الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة
كَقَوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ، الباد: الطارىء، معكوفًا: محبوسًا.
أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن، أخرجه ابن ماجه، وفي إسناده انقطاع وإرسال، وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء: قال عبد الرزاق، عن ابن جريج: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، فأخبرني أن عمر نهى أن تُبوَّب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصاتها، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر.
وروى الطحاوي عن مجاهد أنه قال: مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها. وروى عبد الرزاق عن مجاهد، عن ابن عمر: لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها. وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وخالفه صاحبه أبو يوسف، واختلف عن محمد.
وبالجواز قال الجمهور، واختاره الطحاوي، ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك.
واحتج الشافعي بحديث أُسامة الذي أورده المصنف في هذا الباب، قال الشافعي: فأضاف الملك إلى عقيل ومن ابتاعها منه. وبقوله عام الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فأضاف الدار إليه، قلت: إذا كان هذا القول بعد إسلام أبي سفيان لم تكن في الحديث حجة لأن ملكه لداره يتقرر بمجرد إسلامه قبل فتح مكة، واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} ، فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملك لهم، قال: ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك، لكان جعفر وعلي
أولى بها إذ كانا مسلمين دونه، وسيأتي في البيوع أَثر عمر أنه اشترى دارًا للسجن بمكة، ولا يعارض ما جاء عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر أنه كان ينهى أن تغلق دور مكة في زمن الحاج أخرجه عبد بن حميد، وقال عبد الرزاق عن مجاهد أن عمر قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا لينزل البادي حيث شاء. وقد تقدم من وجه آخر عن عمر، فيجمع بينهما بكراهة الكراء رفقًا بالوفود، ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء، وإلى هذا جنح الإِمام أحمد وآخرون، واختلف عن مالك في ذلك، قال القاضي إسماعيل: ظاهر القرآن يدل على أن المراد به المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة، وقال الأبهري: لم يختلف قول مالك في أن مكة فتحت عنوة، واختلفوا هل مَنَّ عليهم بها لعظم حرمتها، أو أقرت للمسلمين؟ ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء، والراجح عند من قال: إنها فتحت عنوة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ بها على أهلها، فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك، ذكره السهيلي وغيره، ويأتي قريبًا إتمام الكلام على فتحها هل كان عنوة أو صلحًا.
وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا المسجد الحرام، هل هو الحرم كله، أو مكان الصلاة فقط؟ واختلفوا أيضًا: هل المراد بقوله سواء في الأمن والاحترام، أو فيما هو أعم من ذلك؟ وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضًا، قال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} جميع الحرم، وأن اسم المسجد الحرم واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بير ولا قبر، ولا التغوط ولا البول، ولا إلقاء الجيف والنتن، قال: ولا نعلم عالمًا منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم، ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها، ولا يقول بذلك أحد.
والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم بأسانيد إليهم كلها ضعيفة.
وقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ، الباء في بإلحاد صلة، أي: ومن يرد فيه إلحادًا، كما في قوله تعالى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} ، قال في "الكشاف": ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مرادًا ما عاد لا عن القصد.
وقوله: "بإلحاد وبظلم" حالان مترادفان وخبران في قوله: "إن الذين كفروا" محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذقهم من عذاب أليم.
وقوله: "البادي" الطارىء هو تفسير منه بالمعنى، وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس