الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة، أي: موضع نزوله
الحديث الرابع والسبعون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ: "مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ".
قوله: "حين أراد قدوم مكة"، وفي رواية:"الفتح": "حين أراد حنيناً"، ولا منافاة بين الروايتين، إذ معنى حين أراد حنينًا أي: في غزوة الفتح؛ لأن غزوة حنين عقب غزوة الفتح، وفي الرواية التي في الحديث بعد هذا بلفظ: قال وهو بمنى: "نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة" وهذا يدل على أنه قال ذلك في حجته لا في غزوة الفتح، فهو شبيه برواية الفتح في الاختلاف في ذلك، فيحمل قوله:"حين أراد قدوم مكة"، أي: صادرًا من مني إليها لطواف الوداع، ويحتمل التعدد.
وقوله: "إن شاء الله تعالى" هو على سبيل التبرك والامتثال للآية.
وقوله: "بخيف بني كنانة"، أي: في خَيْف وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء، وهو ما انحدر عن غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء، وكنانة يأتي الكلام عليها في الذي بعده.
وقوله: "حيث تقاسموا على الكفر"، أي: حيث تحالفت قريش على أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم ولا يؤوهم، وحصروهم في الشعب، وكان ذلك أول يوم من المحرم سنة سبع من البعثة لما بلغ قريشًا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه وإكرامه لهم، قال إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لما رأت قريش أن الصحابة قد نزلوا أرضًا أصابوا بها أمانًا، وأن عمر أسلم، وأن الإِسلام فشى في القبائل، أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب، فجمع بني هاشم وبني المطلب، فأدخلوا النبي صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله، فأجابوه لذلك حتى كفّارهم فعلوا ذلك، حميةً على عادة الجاهلية، فلما رأت قريش ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابًا
أن لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف، فشلت أصابعه، ويقال: إن الذي كتبها هو النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن أبي طلحة العبدري، قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب، فكانوا معه كلهم إلا أبا لهب، فكان مع قريش، قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثًا، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا، ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية، حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئًا من الصلات، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفرٌ من أشدهم في ذلك صنيعًا هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جده، فكان يصلهم وهم في الشعب، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فكلمه في ذلك فوافقه ومشيا جميعًا إلى المطعم بن عدي، وإلى زمعة بن الأسود، فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وأنكروه وتواطؤوا عليه، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها، وأبطلوا حكمها، وذكر ابن إسحاق أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى، وأما ابن إسحاق وموسى بن عقبة فذكروا عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسمًا لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة.
وذكر الواقدي أن خروجهم من الشعب كان في سنة عشر من المبعث، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وقال في "الطبقات": سبب نقض الصحيفة أن الله أطلع نبيه عليه الصلاة والسلام على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة أكلت ما كان فيها من جور وظلم وبغي، وبقي ما فيها من اسم الله تعالى، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب لكفار قريش: إن ابن أخي أخبرني ولم يَكْذُبْني قط، إن الله تعالى سلط على صحيفتكم الأرضة، فلحست ما كان فيها من جور وظلم، وبقي ما فيها من ذكر الله تعالى، فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبًا دفعته لكم فقتلتموه، أو استحييتموه، قالوا: قد أَنصفتنا رؤوسهم، فقال أبو طالب: علام نحبس ونحصر وقد بأن الأمر، فتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا، وهم الأربعة المذكورة آنفًا، وعدي بن قيس، وأبو البحتري بن هاشم، ولبسوا السلاح، ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب، فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم، ففعلوا، فلما رأت قريش ذلك سقط في أيديهم وعرفوا أن لن يسلموهم، ومات أبو طالب بعد أن خرجوا بقليل، قال ابن إسحاق: ومات هو وخديجة في عام واحد، فنالت قريش من النبي