الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كسوة الكعبة
أي: حكمها في التصرف فيها ونحو ذلك
الحديث التاسع والسبعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَاّ قَسَمْتُهُ. قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا؟. قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِى بِهِمَا.
قوله: "على الكرسي" في رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي عند ابن ماجه والطبراني بهذا السند: بعث معي رجل بدراهم هدية إلى البيت، فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي، فناولته إياها، فقال: لك هذه فقلت: لا، ولو كانت لي لم آتك بها.
وقوله: "صفراء ولا بيضاء"، أي: ذهبًا ولا فضة، قال القرطبي: غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة، وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها ويدخر ما يزيد على الحاجة، وأما الحلي فمحبسة عليها كالقناديل، فلا يجوز صرفها في غيرها، وقال ابن الجوزي: كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيمًا لها فيجتمع فيها.
وقوله: "إلا قسمته"، أي: المال، وفي رواية عمر بن شبّة في "كتاب مكة": إلا قسمتها، وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي عند المصنف في "الاعتصام": إلا قسمتها بين المسلمين، وعند الإسماعيلي: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين.
وقوله: "قلت: إن صاحبيك لم يفعلا" في رواية ابن مهدي، قلت: ما أنت بفاعل؟ قال: لم قلت: لم يفعله صاحباك؟ وعند الإسماعيلي والمحاربي، قال: ولم ذلك؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه، وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، ولم يحركاه.
وقوله: "هما المرآن" تثنية مرء بفتح الميم، ويجوز ضمها، والراء سكنة على كل حال بعدها همزة، أي: الرجلان.
وقوله: "أقتدي بهما" في رواية عمر بن شبة تكرير قوله: "المرآن أقتدي بهما"، وفي رواية ابن مهدي في "الاعتصام":"يقتدى بهما" على البناء للمجهول، وعند الإسماعيلي والمحاربي: فقام كما هو وخرج ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأُبّي بن كعب، أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة، عن الحسين أن عمر أراد أن يخرج كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله، فقال له أبي بن كعب: قد سبقك صاحباك، فلو كان فضلاً لفعلاه، لفظ عمر بن شبة، ولفظ عبد الرزاق: فقال أبيّ بن كعب: والله ما ذاك لك، قال: ولم؟ قال: أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن بطال: أراد عمر إنفاقه في منافع المسلمين لكثرته، ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك -والله تعالى أعلم- لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإِسلام وترهيب العدو، أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث لاحتمال أن يكون تركه عليه الصلاة والسلام لذلك رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم في بناء الكعبة: لأنفقت كنز الكعبة، ولفظه:"لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض"، الحديث، وهذا التعليل هو المعتمد.
وحكى الفاكهاني في "كتاب مكة" أنه عليه الصلاة والسلام وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، فقيل: لو استعنت بها على حربك فلم يحركه، وعلى هذا فإنفاته جائز كما لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع، ولولا قوله في الحديث:"في سبيل الله" لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس، ويمكن أن يحمل قوله:"في سبيل الله" على ذلك؛ لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله، واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة، ومسجد المدينة، فقال: هذا الحديث عمدة في مال الكعبة، وهو ما يهدى إليها، أو ينذر لها، قال: وأما قول الرافعي: لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة، ولا تعليق قناديلها فيها، حكى الوجهين في ذلك: أحدهما الجواز تعظيمًا كما في المصحف، والآخر: المنع إذ لم ينقل من فعل السلف، فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل سترها بالحرير والديباج، وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف من تمسك للجواز بما وقع
في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي، قال: ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته، ثم استدل للجواز بأن استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما، قال: وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك، وقد قال الغزالي: من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن؛ فإنه لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب، وهذا بخلافه، فيبقى على أصل الحل ما لم ينته إلى الإسراف، وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام عليه الإجماع.
وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدى به، والوليد لا حجة في فعله، وترك عمر بن عبد العزيز النكير أو الإزالة يحتمل عدة معاني، فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفًا من سطوة الوليد، ولعله لم يزلها؛ لأنها لا يتحصل منها شيء، ولاسيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح، فلعله رأى أن تركها أولى لأنها لا يتحصل منها شيء، ولاسيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح، فلعله رأى أن تركها أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره، وربما أدى قلعه إلى إزعاج بناء الكعبة فتركه، ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز، قاله في "الفتح".
قلت: الوليد لم يذكر عنه تحلية الكعبة وإنما ذكر عنه تحلية سقوف المسجد النبوي فتأمل.
وقوله: "إن الحرام من الذهب" إنما هو استعماله في الأكل والشرب، الخ، هو متعقب بأن استعمال كل شيء بحسبه، واستعمال قناديل الذهب للزينة، وأما استعمالها للايقاد فممكن على بعد، وتمسكه بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما لم ينته إلى الإسراف، والقنديل الواحد من الذهب يكفي تحلية عدة مصاحف، وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع يكون ذلك لم ينقل عن السلف، وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضمومًا إلى شيء آخر، وهو أنه قد صح النهي عن استعمال الحرير والذهب، فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب مع عنايتهم بها وتعظيمها، دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي، وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب والقناديل من الأواني بلا شك، واستعمال كل شيء بحسبه، وقد قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب لكسوة الكعبة ذكر يعني، فلا يطابق الترجمة، وقال ابن بطال: معنى الترجمة صحيح ووجهها أنه معلوم أن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة بالذهب وغيره، كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها، فأراد البخاري أن عمر لما رأى
قسمة الذهب والفضة صوابًا، كان حكم الكسوة حكم المال تجوز قسمتها، بل ما فضل من كسوتها أولى بالقسمة، وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون مقصوده التنبيه على أن كسوة الكعبة مشروع، والحجة فيه أنها لم تزل تقصد بالمال يوضع فيها على وجه الزينة إعظامًا لها، فالكسوة من هذا القبيل، قال: ويحتمل أن يكون أراد ما في بعض طرق الحديث كعادته، ويكون هناك طريق موافقة للترجمة إما لخلل شرطها، وإما لتبحر الناظر في ذلك، وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون أخذه من قول عمر: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، فالمال يطلق على كل شيء، فتدخل فيه الكسوة.
وقد ثبت في الحديث: "ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت"، قال: ويحتمل أيضًا، فذكر نحو ما قال ابن بطال، وزاد: فأراد التنبيه على أنه موضع اجتهاد وأن رأي عمر جواز التصرف في المصالح، وأما الترك الذي احتج به عليه شيبة فليس صريحًا في المنع، والذي يظهر جواز قسمة الكسوة العتيقة إذ في بقائها تعريض لإتلافها، ولا جمال في كسوة عتيقة مطوية، قال: ويؤخذ من رأي عمر أن صرف المال في المصالح آكد من صرفه في كسوة الكعبة، لكن الكسوة في هذه الأزمنة أهم، قال: واستدلال ابن بطال بالترك على إيجاب بقاء الأحباس لا يتم إلا إن كان القصد بمال الكعبة إقامتها، وحفظ أصولها إذا احتيج إلى ذلك، ويحتمل أن يكون القصد منه منفعة أهل الكعبة وسدنتها أو إرصاده لمصالح الحرم أو لأعم من ذلك، وعلى كل تقدير فهو تحبيس لا نظير له، فلا يقاس عليه، ولشى في شيء من طريق حديث شيبة هذا ما يتعلق بالكسوة إلا أنَّ الفاكهاني روى في "كتاب مكة" عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: دخل علي شيبة الحجبي، فقال: يا أم المؤمنين، إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر، فننزعها ونحفر بيرًا فنعمقها وندفنها لكي لا تلبسها الحائض والجنب، قالت: بئسما صنعت، ولكن بعها فاجعل ثمنها في سبيل الله وفي المساكين، فإنها إذا نزعت عنها لم يضر من لبسها من حائض أو جنب، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له، فيضعها حيث أمرته. وأخرجه البيهقي، لكن في إسناده ضعيف، وإسناد الفاكهاني سالم منه.
