المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة: - قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير

[عبير بنت عبد الله النعيم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مشكلة البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌أهمية البحث وأسباب اختياره:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌أهداف البحث:

- ‌أسئلة البحث:

- ‌المنهج في كتابة البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌ومنهجي في دراسة هذه القواعد كالآتي:

- ‌أما المنهج المتبع في دراسة تلك الأمثلة فهو الآتي:

- ‌خطة البحث

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولالتعريف بابن عاشور

- ‌المطلب الأولنشأته وبيئته العلمية

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌مسيرته العلمية والعملية:

- ‌شيوخه وعلماء عصره:

- ‌تلامذته:

- ‌المطلب الثاني‌‌مذهبه الفقهيوالعقدي ومؤلفاته

- ‌مذهبه الفقهي

- ‌منهجه في العقيدة:

- ‌كتاباته ومؤلفاته:

- ‌أولاً: آثاره في التفسير:

- ‌ثانياً: آثاره في الحديث النبوي الشريف:

- ‌ثالثاً: آثاره في الفقه وأصوله:

- ‌رابعاً: آثاره في الثقافة الإسلامية:

- ‌خامساً: آثاره في اللغة والأدب:

- ‌سادساً: آثاره في التاريخ والتراجم

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بتفسير (التحرير والتنوير)

- ‌المطلب الأولالتعريف بـ " التحرير والتنوير

- ‌منهجه في إيراد المعلومات:

- ‌المطلب الثانيموقف ابن عاشور من أنواع التفسير

- ‌أولاً: موقفه من التفسير بالمأثور:

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌أولاً: طريقته في إيراد الأحاديث:

- ‌ثانياً: طريقته في عزو الأحاديث:

- ‌ثالثاً: طريقته في الحكم على الأحاديث:

- ‌ تفسير القرآن بمرويات الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ثانياً: موقفه من التفسير بالرأي:

- ‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

- ‌المطلب الرابععنايته بالوجوه البلاغية واللغة

- ‌أولاً: الإيجاز:

- ‌ثانياً: المجاز:

- ‌ثالثاً: الإعجاز:

- ‌رابعاً: التفنن:

- ‌خامساً: الالتفات:

- ‌المطلب الخامسمصادر ابن عاشور في تفسيره

- ‌1 - التفسير وعلوم القرآن:

- ‌2 - في القراءات:

- ‌3 - الحديث النبوي:

- ‌4 - الفقه والأصول:

- ‌5 - العقيدة وعلم الكلام:

- ‌6 - اللغة والنحو:

- ‌الفصل الأولمقدمات في قواعد التفسير والترجيح

- ‌المبحث الأولمعنى القاعدة والتفسير والترجيح

- ‌تعريف القاعدة:

- ‌تعريف التفسير لغة:

- ‌تعريف التفسير اصطلاحاً:

- ‌تعريف الترجيح:

- ‌التعريف بالمركب الإضافي "قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثانينشأة قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثالثالفرق بين قواعد التفسير وقواعد الترجيح

- ‌أولاً: قواعد التفسير

- ‌تعريفه:

- ‌فائدته:

- ‌استمداد قواعد التفسير:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح:

- ‌موضوع قواعد الترجيح:

- ‌فائدته:

- ‌استمدادها:

- ‌المبحث الرابعأنواع قواعد الترجيح

- ‌أولا: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والأثر:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح المتعلقة باللغة، ومنها:

- ‌المبحث الخامسالأسباب الموجبة للترجيح

- ‌الأول: اختلاف تضاد:

- ‌الثاني: اختلاف تنوع:

- ‌المبحث السادسقواعد التفسير عند ابن عاشور

- ‌أولاً: القواعد المتعلقة بأسباب النزول:

- ‌ثانياً: القواعد اللغوية

- ‌ثالثاً: القواعد المتعلقة بالقراءات

- ‌رابعاً: القواعد المتعلقة بالسنة والآثار

- ‌خامساً: القواعد المتعلقة بالنسخ

- ‌الفصل الثانيقواعد الترجيح المتعلقة بذات النص القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي تؤيده الآيات القرآنية مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل إطلاق اللفظ على ظاهره ما لم يرد دليل يصرفه عن ظاهره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثالأولى إعمال اللفظ بكلا معنييه الحقيقي والمجازي متى أمكن

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعيقدم المجاز على الحقيقة إذا وجدت القرينة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسإذا خلت الأقوال في الآية من مستند شرعي وكانت متساوية فالقول الموافق لما جاء في التوراة مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الثالثقواعد الترجيح المتعلقة بالنسخ

- ‌المبحث الأولالأصل عدم النسخ ما لم يقم دليلصحيح صريح على خلاف ذلك

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيقاعدة النسخ لا يقع في الأخبار

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإن الزيادة على النص ليست بنسخ

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعالإجماع يعد ناسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتخصيص بعد العمل بالعام والتقييد بعد العمل بالمطلق لايعدُّ نسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الرابعقواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورسم المصحف

- ‌المبحث الأولالقراءات المتواترة حق كلها نصاً ومعنى لا يجوز ردها أو رد معناها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل توافق القراءات في المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثاختلاف القراءات في ألفاظ القرآن الكريم يكثر المعاني في الآية الواحدة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعتأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتفسير الموافق لرسم المصحف مقدم على غيره من التفاسير

- ‌صورة القاعدة:

- ‌بيان ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الخامسقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي يدل عليه السياق أولى من غيرهمالم توجد حجة يجب إعمالها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالقول المبني على مراعاة النظم وظاهر ترتيب الكلام أولى من غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثلكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتهافلا تعارض بين الآيات

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌موقف العلماء من القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السادسقواعد الترجيح المتعلقة بالمفردة القرآنية

- ‌المبحث الأولإعمال الأغلب في القرآن وتقديم المفهوم الجاري في استعماله أولى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإذا احتمل اللفظ معان عدة ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السابعتقويم منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الأولمعالم منهج ابن عاشور في الترجيح ومميزاته

- ‌المطلب الأولصيغ الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المطلب الثانيمنهج ابن عاشور في استعمال وجوه الترجيح

- ‌المطلب الثالثمميزات الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الثالثأثر عقيدة ابن عاشور في صياغة القواعد والترجيح بها

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف فإن فرّق النظر في أجزائه فلا يتوصل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض " (1).

‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

1 -

مثال صيد البحر:

قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (2).

اختلف المفسرون في المراد من قوله {وَطَعَامُهُ} فقال بعضهم: عنى بذلك ما قذف به إلى ساحل البحر ميتاً، وقال بعضهم: هو المليح من السمك، وقال آخرون هو ما نبت بمائه من زروع البر (3).

