المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة - قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير

[عبير بنت عبد الله النعيم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مشكلة البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌أهمية البحث وأسباب اختياره:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌أهداف البحث:

- ‌أسئلة البحث:

- ‌المنهج في كتابة البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌ومنهجي في دراسة هذه القواعد كالآتي:

- ‌أما المنهج المتبع في دراسة تلك الأمثلة فهو الآتي:

- ‌خطة البحث

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولالتعريف بابن عاشور

- ‌المطلب الأولنشأته وبيئته العلمية

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌مسيرته العلمية والعملية:

- ‌شيوخه وعلماء عصره:

- ‌تلامذته:

- ‌المطلب الثاني‌‌مذهبه الفقهيوالعقدي ومؤلفاته

- ‌مذهبه الفقهي

- ‌منهجه في العقيدة:

- ‌كتاباته ومؤلفاته:

- ‌أولاً: آثاره في التفسير:

- ‌ثانياً: آثاره في الحديث النبوي الشريف:

- ‌ثالثاً: آثاره في الفقه وأصوله:

- ‌رابعاً: آثاره في الثقافة الإسلامية:

- ‌خامساً: آثاره في اللغة والأدب:

- ‌سادساً: آثاره في التاريخ والتراجم

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بتفسير (التحرير والتنوير)

- ‌المطلب الأولالتعريف بـ " التحرير والتنوير

- ‌منهجه في إيراد المعلومات:

- ‌المطلب الثانيموقف ابن عاشور من أنواع التفسير

- ‌أولاً: موقفه من التفسير بالمأثور:

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌أولاً: طريقته في إيراد الأحاديث:

- ‌ثانياً: طريقته في عزو الأحاديث:

- ‌ثالثاً: طريقته في الحكم على الأحاديث:

- ‌ تفسير القرآن بمرويات الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ثانياً: موقفه من التفسير بالرأي:

- ‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

- ‌المطلب الرابععنايته بالوجوه البلاغية واللغة

- ‌أولاً: الإيجاز:

- ‌ثانياً: المجاز:

- ‌ثالثاً: الإعجاز:

- ‌رابعاً: التفنن:

- ‌خامساً: الالتفات:

- ‌المطلب الخامسمصادر ابن عاشور في تفسيره

- ‌1 - التفسير وعلوم القرآن:

- ‌2 - في القراءات:

- ‌3 - الحديث النبوي:

- ‌4 - الفقه والأصول:

- ‌5 - العقيدة وعلم الكلام:

- ‌6 - اللغة والنحو:

- ‌الفصل الأولمقدمات في قواعد التفسير والترجيح

- ‌المبحث الأولمعنى القاعدة والتفسير والترجيح

- ‌تعريف القاعدة:

- ‌تعريف التفسير لغة:

- ‌تعريف التفسير اصطلاحاً:

- ‌تعريف الترجيح:

- ‌التعريف بالمركب الإضافي "قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثانينشأة قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثالثالفرق بين قواعد التفسير وقواعد الترجيح

- ‌أولاً: قواعد التفسير

- ‌تعريفه:

- ‌فائدته:

- ‌استمداد قواعد التفسير:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح:

- ‌موضوع قواعد الترجيح:

- ‌فائدته:

- ‌استمدادها:

- ‌المبحث الرابعأنواع قواعد الترجيح

- ‌أولا: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والأثر:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح المتعلقة باللغة، ومنها:

- ‌المبحث الخامسالأسباب الموجبة للترجيح

- ‌الأول: اختلاف تضاد:

- ‌الثاني: اختلاف تنوع:

- ‌المبحث السادسقواعد التفسير عند ابن عاشور

- ‌أولاً: القواعد المتعلقة بأسباب النزول:

- ‌ثانياً: القواعد اللغوية

- ‌ثالثاً: القواعد المتعلقة بالقراءات

- ‌رابعاً: القواعد المتعلقة بالسنة والآثار

- ‌خامساً: القواعد المتعلقة بالنسخ

- ‌الفصل الثانيقواعد الترجيح المتعلقة بذات النص القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي تؤيده الآيات القرآنية مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل إطلاق اللفظ على ظاهره ما لم يرد دليل يصرفه عن ظاهره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثالأولى إعمال اللفظ بكلا معنييه الحقيقي والمجازي متى أمكن

