن عما أراد الله به؛ جعل من كتب التفسير عالة على كلام الأقدمين، بل أصبح التفسير "تسجيلا يقيَّد به فهم القرآن ويضيَّق به معناه".
ولعل نظرة التجديد الإصلاحية في التفسير التي نادى بها ابن عاشور تتفق مع المدرسة الإصلاحية التي كان من روادها محمد عبده الذي رأى أن أفضل مفسر للقرآن الكريم هو الزمن، وهو ما يشير إلى معان تجديدية، ويتيح للأفهام والعقول المتعاقبة الغوص في معاني القرآن. وكان لنظرة الطاهر ابن عاشور هذه أثرها البالغ في تفسيره حيث التفت إلى مقاصد الكتاب الحكيم وفصل بيان
أهدافه وأغراضه، مما كان سببا في فهمه لمقاصد الشريعة الإسلامية التي وضع فيها أهم كتبه بعد "التحرير والتنوير" وهو كتاب "مقاصد الشريعة ".
صدّرّّّ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور تفسيره بمقدمات في علوم القرآن، اشتملت هذه المقدمات على كل ما يحتاج إليه المفسر، حتى لا يضل ولا يزل عن المنهج السليم عند تفسيره لكتاب الله العظيم، وجعل المقدمات قسما من الجزء الأول من التحرير، تناول فيه عدداً من القضايا الهامة، وهي:
الأولى: في التفسير والتأويل، ومعنى كل منهما.
الثانية: في استمداد علم التفسير، ويريد به العلوم التي يستمد منها علم التفسير.
الثالثة: في بيان موقفه من التفسير بالرأي، وعدم الاقتصار على التفسير بالمأثور.
الرابعة: في بيان مقاصد القرآن التي يجب على المفسر أن يبرزها في تفسيره.
الخامسة: في أسباب النزول وبيان أهميتها في التفسير.
السادسة: القراءات وبيان علاقتها بالتفسير.
السابعة: قصص القرآن وبيان فوائدها، وفوائد تكرارها.
الثامنة: في بيان اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها، وعدد الآي ووقوف القرآن.
التاسعة: في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها، وإن كثرت.
العاشرة: في إعجاز القرآن ووجوه الإعجاز، وأقوال العلماء فيه، ومبتكرات القرآن، وعاداته (1).
(1) انظر التحرير والتنوير، ج 1، ص 10 - 30.