ورجّح ابن عاشور القول الأول لمناسبته للسياق، وهو ما قذف به ساحل البحر أو طفا عليه من الميتة، وهذا قوله: " والذي روي عن جُلّة الصحابة رضي الله عنهم: أنّ طعام البحر هو ما طفا عليه من ميتة إذا لم يكن سبب

(1) الموافقات في أصول الشريعة / الشاطبي، ج 3، ص 413.

(2)

سورة المائدة، الآية (96).

(3)

انظر هذه الأقوال في جامع البيان للطبري، ج 7، ص 80 - 82، وزاد المسير لابن الجوزي، ج 1، ص 588

ص: 685

موته إمساك الصائد له ، ومن العلماء من نقل عنه في تفسير طعام البحر غير هذا ممّا لا يلائم سياق الآية، وهؤلاء هم الذين حرّموا أكل ما يخرجه البحر ميّتاً " (1).

وقد وافق اختيار ابن عاشور من سبقه من المفسرين (2).

حجة أصحاب القول الأول القائلين: إن المراد بـ {وَطَعَامُهُ} ماقذف به البحر ميتاً:

حجتهم في ذلك أن سياق الآية يقتضيه، وهو قول أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة ومن التابعين.

وفي ذلك يقول الطبري: " وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا، قولُ من قال: "طعامه"، ما قذفه البحر، أو حَسَر عنه فوُجد ميتًا على ساحله. وذلك أن الله تعالى ذِكْره ذكر قبله صيدَ الذي يصاد، فقال:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} ، فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يُصَدْ منه، فقال: أحل لكم ما صدتموه من البحر، وما لم تصيدوه منه.

وأما"المليح"، فإنه ما كان منه مُلِّح بعد الاصطياد، فقد دخل في جملة قوله:

(1) التحرير والتنوير، ج 4، ص 52.

(2)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 7، ص 80 - 82، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 2، ص 241، والتفسير الكبير / الرازي، ج 4، ص 438، والجامع لأحكام القرآن/ القرطبي، ج 6، ص 299، والبحر المحيط / أبو حيان، ج 4، ص 26، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 5، ص 336، وفتح القدير / الشوكاني، ج 2، ص 78، وروح المعاني / الألوسي، ج 4، ص 28، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 4، ص 258، وأضواء البيان / الشنقيطي ، ص 41.

ص: 686

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} ، فلا وجه لتكريره، إذ لا فائدة فيه وقد أعلم " (1).

ورجحه ابن عطية وقال: " وقول أبي بكر وعمر هو أرجح الأقوال "(2).

حجة أصحاب القول الثاني القائلين: إن المراد بـ (وَطَعَامُهُ) هو المليح من السمك:

حجتهم في ذلك ما روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والسدي قولهم: "طعامه ما ملح منه وبقي "(3).

حجة أصحاب القول الثالث القائلين بأن المراد بـ (وَطَعَامُهُ) هو: ما نبت بمائه من زروع البر:

حجتهم في ذلك أنه نبت عن ماء البحر، وطعامه هو كل ما سقاه الماء فأنبت فهو طعام البحر وهذا القول حكاه الزجاج (4).

القول الراجح:

هو ما رجحه ابن عاشور ومن سبقه من المفسرين، وذلك لمناسبته للسياق، وتتعاضد قاعدة المبحث هنا مع قاعدة أخرى يرجح ابن عاشور بضمونها وهي:(إذا ثبت الحديث وكان نصاً في تفسير الآية فلا يصار إلى غيره) فبعد أن ذكر القول الراجح وأبطل ما عداه ساق الأحاديث الدالة على صحة ما ذهب إليه

(1) جامع البيان / الطبري، ج 7، ص 82.

(2)

المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 2، ص 241.

(3)

أخرج رواياتهم الطبري في تفسيره، ج 7، ص 81.

(4)

انظر معاني القرآن / الزجاج، ج 2، ص 209.

ص: 687

فقال: "، ويردّ قولهم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال في البحر: " هو الطهور ماؤه الحِلّ ميتته " (1).

وأصح ما في هذا الباب حديث جابر في الحوت المسمّى العنبر، حين وجدوه ميّتاً، وهم في غزوة، وأكلوا منه، وفيه:" فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: " هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله " اللفظ لمسلم (2).

وأما القول الثاني فقد ضعفه الرازي بقوله: " وهو ضعيف؛ لأن الذي صار مالحاً فقد كان طرياً وصيداً في أول الأمر ، فيلزم التكرار في قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} "(3).

وكذلك القول الثالث استبعده الألوسي بقوله: "وأبعد منه - أي القول الثاني- كون المراد بطعامه ما ينبت بمائه من الزروع والثمار"(4).

(1) أخرجه أبو داوود في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، ج 1، ص 21، ح- 83، والترمذي في سننه، كتاب أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، ج 1، ص 101، ح- 69، والنسائي في الكبرى، كتاب الطهارة، باب ذكر ماء البحر والوضوء منه، ج 1، ص 75، ح- 58، وصححه الحاكم في المستدرك، ج 3، ص 323، ح- 491.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر وهم يتلقون عيراً لقريش، ج 4، ص 1585، ح- 4104، ومسلم في صحيحه / كتاب الصيد، باب إباحة ميتات البحار، ج 3، ص 1535 - 1536، ح- 1935.

(3)

التفسير الكبير / الرازي، ج 4، ص 438.

(4)

روح المعاني / الألوسي، ج 4، ص 28.

ص: 688

2 -

مثال أم موسى:

قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1).

اختلف المفسرون في توجيه معنى قوله: {فَارِغًا} على عدة أقوال، ويعود مرجع اختلافهم كما يقول ابن عاشور إلى ناحيتين:

ناحية تؤذن بثبات أم موسى، ورباطة جأشها، وناحية تؤذن بتطرق الضعف والشك إلى نفسها، وإليك قوله: " فأما ما يرجع إلى الناحية الأولى فهو أنه فارغ من الخوف والحزن فأصبحت واثقة بحسن عاقبته تبعاً لما ألهمها من أن لا تخاف ولا تحزن فيرجع إلى الثناء عليها ، فالمعنى: أنها لما ألقته في اليم كما ألهمها الله، زال عنها ما كانت تخافه عليه من الظهور عليه عندها وقتله؛ لأنها لما تمكنت من إلقائه في اليم ولم يشعر بها أحد قد علمت أنه نجا، وهذا المحمل يساعده أيضاً ما شاع من قولهم: فلان خلي البال: إذا كان لا هم بقلبه. وهو تفسير أبي عبيدة (2).