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعيقدم المجاز على الحقيقة إذا وجدت القرينة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسإذا خلت الأقوال في الآية من مستند شرعي وكانت متساوية فالقول الموافق لما جاء في التوراة مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الثالثقواعد الترجيح المتعلقة بالنسخ

- ‌المبحث الأولالأصل عدم النسخ ما لم يقم دليلصحيح صريح على خلاف ذلك

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيقاعدة النسخ لا يقع في الأخبار

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإن الزيادة على النص ليست بنسخ

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعالإجماع يعد ناسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتخصيص بعد العمل بالعام والتقييد بعد العمل بالمطلق لايعدُّ نسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الرابعقواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورسم المصحف

- ‌المبحث الأولالقراءات المتواترة حق كلها نصاً ومعنى لا يجوز ردها أو رد معناها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل توافق القراءات في المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثاختلاف القراءات في ألفاظ القرآن الكريم يكثر المعاني في الآية الواحدة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعتأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتفسير الموافق لرسم المصحف مقدم على غيره من التفاسير

- ‌صورة القاعدة:

- ‌بيان ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الخامسقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي يدل عليه السياق أولى من غيرهمالم توجد حجة يجب إعمالها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالقول المبني على مراعاة النظم وظاهر ترتيب الكلام أولى من غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثلكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتهافلا تعارض بين الآيات

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌موقف العلماء من القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السادسقواعد الترجيح المتعلقة بالمفردة القرآنية

- ‌المبحث الأولإعمال الأغلب في القرآن وتقديم المفهوم الجاري في استعماله أولى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإذا احتمل اللفظ معان عدة ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السابعتقويم منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الأولمعالم منهج ابن عاشور في الترجيح ومميزاته

- ‌المطلب الأولصيغ الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المطلب الثانيمنهج ابن عاشور في استعمال وجوه الترجيح

- ‌المطلب الثالثمميزات الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الثالثأثر عقيدة ابن عاشور في صياغة القواعد والترجيح بها

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

‌المطلب الثالث

منهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

اعتنى الشيخ ابن عاشور بالقراءات عناية كبيرة ، وجعل المقدمة السادسة من مقدمات التفسير للحديث عنها، وذكر أن السبب في كتابتها في المقدمة هو عناية كثير من المفسرين بها.

وبنى أول التفسير على قراءة نافع برواية عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون لأنها القراءة المدنية إماما وراويًا، ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل تونس، ثم ذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة.

وذكر أنه اقتصر في تفسيره على ذكر اختلاف القراءات العشر المشهورة خاصة في أشهر روايات الراوين عن أصحابها لأنها متواترة، وإن كانت القراءات السبع قد امتازت على بقية القراءات بالشهرة بين المسلمين في أقطار الإسلام.

ولكنه لم يلتزم بما قال، بل أطنب إطنابا غريبا في بعض المواضع، ومن ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1): " والصراط: الطريق ،وهو بالصاد والسين ،وقد قرئ بهما في المشهورة ،وكذلك نطقت به بالسين جمهور العرب إلا أهل الحجاز نطقوه بالصاد مبدلة عن السين لقصد التخفيف في الانتقال من السين إلى الراء ثم إلى الطاء

وقيسٌ قلبوا السين بين الصاد والزاي وهو إشمام وقرأ به حمزة في رواية خلف عنه. ومن العرب من

(1) سورة الفاتحة، الآية (5).

ص: 78

قلب السين زايًا خالصة " (1).

أما الشروط التي اشترطها ابن عاشور في القراءة المقبولة فهي نفس الشروط التي ترددت عند العلماء وهي:

1 -

موافقة اللغة العربية ولو بوجه من الوجوه.

2 -

موافقة رسم أحد المصاحف العثمانية.

3 -

صحة سندها.

وإلى ذلك يشير ابن الجزري في "طيبة النشر " بقوله:

فكل ما وافق وجه نحو

وكان للرسم احتمالاً يحوي

وصح إسناداً وهو القرآن

فهذه الثلاثة الأركان

وحيثما يختل ركن أثبت شذوذه

لوأنه في السبعة (2)

ولكن مما يجدر الإشارة إليه أن ابن عاشور يرى أن التواتر شرط كاف لأن تكون القراءة مقبولة

حيث يرى أن الشروط الثلاثة الأولى هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن كانت صحيحة السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح، وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية، ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه (3).