وأخرج الفاكهاني أيضًا عن ابن خيثم، قال: حدثني رجل من بني شيبة، قال: رأيت شيبة بن عثمان يقسِّمُ ما سقط من كسوة الكعبة على المساكين، وأخرج عن ابن أبي نجيح، عن أبيه أن عمر كان ينزع كسوة الكعبة كل سنة فيقسمها على الحاج، فلعل البخاري أشار إلى شيء من ذلك، وقد اختلف في الكسوة هل يجوز التصرف فيها بالبيع ونحوه، فقال
الفضل بن عبدان من الشافعية: لا يجوز قطع شيء من أستار الكعبة، ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه، ولا وضعه بين أوراق المصحف، ومن حمل من ذلك شيئًا لزمه رده، وأقره الرافعي عليه، وقال ابن فرحون من المالكية: وهذا على وجه الاستحسان، والنصوص تخالفه، وقال الباجي: وقد استخف مالك شراء كسوة الكعبة، وقال ابن الصلاح: أمْرُ ذلك إلى الإِمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعًا وعطاءً، واحتج بما مرَّ قريبًا عن عمر بن الخطاب، قال النووي: وهو حسن متعين: لئلا تتلف بالبلى، وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة، وجوزوا لمن أخذها لبسها، ولو حائضًا أو جنبًا، ونبه في "المهمات" على أن ما قاله النووي هنا مخالف لما وافق عليه الرافعي في آخر الوقف من تصحيح أنها تباع إذا لم يبق فيها جمال، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد.
ثم قال: واعلم أن للمسألة أحوالًا:
أحدها: أن توقف على الكعبة، وحكمها ما مرَّ، وخطأه غيره بأن الذي مرَّ محله فيما إذا كساها الإِمام من بيت المال، أما إذا وقفت فلا يتعقل عالم جواز صرفها في مصالح غير الكعبة.
ثانيها: أن يملكها مالكها للكعبة فلقيّمها أن يفعل فيها ما يراه من تعليقها عليها أو بيعها وصرف ثمنها في مصالحها.
ثالثها: أن يوقف شيء على أن يؤخذ ربعه، وتكسى به الكعبة كما في هذا العصر، فإن الإِمام قد وقف على ذلك بلادًا، قال: وقد تلخص لي في هذه المسألة أنه إن شرط الواقف عليها شيئًا من بيع أو عطاء لأحد أو غير ذلك فلا كلام، وإن لم يشترط شيئًا نظر إن لم يقف الناظر تلك فله بيعها وصرف ثمنها في كسوة أخرى، وإن وقفها فيأتي فيه ما مرَّ من الخلاف في البيع، نعم بقي قسم آخر وهو الواقع في هذا الوقت وهو أن الواقف لم يشترط شيئًا من ذلك، وشرط تجديدها كل سنة مع علمه بأن بني شيبة كانوا يأخذونها كل سنة لما كانت تكتسى من بيت المال، فهل يجوز لهم أخذها الآن، أو تباع ويصرف ثمنها في كسوة أخرى؟
فيه نظر، والمتجه الأول، ويدل له حديث:"كلوا منه بالمعروف"، واختلف في بدء كسوة الكعبة، فروى الفاكهاني عن وهب بن منبه أنه قال: زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب حسان بن أسعد وهو تبع، وكان أول من كسى البيت الوصائل، ورواه الواقدي، عن همام، عن أبي هريرة مرفوعًا، أخرجه الحارث بن أبي أُسامة في "مسنده" عنه، ومن وجه آخر عن عمر موقوفًا، وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: بلغنا أن تبعًا أول من كسى الكعبة
الوصائل، فسترت بها، قال: وزعم بعض علمائنا أن أول من كسى الكعبة إسماعيل عليه السلام، وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم، وأول من كسى الكعبة، أو كسيت في زمنه، وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد، وروى الواقدي عن إبراهيم بن أبي ربيعة، قال: كسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه النبي صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج، وروى الفاكهاني بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب، قال: لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة، فاحترقت ثيابها وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك، وقال أبو بكر بن أبي شيبة، عن ليث بن أبي سليم: كانت كسوة الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسوح. والأنطاع ليث ضعيف، والحديث معضل، وقال أبو بكر أيضًا، عن محمد بن إسحاق، عن عجوز من أهل مكة، قالت: أصيب عثمان بن عفان وأنا بنت أربع عشرة سنة، قالت: ولقد رأيت البيت وما عليه كسوة إلا ما يكسوه الناس الكساء الأحمر يطرح عليه، والثوب الأبيض، قال ابن إسحاق: بلغني أن البيت لم يكس في عهد أبي بكر ولا عمر، أي: لم نجدد له كسوة.
