الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته ثم صلي ركعتين، ثم خرج إلى الصفا
قال ابن بطال: غرضه بهذه الترجمة الرد على من زعم أن المعتمر إذا طاف حل قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، فأراد أن يبين أن قول عروة: فلما مسحوا الركن حلوا، محمول على أن المراد استلموا الحجر الأسود، وطافوا وسعوا حلوا، بدليل حديث ابن عمر الذي أردفه به في هذا الباب، وسيأتي إتمام الكلام على قول عروة المذكور عند ذكره قريبًا.
الحديث التاسع والتسعون
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ، قَالَ: فَأَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما مِثْلَهُ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رضي الله عنه فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا.
قوله: "ذكرت لعروة، فأخبرتني عائشة" حذف البخاري صورة السؤال وجوابه، واقتصروا على المرفوع منه، وقد ذكره مسلم من هذا الوجه، ولفظه أن رجلًا من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير، عن رجل يهل بالحج، فإذا طاف: أيحل أم لا؟ فإن قال لك: لا يحل فقل له: إن رجلًا يقول ذلك، قال: فسألته، قال: لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج، قال: فتصدى لي الرجل، فحدثته فقال: فقل له فإن كان رجلًا كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك، قال: فجئته، أي: عروة، فذكرت له ذلك، فقال: من هذا، فقلت: لا أدري، أي: لا أعرف اسمه، قال: فما باله لا يأتيني بنفسه، يسألني أظنه عراقيًا، يعني: وهم يتعنتون في المسائل، قال: قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ، فذكر الحديث،
والرجل الذي سأل لم أقف على اسمه.
وقوله: "فإن رجلًا كان يخبر" عني به ابن عباس، فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي وأهلّ بالحج إذا طاف يحل من حجه، وأن من أراد أن يستمر على حجه لا يقرب البيت حتى يرجع من عرفة، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرة، وقد أخرج المصنف ذلك في باب: حجة الوداع في المغازي عن ابن جريج، حدثني عطاء، عن ابن عباس، قال: إذا طاف بالبيت فقد حل، فقلت: من أين؟ فقال: هذا ابن عباس، قال: من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، ومن أمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع، قلت: إنما كان ذلك بعد ذلك المعرف، قال: كان ابن عباس يراه قبل وبعد، والمعرف كمعظم الموقف بعرفات.
وأخرجه مسلم عن ابن جريج بلفظ: كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل، قلت لعطاء: من أين تقول ذلك؟ فذكره، ولمسلم عن قتادة: سمعت أبا حسان الأعرج، قال: قال رجل لابن عباس: ما هذه الفتيا أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال: سنة نبيكم، وإن رغمتم، وله عن وبرة بن عبد الرحمن، قال: كنت جالسًا عند ابن عمر، فجاءه رجل، فقال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف؟ قال: نعم، قال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر: قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله أحق أن نأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقًا، وإذا تقرر ذلك فمعنى قوله في حديث أبي الأسود: قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أمر به وعرف أن هذا مذهب لابن عباس خالفه فيه الجمهور، ووافقه فيه ناس قليل، منهم إسحاق بن راهويه، وعرف أن مأخذه فيه ما ذكر، وجواب الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة، ثم اختلفوا فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصًا بهم، وذهب طائفة إلى أن ذلك جائز لمن بعدهم، وقد مرَّ ما فيه، واتفقوا كلهم على أن من أهل بالحج مفردًا لا يضره الطواف بالبيت، وبذلك إحتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه، ولا صار عمرة، وكذا أبو بكر وعمر، فمعنى قوله:"ثم لم تكن عمرة"، أي: لم تكن الفعلة عمرة هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان، ويحتمل أن تكون كان تامة، والمعنى: ثم لم تحصل عمرة، وهي على هذا بالرفع، وفي رواية مسلم: بدل عمرة غيره بغين معجمة، وياء ساكنة آخره هاء، قال عياض: وهو تصحيف، قال النووي: لها وجه، أي: لم يكن غير الحج، وكذا وجهه القرطبي.
وقوله: "ثم حججت مع أبي الزبير" كذا للأكثر، والزبير بالكسر بدل من أبي، وفي وراية الكشميهني: مع ابن الزبير، يعني أخاه عبد الله، قال عياض: وهو تصحيف، وسيأتي في الطريق الآتية بعد أربعة عشر بابًا مع أبي الزبير بن العوام، وكان سبب هذا التصحيف أنه وقع في تلك الطريق من الزيادة بعد ذكر أبي بكر وعمر ذكر عثمان، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، قال: ثم حججت مع أبي الزبير فذكره، وقد عرف أن قتل الزبير كان قبل معاوية، وابن عمر، لكن لا مانع أن يحجا قبل قتل الزبير، فرآها عروة، أو لم يقصد بقوله، ثم الترتيب، فإن فيها أيضًا، "ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر" فأعاد ذكره مرة أخرى، وأغرب بعض الشارحين فرجح رواية الكشميهني موجهًا لها بما ذكرته، وقد أوضحت جوابه بحمد الله تعالى.
وقوله: "وقد أخبرتني أمي" هي أسماء بنت أبي بكر، وأختها هي عائشة، واستشكل من حيث أن عائشة في تلك الحجة لم تطف لحيضها، وأجيب بالحمل على أنه أراد حجة أخرى غير حجة الوداع، فقد كانت عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم تحج كثيرًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى شيء من هذا في أبواب العمرة.
وقوله: "فلما مسحوا الركن حلوا"، أي: صاروا حلالًا، وقد مرَّ عند الترجمة وجه الجمع بينها وبينه، وتمام ما قيل في لفظ عروة هذا هو أن ابن التين قال: إن معنى قول عروة: مسحوا الركن، أي: ركن المروة، أي: عند ختم السعي، وهو متعقب برواية عبد الله مولى أسماء عن أسماء، قالت: اعتمرت أنا وعائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا، أخرجه المصنف، وسيأتي في أبواب العمرة، وقال النووي: لابد من تأويل قوله: مسحوا الركن؛ لأن المراد به الحجر الأسود، ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بالإجماع، فتقديره: فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا وحلوا، وحذفت هذه المقدرات للعلم بها لظهورها، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل تمام الطواف، ثم مذهب الجمهور أنه لابد من السعي بعده، ثم الحلق، وتعقب بأن المراد بمسح الركن الكناية عن تمام الطواف، لاسيما واستلام الركن يكون في كل طوفة، فالمعنى: فلما فرغوا من الطواف حلوا.
وأما السعي والحلق فمختلف فيهما كما قال، ويحتمل أن يكون المعنى: فلما فرغوا من الطواف وما يتبعه حلُّوا وأراد بمسح الركن هنا استلامه بعد فراغ الطواف والركعتين كما وقع في حديث جابر فحينئذ لا يبقى إلا تقدير وسعوا؛ لأن السعي شرط عند عروة بخلاف ما نقل