(1) التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج 1، ص 190.

(2)

طيبة النشر في القراءات العشر / ابن الجزري، ص 23.

(3)

انظر التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج 1، ص 53.

ص: 79

ويؤيد كلام ابن عاشور ما ذكره ابن الجزري: "وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم ولقد كنت أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده "(1).

ويقول أيضا: " إن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآناً ، سواء أوافق الرسم أم خالفه "(2).

ومن هنا لا يعبأ الشيخ محمد بن عاشور بمخالفة بعض القراءات المتواترة لرسم المصحف.

أما عن موقفه من القراءات المتواترة من حيث الترجيح والاختيار فهو الآتي:

أولاً: نجده أحياناً يختار من القراءات المتواترة.

ومن أمثلة اختياره بعض القراءات المتواترة الصحيحة ما أورده عند بيان القراءات في قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) حيث قال: " وقرأ الجمهور هاء «وهو» بالضم على الأصل، وقرأها قالون وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر بالسكون للتخفيف عند دخول حرف العطف عليه، والسكون أكثر من الضم في كلامهم ، وذلك مع الواو والفاء ولام الابتداء،

ووجهه: أن الحروف التي هي على حرف واحد إذا دخلت على الكلمة

(1) النشر في القراءات العشر / ابن الجزري، ج 1، ص 18.

(2)

النشر في القراءات العشر/ ابن الجزري ، ج 1 ، ص 18.

(3)

سورة البقرة، الآية (29).

ص: 80

تنزلت منزلة الجزء منها فصارت الكلمة ثقيلة بدخول ذلك الحرف فيها ، فخففت بالسكون كما فعلوا ذلك في حركة لام الأمر مع الواو والفاء، ومما يدل على أن أفصح لغات العرب إسكان الهاء مِن (هو) إذا دخل عليه حرف، أنك تجده في الشعر فلا يتزن البيت إلا بقراءة الهاء ساكنة ولا تكاد تجد غير ذلك بحيث لا يمكن دَعوى أنه ضرورة" (1).

ثانياً: لا يرجح بين القراءات المتواترة الصحيحة، بل نجده أحيانا يرد على بعض العلماء الذين يرجحون بين القراءات الصحيحة الثابتة ويطعنون فيها:

ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن عاشور عند قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (2) قال: " وكلتاهما - أي قراءة ملك ومالك - صحيحة ثابتة ، كما هو شأن القراءات المتواترة كما تقدم في المقدمة السادسة ، وقد تصدى المفسرون والمحتجون للقراءات لبيان ما في كل من قراءة (ملك) بدون ألف ، وقراءة (مالك) بالألف من خصوصيات بحسب قَصْر النظر على مفهوم كلمة ملك ومفهوم كلمة (مالك)، وغفلوا عن إضافة الكلمة إلى يوم الدين، فأما والكلمة مضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه المتصرف في شؤون ذلك اليوم دون شبهة مشارك. ولا محيصَ عن اعتبار التوسع في إضافة (ملك) أو (مالك) إلى (يوم) بتأويل شؤون يوم الدين. على أن (مالك) لغة في (ملك) ففي

(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 387.

(2)

سورة الفاتحة، الآية (4).

ص: 81

«القاموس» : «وكأمير وكتف وصاحب ذُو الملك» " (1).

كما نجد ابن عاشور قد ردَّ على بعض العلماء السابقين الذين يرجحون بين القراءات الثابتة، ومن ذلك ردّه على ابن جرير عند توجيه القراءات في كلمة (يطهرن) حيث رجّح الطبري قراءة التشديد قائلاً " وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ:" حتى يطَّهَّرن " بتشديدها وفتحها، بمعنى حتى يغتسلن، لإجماع الأمة على أنه حرام على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم عنها حتى تطهر " (2)

فكان رد ابن عاشور عليه بقوله: " بأنه مردود بأن لا حاجة إلى الاستدلال بدليل الإجماع ، ولا إلى ترجيح القراءة به "(3).

