الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن ابن عباس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس، ولأبي عوانة عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال والضعفة إلى منى من المزدلفة.
رجاله أربعة
قد مرّوا:
مرَّ علي ابن المديني في الرابع عشر من العلم، ومرَّ ابن عيينة في الأول من بدء الوحي، وابن عباس في الخامس منه، ومرَّ عبيد الله بن أبي يزيد في التاسع من الوضوء.
الحديث التاسع والخمسون والمائة
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا. فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا. فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهْ مَا أُرَانَا إِلَاّ قَدْ غَلَّسْنَا. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ.
قوله: "حدثني عبد الله مولى أسماء" هكذا رواه جماعة مسلم وابن خزيمة ومسلم وأحمد والإسماعيلي والطبراني والطحاوي وأبو نعيم عن ابن جريج، عن عبد الله مولى أسماء، وأخرجه أبو داود، عن ابن جريج، عن عطاء، أخبرني مخبر، عن أسماء، وأخرجه مالك عن عطاء، أن مولى أسماء أخبره، فالظاهر أن ابن جريج سمعه من عطاء، ثم لقي عبد الله، فأخذه عنه، ويحتمل أن يكون مولى أسماء شيخ عطاء غير عبد الله.
وقوله: "قالت يا بني" تعني مولاها عبد الله.
وقوله: "قالت: فارتحلوا" في رواية مسلم: قالت: ارتحل بي.
وقوله: "فمضينا حتى رمت الجمرة" في رواية ابن عيينة: فمضينا بها.
وقوله: "يا هنتاه"، أي: هذه. وقد سبق ضبطه في باب {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} .
وقوله: "ما أُرانا" بضم الهمزة، أي: أظن، وفي رواية مسلم بالجزم، فقلت لها: لقد غلسنا، وفي رواية مالك: لقد جئنا منى بغلس، وفي رواية داود العطار: لقد ارتحلنا بليل، وفي رواية أبي داود: فقلت: إنا رمينا الجمرة بليل وغلسنا، أي: جئنا بغلس.
وقوله: "أذن للظعن" بضم الظاء المعجمة والعين، ويجوز تسكينها، وهي المرأة في
الهودج، ثم أطلق على المرأة مطلقًا، وفي رواية أبي داود: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مالك: لقد كنا نفعل ذلك مع من هو خير منك، تعني النبي صلى الله عليه وسلم.
واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة، وعند من لم يخصص، وخالف في ذلك الحنفية، فقالوا: لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس، فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور. وزاد إسحاق: ولا يرميها قبل طلوع الشمس، وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور، ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاووس والشعبي والشافعي، ومذهب الشافعي رمي الجمرة من نصف الليل.
واستدل بحديث عائشة أخرجه أبو داود بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، فدل على أن وقت الرمي بنصف ليلة النحر لأنه عليه الصلاة والسلام علق الرمي بما قبل الفجر، وهو صالح لجميع الليل، ولا ضابط له، فجعل النصف ضابطًا لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله، ولأنه وقت به للدفع من مزدلفة، ولأذان الصبح، فكان وقت الرمي كما بعد الفجر، ومذهب مالك: يحل بطلوع الفجر، وقبله لغو حتى للنساء والضعفة، واحتج الشافعي أيضًا بحديث أسماء هذا، واحتج إسحاق والحنفية بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلمان بني عبد المطلب:"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس"، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان عن الحسن العُرَن بضم المهملة، وفتح الراء عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي والطحاوي عن مقسم عنه، وأخرجه أبو داود عن عطاء، عنه، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ومن ثم صححه الترمذي وابن حبان، وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس، فمن لم يرخص له أولى.
ويجمع بين حديث ابن عباس هذا وحديث أسماء بجمل الأمر في حديث ابن عباس على الندب، ويؤيده ما أخرجه الطحاوي عن شعبة مولى ابن عباس عنه، قال: بعثي النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله، وأمرني أن أرمي مع الفجر، وقال ابن المنذر: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدًا قال: لا يجزئه.
واستدل به أيضًا على إسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة، ولا دلالة فيه؛ لأن رواية أسماء ساكنة عن الوقوف، وقد بينته رواية ابن عمر التي قبلها، وقد اختلف السلف في
هذه المسألة، فكان بعضهم يقول: من مرَّ بمزدلفة، فلم ينزل بها، فعليه دم، ومن نزل بها ثم دفع منها في أي وقت كان من الليل، فلا دم عليه، ولو لم يقف مع الإِمام، وبهذا قال مالك كما مرَّ، وقال مجاهد وقتادة والزهري والثوري: من لم يقف بها فقد ضيع نسكًا وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء، وبه قال الأوزاعي: لا دم عليه مطلقًا، وإنما هو منزل من شاء نزله، ومن شاء لم ينزل به، وروى الطبري بسند فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: إنما جمع منزل لدلج المسلمين، وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة والنخعي.
والعجب بأن الله لم يذكر الوقوف وإنما ذكر الذكر، فقال:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} ، وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج، فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن يكون فرضًا، قال: وما احتجوا به من حديث عروة بن مضرس باسم الفاعل رفعه، قال: من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه، فلا حجة فيه لإجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة ولم يصلها مع الإِمام حتى فاتته، أي: حجه تام.
وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان والحاكم والدارقطني، ولفظ أبي داود عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف، يعني: بجمع، قلت: يا رسول الله جئت من جبل طيىء فأكللتُ مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه"، وللنسائي: من أدرك جمعًا مع الإِمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الإِمام والناس فلم يدرك"، ولأبي يعلى: "ومن لم يدرك جمعًا فلا حج له".
وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءًا في إنكار هذه الزيادة، وبيَّن أنها من رواية مطرف عن الشعبي، عن عروة، وأن مطرفًا كان يهم في المتون، وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح أن الحج يفوته التزامًا لما ألزمه به الطحاوي، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه فحكى الإجماع على الإجزاء، كما حكاه الطحاوي.