الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
أي: من المغرب والعشاء بالمزدلفة.
الحديث الخامس والخمسون والمائة
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه، فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ -أُرَى رَجُلاً- فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، قَالَ عَمْرٌو: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَاّ مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَاّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، فِي هَذَا الْمَكَانِ، مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَمَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ. قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.
قوله: "حج عبد الله" في رواية أحمد والنسائي عن زهير بالإسناد: حج عبد الله بن مسعود، فأمرني علقمة أن ألزمه، فلزمته، فكنت معه، وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب: خرجت مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعًا.
وقوله: "حين الأذان بالعتمة أو قريبًا من ذلك"، أي: من مغيب الشفق.
وقوله: فأمر رجلًا، قال في "الفتح": لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد، فإن في رواية حسن بن موسى عند أحمد وحسين بن عياش عند النسائي: فكنت معه، فأتينا المزدلفة، فلما كان طلع الفجر، قال: قم، فقلت له: إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها.
وقوله: "ثم أمر أُرى رجلًا فأذن وأقام، قال عمرو: لا أعلم، الشك إلا من زهير" أُرى بضم الهمزة، أي: أظن، وقد بيَّن عمرو شيخ البخاري فيه أن الشك من شيخه زهير، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن موسى، عن زهير، مثل ما رواه عنه عمرو، ولم يقل ما قال عمرو،
وأخرجه البيهقي عن زهير، وقال فيه: ثم أمر، قال زهير: أُرى، فأذن وأقام وسيأتي بعد باب في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق بأصرح مما قال زهير، ولفظه: ثم قدمنا جمعًا فصلى الصلاتين كل واحدة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بفتح العين بينهما، ورواه ابن خزيمة وأحمد عن أبي إسحاق بلفظ: فأذن وأقام، ثم صلى المغرب، ثم تعشى، ثم قام فأذن وأقام وصلى العشاء، ثم بات بجمع حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام، ولأحمد عن أبي إسحاق أيضًا: فصلى بنا المغرب، ثم دعا بعشاء فتعشى، ثم قام فصلى العشاء، ثم رقد، وعند الإسماعيلي: عن ابن أبي ذيب في هذا الحديث: ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها، ولأحمد من رواية زهير: فقلت له: إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها.
وقوله: "فلما طلع الفجر" في رواية المستملي والكُشميهني: فلما حين طلع الفجر، وفي رواية الحسين بن عياش، عن زهير: فلما كان حين طلع الفجر.
وقوله: "قال عبد الله" يعني ابن مسعود.
وقوله: "عن وقتهما" كذا للأكثر، وللسرخسي عن وقتها بالإفراد، وسيأتي بعد باب في رواية إسرائيل رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "حتى يبزغ" بزاي مضمومة وغين معجمة، أي: بطلع.
وفي هذا الحديث مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما، قال ابن حزم: لم نجده مرويًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت عنه لقلت به، ثم أخرج عن أبي إسحاق في هذا الحديث، قال أبو إسحاق: فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي، فقال: أما نحن أهل البيت، فهكذا نصنع، قال ابن حزم: وقد روي عن عمر من فعله، أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه، ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه، فأذن لهم ليجتمعوا، ليجمع بهم، ولا يخفى تكلفه، ولو تأتى له ذلك في حق عمر لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم، لم يتأت له ذلك في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم، وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري.
وروى ابن عبد البر، عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود، وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفًا، ومع كونه لم يروه، وبترك ما روى عن أهل المدينة، وهو مرفوع، قال ابن عبد البر: وأعجب أن من الكوفيين حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة، وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة، وتركوا ما رووا في ذلك عن ابن
مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدًا، والجواب عن مالك أنه اعتمد على صنيع عمر في ذلك، وإن كان لم يروه في "الموطأ"، واختار الطحاوي ما جاء عن جابر في حديثه الطويل عند مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، وهذا قول الشافعي في القديم.
ورواية عن أحمد، وبه قال ابن الماجشون وابن حزم، وقوّاه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وقال الشافعي في الجديد، والثوري: وهو رواية عن أحمد: يجمع بينهما بإقامتين فقط، وهو ظاهر حديث أسامة الماضي قريبًا حيث قال: فأقام المغرب، ثم أناخ الناس، ولم يحلوا حتى أقام العشاء، وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحوي وغيره، وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان، وهو المشهور عند أحمد.
واستدل بحديث ابن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين لمن أراد الجمع بينهما لكون ابن مسعود تعشى بين الصلاتين، ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه، ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع، وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله: إن المغرب تحول عن وقتها، فرأى أنه وقت هذه المغرب خاصةً، ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين هذه المغرب خاصة، ويحتمل أن يكون قصد الجمع، وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويًا للجمع، ويحمل قول تحول عن وقتها، أي: المعتاد، وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها، فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها، وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فعلها في الحضر، ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما مرَّ في المواقيت التغليس بها، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته، ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس، وأما بمزدلفة، فكان الناس مجتمعين، والفجر نصب أعينهم، فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه، وهو بيّن في رواية إسرائيل الآتية حيث قال:"صلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع".
واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة، وجمع لقول ابن مسعود ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم، وتقدم في موضعه بما فيه كفاية، وأيضًا