وأما الأقوال الراجعة إلى الناحية الثانية فقال ابن عطية والقرطبي عن ابن القاسم عن مالك: الفراغ هو ذهاب العقل. قال ابن عطية: هو كقوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (3) أي لا عقول فيها ، وفي «الكشاف»: أي لما سمعت

(1) سورة القصص، الآية (10).

(2)

انظر مجاز القرآن / أبو عبيدة، ج 2، ص 98، والتحرير والتنوير، ج 10، ص 81. .

(3)

سورة إبراهيم، الآية (43).

ص: 689

بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع. وقال ابن زيد والحسن وابن إسحاق: أصبح فارغاً من تذكر الوعد الذي وعدها الله؛ إذ خامرها خاطر شيطاني فقالت في نفسها: إني خفت عليه من القتل فألقيته بيدي في يد العدو الذي أمر بقتله، قال ابن عطية: وقالت فرقة: فارغاً من الصبر ، ولعله يعني من الصبر على فقده. وكل الأقوال الراجعة إلى هذه الناحية ترمي إلى أن أم موسى لم تكن جلدة على تنفيذ ما أمرها الله تعالى ، وأن الله تداركها بوضع اليقين في نفسها " (1).

ورجّح ابن عاشور الناحية الأولى، حيث إنه قال بعد أن ذكرها: وهذا أسعد بقوله تعالى بعد: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، وهذا أحسن ما فسرت به وهو من معنى الثناء عليها بثباتها " (2).

وابن عاشور في ترجيحه لهذا القول قد احتكم إلى سياق الآية، وذلك نأخذه من قوله: " وهذا أسعد بقوله تعالى {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} .

وممن وافق قوله قول ابن عاشور فيمن سبقه من المفسرين البغوي، والزمخشري (3).

(1) التحرير والتنوير، ج 10، ص 80 - 81، وانظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 278، والكشاف / الزمخشري، ج 4، ص 485، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 13، ص 265.

(2)

التحرير والتنوير، ج 10، ص 81.

(3)

انظر معالم التنزيل / البغوي، ج 6، ص 194، والكشاف / الزمخشري، ج 4، ص 486.

ص: 690

في حين ذهب جمهور المفسرين إلى القول بأن المراد بالآية أن قلبها أصبح فارغاً من شدة الحزن (1).

حجة أصحاب القول الأول الذين يرون أن قلبها أصبح فارغاً من الخوف والحزن:

قالوا: إن أم موسى زال عنها الخوف والحزن والهم لما ألقت ولدها في اليم كما ألهمها الله، ولم يقتله فرعون، كما أنها لم تملك نفسها فرحا حين علمت أن فرعون تبناه، وكادت أن تبدي بذلك لولا أن طامن الله قلبها.

وفي ذلك يقول الزمخشري: " ويجوز وأصبح فؤادها فارغاً من الهم، حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه إن كادت لتبدي بأنه ولدها؛ لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت، لولا أنا طامنا قلبها وسكنَّا قلقه الذي حدث به من شدّة الفرح والابتهاج، لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه "(2).

وذهب إلى هذا القول البغوي وصححه (3).

(1) انظر جامع البيان / الطبري، ج 20، ص 45، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 278، والتفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 581، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 13، ص 265، والبحر المحيط / أبو حيان، ج 7، ص 102، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 10، ص 445، وفتح القدير / الشوكاني، ج 4، ص 160، وروح المعاني / الألوسي، ج 10، ص 258، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 7، ص 537، وأضواء البيان / الشنقيطي، ص 772.

(2)

الكشاف / الزمخشري، ج 4، ص 486.

(3)

انظر معالم التنزيل / البغوي، ج 6، ص 194.

ص: 691

حجة أصحاب القول الثاني وهم الذين يرون أن قلبها أصبح فارغاً من شدة الحزن:

حجتهم في ذلك: دلالة السياق ، وهو قوله تعالى:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ، وهذا القول رجحه معظم المفسرين كما تقدم، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة والمعنى: أن قلبها أصبح فارغا من كل شيء غير ذكر موسى (1)

قال أبو جعفر: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: معناه: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} من كلّ شيء، إلا من همّ موسى. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لدلالة قوله: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي، لم يعقب بقوله: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي} لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولوعها به. ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة "(2).

القول الراجح:

الذي يبدو بعد النظر والتأمل في سياق القصة أن المعنى الثاني هو الأليق

(1) أخرج رواياتهم الطبري في تفسيره، ج 20، ص 44.

(2)

جامع البيان / الطبري، ج 20، ص 45.

ص: 692

بأحداث القصة، والأنسب للسياق؛ بدلالة قوله تعالى:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} من شدة الخوف على ولدها، فلم يبق لها أي تفكير سوى تفكيرها بسلامة ولدها.

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه قال في معناها: " كادت أن تقول وابناه "(1).

أما ما ذهب إليه ابن عاشور محتجا على ذلك بالسياق، فالذي يبدو لي والله أعلم أن الصواب خلاف ما اختاره، بل لا أرى السياق إلا ضده، ودليلٌ على حزن أم موسى لأن الله تعالى يقول:{لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} .

وقد ردّ هذا القول عدد من العلماء منهم: ابن قتيبة، والنحاس، والرازي، وأبو حيان.

قال ابن قتيبة: " وهذا من العجائب كيف يكون فؤادها فارغاً من الحزن، والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون؟ والعرب تقول للخائف والجبان: " فؤاده هواء" (2).

وقال النحاس: " قول أبي عبيدة "فارغاً من الغم": غلط قبيح؛ لأن بعده: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}

" (3).

(1) أخرجه ابن أبي حاتم، ج 7، ص 184.

(2)

تفسير غريب القرآن / ابن قتيبة، ص 281.

(3)

معاني القرآن / النحاس، ج 5، ص 161.

ص: 693

كما استبعده أبو حيان وبيّن أن القراءات الشواذ التي في اللفظة تبعده (1)، ومن تلك القراءات: قراءة فضالة بن الأنصاري (2)(فَزِعا) بالزاي (3).