أما منهجه في ذكر القراءات الشاذة:

فقد ذكر ابن عاشور في تفسيره أنه لن يتعرض للقراءات الشاذة، ولكنه يذكرها أحياناً، ولأغراض معينة، وهو إن ذكرها إما أن يصرح بشذوذها، ويذكر وجه ذكره لها - كما سيأتي - وإما أن لا يصرح بشذوذها، ولكنه يفهم منه تلميحا ضعفها فمثلاً عند قوله تعالى:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} (4) قال: "والقراءة المتواترة {الْمَلَكَيْنِ} بفتح لام الملكين، وقرأه ابن عباس والضحاك

(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 175.

(2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن / الطبري، ج 2، ص 462.

(3)

التحرير والتنوير، ج 2، ص 368.

(4)

سورة البقرة، الآية (102).

ص: 82

والحسن بن أبزى بكسر اللام" (1).

فهنا لم يصرح ابن عاشور بشذوذ قراءة ابن عباس ومن معه ولكن فهم منه تلميحاً، وقد يكون هذا الذي لم يصرح به مما نقله من كتب التفاسير، وهذا قليل.

أما أغراض ذكر القراءات الشاذة عند ابن عاشور فهي التالي:

1 -

إنه يستشهد بالقراءة الشاذة ليفسر ويبين القراءة المتواترة ومن ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (2) قال: " قرأها ابن عباس بزيادة (مواسم الحج) حيث انقطع البيع وحرم، وكانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فتأثمَّوا أن يتجروا في المواسم، فنزلت هذه الآية "(3).

2 -

كما أنه يستشهد بالقراءة الشاذة ليدلل على أحد الأقوال الواردة في الآية حيث نجده يورد القراءة الشاذة دون أن يصرح بشذوذها ليعضد بها قولاً من الأقوال الواردة في معنى الآية (4).

3 -

كما أنه يستدل أحياناً بالقراءة الشاذة على صحة بعض الوجوه

(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 639.

(2)

سورة البقرة، الآية (198).

(3)

التحرير والتنوير، ج 2، ص 237.

(4)

انظر التحرير والتنوير ج 1، ص 641.

ص: 83

النحوية، ومن ذلك قوله عند قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (1): " قرأ الجمهور: فيَغفرْ ويعذّب بالجزم، عطفاً على يحاسِبْكم، وقرأه ابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب: بالرفع على الاستئناف ، بتقدير فهو يغفر، وهما وجهان فصيحان، ويجوز النصب ولم يقرأ به إلا في الشاذ "(2).

4 -

أحياناً يذكر القراءة الشاذة لقصة طريفة فيها نكتة عربية، قال ابن عاشور: عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} (3): " ومن القراءات الشاذة في هذه الآية ما ذكره في "الكشاف " أن عليا قرأ " والذين يَتَوفون " بفتح التحتية، على أنه مضارع "توفى"مبنيا للفاعل، بمعنى مات، بمعنى توفى أجله، أي: استوفاه، وأنا وإن كنت التزمت ألا أتعرض للقراءات الشاذة فإنما ذكرت هذه القراءة لقصة طريفة فيها نكتة عربية، أشار إليها في الكشاف وفصلها السكاكي في المفتاح، وهي أن عليا كان يشيع جنازة فقال له قائل " من المتوفي " بلفظ اسم الفاعل " أي بكسر الفاء " سائلا عن المتوفى - بفتح الفاء - فلم يقل: فلان بل قال (الله) مُخَطِّئاً إياه مُنبهاً له بذلك على أنه يحق أن يقول: من المتوفى؟ بلفظ اسم المفعول ، وما فعل ذلك إلا لأنه عرف من السائل أنه ما أورد لفظ المتوفى

(1) سورة البقرة، الآية (284).

(2)

التحرير والتنوير، ج 2، ص 131.

(3)

سورة البقرة، الآية (234).

ص: 84

على الوجه الذي يكسوه جزالة وفخامة وهو وجه القراءة المنسوبة إليه - أي إلى علي - والذين يتوفون منكم بلفظ بناء الفاعل على إرادة معنى: (والذين يستوفون مدة أعمارهم) " (1).

(1) التحرير والتنوير، ج 2، ص 449، وانظر الإمام محمد الطاهر بن عاشور ومنهجه في توجيه القراءات / محمد بن سعد القرني، ص 237 - 243.

ص: 85