الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحج
باب وجوب الحج وفضله
وقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ، كذا لأبي ذر، وسقط لغيره البسملة وباب، ولبعضهم قوله، وقول الله تعالى، ونفي رواية الأصيلي: كتاب المناسك، وهو جمع منسك بفتح السين وكسرها، وهو التعبد، ويقع على المصدر والزمان والمكان، ثم سميت أمور الحج كلها مناسك.
والمنسك: الذبح وقد نسك ينسك نسكًا إذا ذبح، والنسيكة الذبيحة، وجمعها نسك والمنسك أيضًا: الطاعة والعبادة، وكلُّ ما تُقرّب به إلى الله عز وجل.
والنسك: ما أَمرت به الشريعة والورع، وما نهت عنه.
والناسك: العابد، وسئل ثعلب عن الناسك ما هو؟ فقال: هو مأْخوذٌ من النسيكة، وهي سبيكة الفضة المصفَّاة، كان الناسك صفَّى نفسه لله تعالى.
وقد مرَّ عند كتاب الإيمان -أول كتاب- ما يتعلق بالكتاب.
وقدَّم المصنف كتاب الحج عقب الزكاة على كتاب الصوم؛ لأن للحج اشتراكًا مع الزكاة في كونهما عبادة مالية، ولا يقال: كان ينبغي إذًا أن يذكر الصيام عقب الصلاة؛ لأن كُلاًّ منهما عبادة بدنية، لأنَّا نقول: قُدِّمت الزكاة عقب الصلاة لأنَّها قرينتها في الكتاب والسنة، وهي ثالثةُ أركان الإِسلام.
ورتَّب المصنِّف الحج على مقاصد متناسبة، فبدأ بما يتعلق بالمواقيتِ، ثم بدخول مكة وما معها، ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرَّمات الإحرام، ثم بفضل المدينة. ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفَطِن.
وأصل الحج في اللغة: القصد، وقال الخليل: كثرة القصد إلى مُعظَّم، ومنه قول الشاعر:
وأَشهد من عوف حلولًا كثيرة
…
يحجُّون سِبَّ الزِبرقان المزعفر
والسِب بكسر المهملة: العمامة، والزبرقان بكسر الزاي: لقب الحصين، وأصله القمر، وسُمِّي حج البيت حجًّا؛ لأن الناس يأتونه كل سنة.
وفي الشرع: القصد إلى البيت الحرام على وجه التعظيم بأعمال مخصوصة، وسببه البيت لأنه يضاف إليه، ولهذا لا يجب في العمر إلَاّ مرَّةً واحدة، وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان. نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد، والفتح عن غيرهم. ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر، وعن غيره عكسه، ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة. وأجمعوا على أنه لا يتكرَّر إلا لعارضٍ كالنذر.
واختُلف هل هو على الفور أو التراخي وهو مشهور، وفي وقت ابتداء فرضه خلاف، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذ، وقيل: بعدها، واختُلِف في سنته، فالجمهور على أنها سنة ستٍّ لأنها نزل فيها قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، وهذا ينبني على أن المراد بالإِتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ: وأقيموا، أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم، وقيل: المراد بالإِتمام: الإِكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك، وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس، وهذا يدل -إن ثبت- على تقدمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها، قال الطرطوشي: وقد روي أن قدومه على النبي عليه الصلاة والسلام كان سنة تسع، وذكر الماوردي أنَّه فرض سنة ثمانٍ، وقال إمام الحرمين: سنة تسع أو عشرة، وقيل: سنة سبع.
وأمَّا فضله فمشهور، ولاسيما في الوعيد على تركه في الآية، وسيأتي في باب مفرد، ومن الأحاديث الواردة في فضله ما أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا أَيُّها الناس، قد فُرض عليكم الحجّ فحجُّوا"، فقال رجل: أَكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قُلتُ نعم لوجبت، ولما استطعتم"، ثم قال:"ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلَكم بكثرةِ سؤالهم واختلافهم على أنبيائِهم، وإِذا أَمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استعتُمْ، وإذا نَهيتُكُم عن شيءٍ فدعوه" رواه مسلم، وفي روايته: فقام الأقرع بن حابس، فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ الحديث.
وعن أحمد، عن علي رضي الله تعالى عنه، قال: لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ الحديث.
وأشار المصنف بذكر هذه الآية الكريمة إلى أنَّ وجوب الحج قد ثبت بهذه الآية، هذا