وروى الفاكهاني بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكسو بدنه القباطي والجران يوم يقلدها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة، زاد في رواية صحيحة: فلما كست الأمراء الكعبة جللها القباطي، ثم تصدق به، وهذا يدل على أن الأمر كان مطلقًا للناس، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه قالت: سألت عائشة: أنكسو الكعبة؟ قالت: الأمراء يكفونكم، وروى عبد الرزاق، عن هشام بن عروة أن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير، وفيه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف، وتابعه محمد بن الحسن بن زبالة؛ وهو ضعيف أيضًا، أخرجه الزبير، عنه، عن هشام، وروى الواقدي عن أبي جعفر الباقر، قال: كساها يزيد بن معاوية الديباج، وفيه إسحاق بن أبي فروة ضعيف، وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرت أن عمر كان يكسوها القباطي، وأخبرني غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كساها القباطي، والحبرات، وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من كساها الديباج عبد الملك بن مروان، وأن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا: أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه.
وروى أبو عروبة في "الأوائل" عن الحسن، قال: أول من لبّس الكعبة القباطي النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الفاكهاني في "كتاب مكة" عن جسرة، نقال: أصاب خالد بن جعفر بن كلاب
لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج فأرسل به إلى الكعبة، فنيط عليها، فعلى هذا هو أول من كسى الكعبة الديباج.
وروى الدارقطني في "المؤتلف" أن أول من كسى الكعبة الديباج: نتيلة بنت حبان، والدة العباس بن عبد المطلب، كانت أضلت العباس صغيرًا، فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج، وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس، فنذرت إن وجدته أن تكسوَ البيت، فرده عليها رجل من جذام، فكست الكعبة ثيابًا بيضًا، وهذا محمول على تعدد القصة.
وحكى الأزرقي أن معاوية كساها الديباج والقباطي والحبرات، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، والقباطي في آخر رمضان، فحصل في أن أول من كساها مطلقًا ثلاثة أقوال: إسماعيل وعدنان وتبع؛ وهو أسعد، ولا تعارض بين ما روي عنه أنه كساها الأنطاع والوصائل؛ لأن الأزرقي حكى في "كتاب مكة" أن تبعًا أري في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل؛ وهي ثياب حبرة من عصب اليمن، ثم كساها الناس بعده في الجاهلية، ويجمع بين الأقوال الثلاثة -إن كانت ثابتة- بأن إسماعيل أول من كساها مطلقًا، وأما تبع فأول من كساها ما ذكر، وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل، وسيأتي في غزوة الفتح ما يشعر بأنها كانت تكسى في رمضان.
وحصل في أول من كساها الديباج ستة أقوال: خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج، ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها، وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج، وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته، فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد، وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارته، فأوليته بذلك الاعتبار، لكن لم يداوم على كسوتها الديباج، فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك، فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج كل سنة، وقول ابن جريج: أول من كساها ذلك عبدالملك يوافق القول الأخير، فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك وقول ابن إسحاق: إن أبا بكر وعمر لم يكسوا الكعبة فيه نظر لما مرَّ عن ابن أبي نجيح، عن أبيه أن عمر كان ينزعها كل سنة، لكن يعارضه ما حكاه الفاكهاني عن بعض المكيين أن شيبة بن عثمان استأذن معاوية في تجريد الكعبة، فأذن له، فكان أول من جردها من الخلفاء، وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئًا فوق شيء، وقد تقدم سؤال شيبة لعائشة أنها تجتمع عندهم، فتكثر، إلخ.
وذكر الأزرقي أن أول من ظاهر الكعبة بين كسوتين عثمان بن عفان، وذكر الفاكهاني أن