وذكر الرازي هذا القول ثم أثار أسئلة حوله وأجاب عنها بقوله: " ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله لم تخف عند إظهار اسمه، وأيقنت أنها وإن أظهرت فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار يضر فربط الله على قلبها، ويحتمل قوله:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} بالوحي فأمنت وزال عن قلبها الحزن، فعلى هذا الوجه يصح أن يتأول على أن قلبها سلم من الحزن على موسى أصلاً، وفيه وجه ثالث: وهو أنها سمعت أن امرأة فرعون عطفت عليه وتبنته إن كادت لتبدي به بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً بما سمعت، لولا أن سكنا ما بها من شدة الفرح والابتهاج {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الواثقين بوعد الله تعالى لا يتبنى امرأة فرعون اللعين وبعطفها، وقرئ (قَرِعاً) أي خالياً من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء (وفرغاً) من قولهم: دماؤهم بينهم فرغ

(1) انظر البحر المحيط / أبو حيان، ج 7، ص 102.

(2)

هو فضالة بن عبيد بن ناقد بن قيس بن صهيب بن الأصرم بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري العمري الأوسي، يكنى أبا محمد، أول مشاهده: أحد ، ثم شهد المشاهد كلها ثم انتقل إلى الشام، وسكن دمشق وبنى بها داراً، وكان فيها قاضياً لمعاوية، ومات بها وقبره بها معروف إلى اليوم. (انظر الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر، ج 5، ص 371، والاستيعاب في معرفة الأصحاب / ابن عبد البر، ج 3، ص 1262).

(3)

القراءات الشاذة / ابن خالويه، ص 111.

ص: 694

أي هدر يعني بطل قلبها من شدة ما ورد عليها" (1).

ومما يرجح القول الثاني ويعضده القاعدة الترجيحية التي تقول: (تأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة في الآية) ، وقد وردت قراءة عن فضالة بن عبيد في قوله " فارغاً "، وقد تقدم ذكرها ، وهي وإن كانت قراءة شاذة إلا أنه قد يستأنس بها في الترجيح.

وهناك قرائن أخرى ذكرها أحد الباحثين من العلماء الدكتور (زيد عمر عبد الله) في ترجيح هذا القول وهي:

1 -

إن في السياق قرائن تدل على أن أم موسى انتابها شيء من الخوف والقلق على ابنها؛ فإن فؤادها أصبح فارغاً، ويعبر بفراغ الفؤاد عن ذهاب العقل، ومثله قوله تعالى:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (2) لا عقول فيها ، وإن شاع في كلام الناس "فلان خلي البال"، إذا كان لا هم بقلبه ، لكن السياق يأباه.

2 -

صُدِّرت الآية بقوله تعالى (فأصبح) ، وهى مستعملة هنا بمعنى "صار"، فاقتضى تحولاً من حالة إلى أخرى، أي: كان فؤادها غير فارغ، فصار فارغاً، وجاء الإخبار عن فراغ فؤادها بعد الإخبار عن إلقاء موسى في الماء؛ فكان من مستتبعاته.

3 -

ورد في الآية أن الله ربط على قلبها، والربط على القلب توثيقه من أن يضعف، كما يشد العضد الوهن ، وهذا لا يكون إلا في حالة الخوف

(1) التفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 581.

(2)

سورة إبراهيم، الآية (43).

ص: 695

والاضطراب، ويؤكده أن علة الربط: كي لا تبدي شيئاً مما من شأنه أن يكشف من أمرها شيئاً، ولكي يحملها على التصديق بوعد الله. ومن التكلف البارد قول بعضهم: إنها كانت تبدي فرحها بما حصل لموسى ، وهنا يظهر الفرق بين منهج من انتزع اللفظة من سياقها، وبين منهج من نظر إليها في ضوء هذا السياق.

4 -

قول أم موسى لأخته "قصيه" يدل على لهفها عليه، وتشوقها إلى معرفة الحال التي آل إليها، وهذا نابع من خوف وقلق، وبين الله تعالى علة رد موسى إلى أمه؛ فقال:{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} (1) ، وهذا يومئ إلى أنها كانت قبل رده محلاً لشيء من البكاء الذي به تسخن العين، وهو عكس قرة العين، وكانت كذلك حزينة على فراقه (2).

3 -

مثال وصية لقمان:

قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (3).

اختلف المفسرون في هذه الآية: هل هي مما أبلغه لقمان لابنه مما أوتيه من الوحي، أو هي اعتراضية من كلام الله تعالى؟ ؟ ، وقد ورجّح ابن عاشور كونها من كلام لقمان مما أبلغه لابنه مما أوتيه من الوحي مستندا في ترجيحه هذا إلى السياق، وفي ذلك يقول: "وإذا درجنا على أن لقمان كان نبياً فهذا الكلام مما

(1) سورة القصص، الآية (13).

(2)

مجلة جامعة الملك سعود ، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية، ج 15، ص 853 - 855.

(3)

سورة لقمان، الآية (14).

ص: 696

أبلغه لقمان لابنه وهو مما أوتيه من الوحي ويكون قد حكي بالأسلوب الذي أوحي به إليه على نحو أسلوب قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} (1) وهذا الاحتمال أنسب بسياق الكلام، ويرجحه اختلاف الأسلوب بينها وبين آية سورة العنكبوت (2) وسورة الأحقاف (3)

لأن ما هنا حكاية ما سبق في أمة أخرى والأخريين خطاب آنف لهذه الأمة " (4).

وممن قال بقوله: الطبري، والرازي إلا أنهما لم يذكرا قولاً غيره، ولذلك لم يذكرا سبباً لاختيارهما هذا القول كالسياق مثلاً كما فعل ابن عاشور (5).

في حين رجح ابن عطية، والقرطبي أن الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ص: 697

وذهب ابن كثير، والشوكاني، والقاسمي إلى أنها جملة معترضة من كلام الله تعالى (1).واحتمل أبو حيان، والألوسي كلا القولين، ولم يرجحا (2).

حجة أصحاب القول الأول، وهم القائلون: إن هذه الجملة معترضة من كلام الله تعالى:

قال ابن عطية: " هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان ، ويعني بذلك قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ..... }، وقوله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .... } وقال ابن عطية: "ووجَّه الطبري ذلك بأنها من معنى كلام لقمان ومما قصده، وذلك غير متوجه لأن كون الآيتين في شأن سعد بن أبي وقاص حسب ما أذكره بعد يُضعِّفُ أن تكون مما قالها لقمان " (3).

روى مسلم في صحيحه من طريق سماك بن حرب عن مصعب عن سعد عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب قالت: زعمتَ أن الله وصاك بوالديك

(1) انظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 348، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 14، ص 65، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 11، ص 53، وفتح القدير / الشوكاني، ج 4، ص 238، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 7، ص 615 ..

(2)

انظر البحر المحيط / أبو حيان، ج 7، ص 182، وروح المعاني/ الألوسي، ج 11، ص 84.

(3)

المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 348.

ص: 698

وأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد فقام ابن لها ، يقال له عمارة ، فسقاها فجعلت تدعو على سعد ، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ...... } (1).

