الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
الخَلوق بفتح الخاء المعجمة: نوع من الطيب مركب فيه زعفران.
الحديث الثالث والعشرون
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى، أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: أَرِنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ: اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قوله: "قال أبو عاصم" هو من شيوخ البخاري، ولم يرو عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإِسماعيلي، فقال: ذكره عن أبي عاصم بلا خبر، وأبو نعيم، فقال: ذكره بلا واسطة، وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ: حدثنا محمد، حدثنا أبو عاصم، ومحمد هو ابن معمر، أو ابن بشار، ويحتمل أن يكون البخاري.
ولم يقع في المتن ذكر الخلوق، وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه، وهو في أبواب العمرة بلفظ:"وعليه أثر الخلوق".
وقوله: "أن يعلى" هو ابن أمية التميمي، ويأتي تعريفه، وتعريف ابنه صفوان في السند، وليست رواية صفوان عنه لهذا الحديث بواضحة لأنه قال فيها أن يعلى قال لعمر: ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر، فإن يكن صفوان حضر مراجعتهما، وإلا فهو منقطع، لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عن صفوان بن يعلى، عن أبيه الحديث.
وقوله: "جاء رجل" سيأتي بعد أبواب بلفظ: جاء أعرابي، والرجل المبهم قيل أنه عطاء بن منية، وفي "شرح سراج الدين بن الملقن": هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد، إذ في كتاب "الشفاء" للقاضي عياض عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق، فقال:"ورس ورس، حط حط"، وغشيني بقضيب بيده في بطني، فأوجعني، قال ابن الملقن: لكن عمرو هذا لا يدرك؛ لأنه صاحب ابن وهب. أ. هـ.
وهو معترض من وجهين، أمَّا أولًا، فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بصاحبها، وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة، فإن من يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب الإِمام مالك، بل إن ثبت فهو آخر، وافق اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، والغرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على ابن الملقن، وإنما الذي في الشفاء: سواد بن عمرو، وقيل: سوادة بن عمرو، وأخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في "مصنفه"، والبغوي في "معجم الصحابة"، وسأذكر في السند تعريف من قيل إنه هو المبهم.
وروى الطحاوي عن أبي حفص بن عمرو، عن يعلى أنه مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق، فقال:"ألك امرأة"؟ قال: لا، قال:"اذهب فاغسله" فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلي بن أمية هو صاحب القصة، وليس كذلك، فإن راوي هذا الحديث يعلي بن مرة الثقفي، وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإِحرام، نعم روى الطحاوي في موضع آخر ذلك عن يعلي بن أمية صاحب القصة، فعن عطاء ابن أبي رباح أن رجلًا يقال له يعلي بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها، قال قتادة: قلت لعطاء: إنما كنا نرى أن نشقها، قال عطاء: إن الله لا يحب الفساد.
وقوله: "قد أُظِلّ به" بضم الهمزة وكسر الظاء المعجمة، أي: جعل عليه كالظلة، وعند الطبراني في "الأوسط" وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإِتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة.
وقوله: "يغطُّ" بفتح أولى وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة، أي: ينفخ، والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحالة أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي، وكان يقول ذلك لعمر، فقال له عمر حينئذ: تعال فانظر، وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "سُرِّي عنه" بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة، أي: كشف عنه شيئًا بعد شيء.
وقوله: "اغسل الطيب الذي بك" هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه، وسيأتي البحث فيه.
وقوله: "واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك" في رواية. الكشميهني كما تصنع، وسيأتي في أبواب العمرة:"كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ "، ولمسلم عن عطاء:"وما كنت صانعًا في حجك فاصنع في عمرتك"، وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، قال ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإِحرام إذا حجُّوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد، وقال ابن المنير: قوله: "واصنع" معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل، قال: وأما قول ابن بطال: أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال، فإن في الحج أعمالًا زائدة على العمرة كالوقوف بعرفة، وما بعده، وقال النووي كما قال ابن بطال، وزاد: ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج، وقال الباجي: المأمور به غير نزع الثوب، وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما، فلم يبق إلا الفدية، كذا قال، ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك أن عند مسلم والنسائي عن عمرو بن دينار، عن عطاء في هذا الحديث، فقال:"ما كنت صانعًا في حجك؟ "، قال: أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذا الخلوق. فقال:"ما كنت صانعًا في حجك، فاصنعه في عمرتك".
وقوله: "فقلت لعطاء" القائل هو ابن جريج، وهو قال على أنه فهم من السياق أن قوله:"ثلاث مرات" من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وذلك هو الظاهر أو المتعين، ويحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه عليه الصلاة والسلام أعاد لفظة: اغسله مرة ثم مرة، على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، لتفهم عنه، قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة، وإنما فيه أن الرجل كان متضمخًا.
وقوله: "اغسل الطيب الذي بك" يوضح أن الطيب لم يكن في ثوبه، وإنما كان على بدنه، ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإِحرام، والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده، وسيأتي في محرمات الإِحرام من وجه آخر بلفظ:"عليه قميص فيه أثر صفرة"، والخلوق عادة إنما يكون في الثوب، ورواه
أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن عطاء، بلفظ: رأى رجلًا عليه جبة عليها أثر خلوق، ولمسلم عن عطاء مثله، وأخرج سعيد بن منصور، عن عطاء، عن يعلي بن أمية أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني أحرمت وعلي جبتي هذه، وعلى جبته ردغ من خلوق، الحديث، وفيه:"فقال: اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران".
واستدل بحديث يعلى على منع استعمال الطيب عند الإِحرام، وعلى منع استدامته بعد الإِحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن، وخالفهما في ذلك الجمهور، وأجابوا بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة، كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها عند إحرامه كما يأتي في الذي بعده، وكان ذلك في سنة عشر في حجة الوداع بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقًا محرمًا، أو غير محرم. وفي حديث ابن عمر الآتي قريبًا: ولا يلبس، أي المحرم شيئًا من الثياب مسَّه زعفران، وفي حديث ابن عباس الآتي أيضًا: ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة، وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي بعده.
واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا، ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية: تجب مطلقًا.
وعلى أن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه، ولا يلزمه تمزيقه ولا شقّه، خلافًا للنخعي والشعبي، حيث قالا: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه، أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن، وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ:"اخلع عنك الجبة، فخلعها من قبل رأسه".
وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له.
وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى، لكن وقع عند الطبراني في "الأوسط" أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .
وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي.
وفيه جواز النظر إلى غيره، وهو مغطى بشيء، وإدخال رأسه في غطائه إذا علم أنه لا