قال ابن عاشور موضحا حجة أصحاب هذا القول: ": "إذا درجنا على أن لقمان لم يكن نبيا مبلغاً عن الله، وإنما كان حكيماً مرشداً كان هذا الكلام اعتراضاً بين كلامي لقمان لأن صيغة هذا الكلام مصوغة على أسلوب الإبلاغ والحكاية لقول من أقوال الله. والضمائر ضمائر العظمة جرَّتْه مناسبة حكاية نهي لقمان لابنه عن الإشراك وتفظيعه بأنه ظلم عظيم. فذكر الله هذا لتأكيد ما في وصية لقمان من النهي عن الشرك بتعميم النهي في الأشخاص والأحوال؛ لئلا يتوهم متوهم أن النهي خاص بابن لقمان أو ببعض الأحوال ، فحكى الله أن الله أوصى بذلك كل إنسان وأن لا هوادة فيه ولو في أحرج الأحوال وهي حال مجاهدة الوالدين أولادَهم على الإشراك. وأحسن من هذه المناسبة أن تجعل مناسبة هذا الكلام أنه لما حكى وصاية لقمان لابنه بما هو شكر الله بتنزيهه عن

(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص، ج 4، ص 1877، ح - 1748.

ص: 699

الشرك في الإلهية بيَّن الله أنه تعالى أسبق منَّة على عباده إذ أوصى الأبناء ببر الآباء فدخل في العموم المنة على لقمان جزاءً على رعيه لحق الله في ابتداء موعظة ابنه فالله أسبق بالإحسان إلى الذين أحسنوا برَعْي حقه " (1).

حجة أصحاب القول الثاني القائلين: إن هذه الجملة من قول لقمان:

حجتهم في ذلك أن سياق الآية يقتضيه، قال ابن عاشور: " وهذا الاحتمال أنسب بسياق الكلام

ولا يحسن ما ذهب إليه جمع من المفسرين أن هذه الآية نزلت في قضية إسلام سعد بن أبي وقاص وامتعاض أمه، لعدم مناسبته السياق، ولأنه قد تقدم أن نظير هذه الآية في سورة العنكبوت نزل في ذلك، وأنها المناسبة لسبب النزول فإنها أخلِيت عن الأوصاف التي فيها ترقيق على الأم بخلاف هذه، ولا وجه لنزول آيتين في غرض واحد ووقت مختلف " (2).

القول الراجح:

إن الآية معترضة من كلام الله تعالى.

قال الشوكاني: " {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} هذه التوصية بالوالدين وما بعدها إلى قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} اعتراض بين كلام لقمان لقصد التأكيد لما فيها من النهي عن الشرك بالله، وتفسير التوصية هي قوله: {أَنِ

(1) التحرير والتنوير، ج 10، ص 156.

(2)

التحرير والتنوير، ج 10، ص 157.

ص: 700

اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، وما بينهما اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر، وفي جعل الشكر لهما مقترناً بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدّها وجوباً" (1).

أما ما ذهب إليه ابن عاشور من أن الآية من كلام لقمان مستدلاً على ذلك بالسياق فإنه تعارضه قاعدة أقوى منه وهي:

(إذا صحَّ سبب النزول الصريح فهو مرجح لما وافقه)، ورواية مسلم نص على أن الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه.

وقول ابن عاشور: إن نظير هذه الآية في سورة العنكبوت نزل في ذلك غير صحيح؛ لأن رواية مسلم المذكورة نص على أن فيها قوله: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (2) وذلك في سورة لقمان لا العنكبوت، كما أخرج أحمد هذا الحديث بنفس إسناد مسلم (3)، وفيه فأنزلت:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} (4) وقرأ حتى بلغ: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وذلك قطعاً في سورة لقمان.

(1) فتح القدير / الشوكاني، ج 4، ص 238.

(2)

سورة لقمان، الآية (15).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده، ج 1، ص 185، ح- 1614.

(4)

سورة لقمان، الآية (14).

ص: 701

4 -

مثال الدخان:

قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (1).

اختلف المفسرون في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه على عدة أقوال:

الأول: إن هذا الدخان هو: ما أصاب قريشاً من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يستجيبوا له، فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان.

الثاني: إنه الغبار الذي أثارته سنابك الخيل يوم فتح مكة.

وهذان القولان ذكرهما ابن عاشور في تفسيره، وفي ذلك يقول:" "عن الأعرج أنه الغبار الذي أثارته سنابك الخيل يوم فتح مكة فقد حجبت الغبرة السماء، وإسناد الإتيان به إلى السماء مجاز عقلي لأن السماء مكانه حين يتصاعد في جو السماء أو حين يلوح للأنظار منها.

إلى أن قال: والأصح أن هذا الدخان عُني به ما أصاب المشركين من سِنِي القحط بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة " (2).

وهناك قول ثالث ذكره معظم المفسرين ولم يذكره ابن عاشور وهو أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة يأخذ المؤمن منه كالزكمة، وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه (3).

وابن عاشور في ترجيحه للقول الثاني وهو ما أصاب المشركين من سِنِي

(1) سورة الدخان، الآية (10).

(2)

التحرير والتنوير، ج 12، ص 287.

(3)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 25، ص 134، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 69.

ص: 702

القحط بمكة قد احتكم في ترجيحه هذا إلى السياق، وإن لم يصرح به إلا أن مفهوم كلامه يقتضي هذا، يقول:" والكلام يؤذن بأن هذا الدخان المرتقَب حادث قريب الحصول، فالظاهر أنه حَدث يكون في الحياة الدنيا، وأنه عقاب للمشركين "، كما يؤذن بذلك قوله:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (1) " (2).

وقد ذهب إلى هذا القول الذي رجحه ابن عاشور عدد من المفسرين منهم: الطبري، وابن عطية، والرازي، والقرطبي، والشوكاني، والألوسي، والشنقيطي (3).

في حين رجّح ابن كثير، والقاسمي القول الثالث كونه يوم القيامة (4).

واحتمل أبو حيان، وغيره (5) كلا المعنيين الثاني والثالث فقال: " فإن كان هو الذي رأته قريش، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة، وقد مضى كما قال ابن مسعود؛ (6) وإن كان من أشراط الساعة، أو يوم القيامة، فالناس عام فيمن

(1) سورة الدخان، الآية (15).

(2)

التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج 12، ص 286.

(3)

انظر جامع البيان/ الطبري، ج 25، ص 135، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 69، والتفسير الكبير /الرازي، ج 9، ص 656، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 16، ص 130،

(4)

انظر تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 12، ص 340، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 8، ص 302.

(5)

وكذلك احتمل الشوكاني كل الأقوال في فتح القدير، ة ج 4، ص 571، والشنقيطي في أضواء البيان، ص 505.

(6)

سيأتي حديث ابن مسعود عند ذكر حجة أصحاب القول الثاني.

ص: 703

أدركه وقت الأشراط، وعام بالناس يوم القيامة " (1).

حجة أصحاب القول الأول الذين يرون أن الدخان هو الغبار الذي أثارته سنابك الخيل يوم فتح مكة:

وهذا من قول عبد الرحمن الأعرج (2)، وقد ضعفه ابن كثير بقوله:" هذا القول غريب جدًا ، بل منكر "(3).

حجة أصحاب القول الثاني وهم الذين قالوا بأن الدخان هو الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم:

استدلوا على ذلك بما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، وقد رواه ابن جرير في تفسيره بسنده عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن: إن قاصّاً عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، فمن علم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (4) إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا، قال: "اللهمّ

(1) البحر المحيط / أبو حيان، ج 8، ص 35.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم بسنده، ج 10، ص 3287، ح- 18532.

(3)

تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 12، ص 336.

(4)

سورة، ص الآية (86).

ص: 704

سبعا كسبع يوسف"، فأخذتهم سنة حصَّت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا من الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمد إنك جئت تأمر بالطاعة وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال الله عز وجل {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}

إلى قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قال: فكُشف عنهم: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} (1) فالبطشة يوم بدر، وقد مضت آية الروم وآية الدخان، والبطشة واللزام (2).

قال ابن كثير: " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، ورواه أحمد في مسنده (3) وهو عند الترمذي (4) والنسائي (5) "(6).

وذكر ابن قتيبة في تفسير الدخان على هذا معنيين:

" أحدهما: أن في سنة القحط يعظم يبس الأرض بسبب انقطاع المطر، ويرتفع

(1) سورة الدخان، الآية (16). .

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير: باب: أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين"، ج 4، ص 1824، ح- 4546، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب الدخان، ج 4، ص 2155، ح- 2798.، وابن جرير بسنده، في جامع البيان ج 25، ص 132.

(3)

مسند أحمد، ج 1، ص 380 - 431.

(4)

أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة الدخان، ج 5، ص 379، ح- 3254.

(5)

أخرجه النسائي في الكبرى، كتاب التفسير، ج 6، ص 350، ح- 11202.

(6)

تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 12، ص 336.

ص: 705

الغبار الكثير، ويظلم الهواء. وذلك يشبه الدخان. ولهذا يقال لسنة المجاعة الغبراء.

ثانيهما: أن العرب يسمون الشر الغالب بالدخان. فيقولون: (كان بيننا أمر ارتفع له دخان). والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه، أظلمت عيناه، فيرى الدنيا كالمملوءة من الدخان " (1).

وقال الشوكاني: " والراجح منها: أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه مما نزل بهم من الجهد، وشدّة الجوع، ولا ينافي ترجيح هذا ما ورد أن الدخان من آيات الساعة، فإن ذلك دخان آخر، ولا ينافيه أيضاً ما قيل: إنه الذي كان يوم فتح مكة، فإنه دخان آخر على تقدير صحة وقوعه "(2).

حجة أصحاب القول الثالث، وهم القائلون بأنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة:

حجتهم في ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: (ما تذكرون)؟ قالوا: نذكر الساعة، قال:(إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)(3).

(1) تفسير غريب القرآن / ابن قتيبة، ص 346،

(2)

فتح القدير / الشوكاني، ج 4، ص 571.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة، ج 4، ص 2225، ح- 2901.

ص: 706

وهذا القول رجحه ابن كثير والقاسمي، قال القاسمي:"وهكذا رجح ابن كثير الوجه الثاني ذهابا إلى ما صح عن ابن عباس، ترجمان القرآن، ومن وافقه من الصحابة والتابعين، مع الأحاديث المرفوعة الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردوها، مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة، على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تبارك وتعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي بين واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر ابن مسعود رضي الله عنه، إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد. وهكذا قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ} أي: يتغشّاهم ويعمهم. ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه {يَغْشَى النَّاسَ} "(1).

وذكر الرازي وجوهاً احتج بها القائلون بهذا القول وهي:

الأول: أن قوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} يقتضي وجود دخان تأتي به السماء وما ذكرتموه من الظلمة الحاصلة في العين بسبب شدة الجوع فذاك ليس بدخان أتت به السماء فكان حمل لفظ الآية على هذا الوجه عدولاً عن الظاهر لا لدليل منفصل، وإنه لا يجوز.

الثاني: أنه وصف ذلك الدخان بكونه مبيناً، والحالة التي ذكرتموها ليست كذلك لأنها عارضة تعرض لبعض الناس في أدمغتهم، ومثل هذا لا يوصف بكونها دخاناً مبيناً.

(1) محاسن التأويل / القاسمي، ج 8، ص 302.

ص: 707

والثالث: أنه وصف ذلك الدخان بأنه يغشي الناس، وهذا إنما يصدق إذا وصل ذلك الدخان إليهم واتصل بهم والحال التي ذكرتموها لا توصف بأنها تغشي الناس إلا على سبيل المجاز وقد ذكرنا أن العدول من الحقيقة إلى المجاز لا يجوز إلا لدليل منفصل.

الرابع: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر " قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال " دخان يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره "(1).

وردّ الرازي تلك الحجج فقال: "وأما قولهم أن ذلك يقتضي صرف اللفظ عن حقيقته إلى المجاز، لا يجوز إلا عند قيام دليل يدل على أن حمله على حقيقته ممتنع والقوم لم يذكروا ذلك الدليل فكان المصير إلى ما ذكروه مشكلاً جداً، فإن قالوا الدليل على أن المراد ما ذكرناه، أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} (2) وهذا إذا حملناه على القحط الذي وقع بمكة استقام ، فإنه نقل أن القحط لما اشتد بمكة مشى إليه أبو سفيان وناشده بالله والرحم وأوعده أنه إن دعا لهم وأزال الله عنهم تلك البلية أن يؤمنوا به، فلما أزال الله تعالى عنهم ذلك رجعوا إلى شركهم، أما إذا حملناه

(1) أخرجه الطبري بسنده في تفسيره، ج 25، ص 135.

(2)

سورة الدخان، الآية (12).

ص: 708

على أن المراد منه ظهور علامة من علامات القيامة لم يصح ذلك، لأن عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} ولم يصح أيضاً أن يقال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} " (1).

القول الراجح:

هو ما ذهب إليه ابن عاشور ومن سبقه من أن الدخان سنين القحط التي أصابت قريشاً بدلالة السياق.

قال ابن عاشور: " يؤذن بذلك قوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا} (2) "(3).

قال الطبري: " وأولى القولين بالصواب في ذلك ما رُوي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم،

إلى أن قال: " وإنما قلت: القول الذي قاله عبد الله بن مسعود هو أولى بتأويل الآية، لأن الله جلّ ثناؤه توعَّد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

(1) التفسير الكبير / الرازي ، ج 9 ، ص 657.

(2)

سورة الدخان، الآية (15).

(3)

التحرير والتنوير، ج 12، ص 286.

ص: 709

يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} (1) " (2).

وقال القرطبي: وقد كشفه الله عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم (3).

وللألوسي كلام جميل وواضح في هذا الترجيح حيث يقول: " هذا والأظهر حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود أولاً؛ لأنه أنسب بالسياق ، لما أنه في كفار قريش وبيان سوء حالهم مع أن في الآيات بعد ما هو أوفق به، فوجه الربط أنه سبحانه لما ذكر من حالهم مقابلتهم الرحمة بالكفران وأنهم لم ينتفعوا بالمنزل والمنزل عليه عقب بقوله تعالى شأنه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ} الخ، للدلالة على أنهم أهل العذاب والخذلان لا أهل الإكرام والغفران "(4).

ومما يعضد هذا القول ويرجحه القاعدة الترجيحية: (إذا ثبت الحديث وكان نصاً في تفسير الآية فلا يصار إلى غيره)(5).

قال الشنقيطي: " وفي تفسير ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية الكريمة ما يدل دلالة واضحة أن ما أذيقت هذه القرية المذكورة في (سورة النحل) من

(1) سورة الدخان، الآية (9).

(2)

جامع البيان / الطبري ، ج 25 ، ص 135.

(3)

الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 16، ص 128.

(4)

روح المعاني / الألوسي، ج 13، ص 117.

(5)

قواعد الترجيح عند المفسرين / حسين الحربي، ج 1، ص 191.

ص: 710

لباس الجوع أذيقه أهل مكة، حتى أكلوا العظام، وصار الرجل منهم يتخيل له مثل الدخان من شدة الجوع. وهذا التفسير من ابن مسعود رضي الله عنه له حكم الرفع؛ لما تقرر في علم الحديث: من أن تفسير الصحابي المتعلق بسبب النزول له حكم الرفع "، وقد ثبت في صحيح مسلم أن الدخان من أشراط الساعة ، ولا مانع من حمل الآية الكريمة على الدخانين: الدخان الذي مضى، والدخان المستقبل جمعاً بين الأدلة"(1).

5 -

مثال الغفلة:

قال تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (2).

اختلف المفسرون في من المخاطب في هذه الآية على أقوال: فقال ابن زيد: المراد به النبي صلى الله عليه وسلم، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة في قريش في جاهليتهم.

وقال ابن عباس والضحاك: إن المراد به المشركون أي كانوا في غفلة من عواقب أمورهم.

وقال أكثر المفسرين: إن المراد به البر والفاجر (3).

ورجّح ابن عاشور أن المراد به الكافر فقال: يقال هذا الكلام لكل نفس من

(1) أضواء البيان / الشنقيطي، ص 505.

(2)

سورة ق، الآية (22).

(3)

انظر هذه الأقوال في النكت والعيون / الماوردي، ج 5، ص 349.

ص: 711

نفوس المشركين فهو خطاب التهكم التوبيخي للنفس الكافرة لأن المؤمن لم يكن في غفلة عن الحشر والجزاء.

وابن عاشور في ترجيحه هذا اعتمد على السياق وهو يرى أن هذه الآيات والتي قبلها في المشركين ودليله على ذلك السياق. (1) وقد ذهب إلى هذا القول أبو حيان (2).

أما جمهور المفسرين فيرون أن المخاطب في هذه الآيات عموم الإنسان المؤمن والكافر (3).

حجة أصحاب القول الأول القائلين: إن المخاطب في هذه الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم:

ذكر الطبري حجة أصحاب هذا القول فقال: " قالوا هذا الكلام خطابا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان فى غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به، فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية، فنفذ بصره بالإيمان وتبيَّنه حتى تقرّر ذلك عنده، فصار حادّ البصر به"(4).

وردّ ابن عطية هذا التأويل وضعفه من وجوه:

(1) انظر التحرير والتنوير، ج 12، ص 308.

(2)

انظر البحر المحيط / أبو حيان، ج 8، ص 124.

(3)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 26، ص 189، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 162، والتفسير الكبير / الرازي، ج 10، ص 135، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 13، ص 190، وفتح القدير / الشوكاني، ج 5، ص 76، وروح المعاني / الألوسي، ج 13، ص 334، وساق القاسمي الأقوال الواردة في الآية وذكر أن ابن جرير عول في الأولوية على هذا القول (محاسن التأويل / القاسمي، ج 8، ص 471)، وأضواء البيان / الشنقيطي، ص 1352.

(4)

جامع البيان / الطبري، ج 26، ص 189.

ص: 712

" أحدها: أن الغفلة إنما تنسب أبداً إلى مقصر، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا تقصير له قبل بعثه ولا بعده

وثانيها: أن قوله بعد هذا: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا} (1) يقتضي أن الضمير إنما يعود على أقرب مذكور، وهو الذي يقال له {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (2) وإن جعلناه عائداً على ذي النفس في الآية المتقدمة جاء هذا الاعتراض لمحمد صلى الله عليه وسلم بين الكلامين غير متمكن فتأمله.

وثالثها: أن معنى توقيف الكافر وتوبيخه على حاله في الدنيا يسقط، وهو أحرى بالآية وأولى بالرصف، والوجه عندي ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله إنها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر" (3).

كما ضعّف هذا القول أبو حيان ولم ينقله وإنما قال: " وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله، وهو في كتاب ابن عطية "(4)، وكذلك رده الألوسي بقوله:" إنه زعم ساقط لا يوافق السباق ولا السياق"(5).

(1) سورة، ق، الآية (23).

(2)

سورة، ق، الآية (22).

(3)

انظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 162.

(4)

البحر المحيط / أبو حيان، ج 8، ص 125.قلت: لم يُرد زيد بن أسلم رضي الله عنه من قوله هذا الإساءة له صلى الله عليه وسلم، وإنما مراده أنه كان في غفلة من نزول الوحي عليه وتحمل الرسالة، وهذا قوله: " الآية مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنه خوطب بهذا في الدنيا، أي لقد كنت يامحمد في غفلة من معرفة هذا القصص والغيب حتى أرسلناك وأنعمنا عليك وعلمناك. (المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 162)

(5)

روح المعاني / الألوسي، ج 13، ص 334.

ص: 713

حجة أصحاب القول الثاني القائلين: إن المخاطب في هذه الآية هو الكافر:

حجتهم في ذلك: السياق؛ لأن الآية في معرض الخطاب على صيغة التهكم التوبيخي.

قال صالح بن كيسان والضحاك وابن عباس رضي الله عنه: معنى قوله: {لَقَدْ كُنْتَ} أي: يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد إذا حصل بين يدي الرحمن وعاين الحقائق التي كان لا يصدق بها في الدنيا ويتغافل عن النظر فيها، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} (1)، فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك (2).

قال الألوسي: " يقال للكافر الغافر إذا عاين الحقائق التي لم يصدق بها في الدنيا من البعث وغيره لقد كنت في غفلة من هذا الذي تعاينه، فالخطاب للكافر كما قال ابن عباس. وصالح بن كيسان، وتنكير الغفلة وجعله فيها وهي فيه يدل على أنها غفلة تامة، وهكذا غفلة الكفرة عن الآخرة وما فيها، وقيل: لجملة محكية بإضمار قول هو صفة لنفس أو حال والخطاب عام أي يقال لكل نفس أو قد قيل لها: لقد كنت "(3).

وقال ابن عاشور: " يقال هذا الكلام لكل نفس من نفوس المشركين فهو

(1) سورة، ق، الآية (22).

(2)

أخرج قول ابن عباس الطبري في تفسيره، ج 26، ص 189، وانظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 5، ص 162.

(3)

روح المعاني / الألوسي، ج 13، ص 334.

ص: 714

خطاب التهكم التوبيخي للنفس الكافرة، لأن المؤمن لم يكن في غفلة عن الحشر والجزاء " (1).

حجة أصحاب القول الثالث القائلين: إن المخاطب في هذه الآية هو البر والفاجر:

حجتهم في ذلك أن الآيات تخاطب الإنسان عموماً، ويدخل فيه المؤمن والكافر، قال الطبري:"يقال للإنسان: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان من الأهوال والشدائد {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} (2) يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك "(3).

وقال الرازي: " والخطاب عام، أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم، وأما المؤمن فإنه يزداد علماً ويظهر له ما كان مخفياً عنه "(4).

القول الراجح

الذي يبدو لي والله أعلم أن المخاطب في هذه الآية الإنسان الغافل عموماً سواء كان مؤمناً أو كافراً؛ لأنه حتى المؤمن تنتابه الغفلة أحيانا وتلهيه الدنيا وطول الأمل عن المصير المحتوم، والله تعالى يقول في أول الآيات:

(1) التحرير والتنوير، ج 12، ص 308.

(2)

سورة، ق، الآية (22)

(3)

جامع البيان/ الطبري، ج 26، ص 189.

(4)

التفسير الكبير / الرازي، ج 10، ص 135.

ص: 715

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} (1) أي عموم الإنسان، وإن كان المقصود الأول بذلك الشخص الكافر، لأن الآيات فيها من الوعيد وهو المعني الأول بهذا الوعيد وهو ما رجحه ابن عاشور، وهو الأنسب بالسياق، والآية بحسب السابق واللاحق في سياق الحديث عن المشركين، لأن الله تعالى يقول في الآيات قبلها:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (2)، ومعنى تحيد تفر وتهرب، وهو مستعار للكراهية.

قال ابن عاشور: " والخطاب للمقصود من الإنسان وبالمقصود الأول منه وهم المشركون لأنهم أشدّ كراهية للموت لأن حياتهم مادية مَحضة فهم يريدون طول الحياة قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} (3) إذ لا أمل لهم في حياة أخرى ولا أمل لهم في تحصيل نعيمها، فأما المؤمنون فإن كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلة بمقدار الإلف لا تبلغ بهم إلى حد الجزع منه. وفي الحديث «من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (4)، وتأويله بالمؤمن يحب لقاء الله للطمع في الثواب،

(1) سورة ق، الآية (16).

(2)

سورة ق، الآية (19).

(3)

سورة البقرة، الآية (96).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ج 5، ص 2386، ح- 6142، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ج 4، ص 2065، ح- 2683.

ص: 716

وبالكافر يكره لقاء الله. وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن المؤمن إذا حضرته الوفاة رأى ما أعد الله له من خير فأحب لقاء الله» (1)

أي والكافر بعكسه، وقد قال الله تعالى خطاباً لليهود {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} (2).

(1) ذكره ابن عاشور باختصار في التحرير والتنوير ، ج 12 ، ص 306 ، وأخرجه في البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله، ج 5، ص 2386، ح- 6142، ونصه: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه ..

(2)

سورة الجمعة، الآية (8).

ونظائر هذه الأمثلة كثيرة جداً في تفسيره منها:

1 -

ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأنعام: 60)، قال ابن عاشور:" والخطاب موجه إلى المشركين كما يقتضيه السياق السابق من قوله: {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (الأنعام: 58)، واللاحق من قوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} (الأنعام: 64) ". (التحرير والتنوير، ج 4، ص 275).

2 -

ما جاء في قوله تعالى: " {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} (الرحمن: 31) وفيه قول ابن عاشور: إن المناسب لسياق الآية باعتبار السابق واللاحق، أن تحمل على معنى الإقبال على أمور الثقلين في الآخرة ". (انظر التحرير والتنوير، ج 13، ص 257). =

ص: 717

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

3 -

ما جاء في قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} (الواقعة: 86).قال ابن عاشور: " ومعنى مدينين مجازين على أعمالكم وذكر أن التفسير بغير مربوبين بعيد عن السياق ". (انظر التحرير والتنوير، ج 13، ص 345).

4 -

ما جاء في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (الانفطار: 6)، حيث قال بعد أن ذكر الأقوال في المقصود بالإنسان: والتعريف في الإنسان للجنس، وعلى ذلك حمله جمهور المفسرين، أي ليس المراد إنساناً معيناً، وقرينة ذلك سياق الكلام. (انظر التحرير والتنوير، ج 15، ص 174).

5 -

ماجاء في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4)، وفيه قال ابن عاشور:" فالذي يلتئم مع السياق ويناسب القسم أن الكبد التعب الذي يلازم أصحاب الشرك من اعتقادهم تعدد الآلهة ". (التحرير والتنوير، ج 15، ص 351).

ص: 718