الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والستون
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ". قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ".
قوله: "عن الجدر" بفتح الجيم وسكون المهملة للأكثر، وفي رواية المستملي الجدار، قال الخليل: الجدر لغة في الجدار، ووهم من ضبطه بضمها لأن المراد الحجر، ولأبي داود الطيالسي عن أبي الأحوص: الجدر أو الحجر بالشك، ولأبي عوانة عن الأشعث: الحجر بغير شك.
وقوله: "أمن البيت هو؟ " قال: نعم، هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت، وكذا قوله في التي بعد هذه "أن أدخل الجدر في البيت" وبذلك كان يفتي ابن عباس، فقد روى عبد الرزاق عنه أنه قال: لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت، فلم يطاف به إن لم يكن من البيت، وروى الترمذي والنسائي عن عائشة، قالت: كنتُ أُحب أن أصلي في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال:"صل فيه فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت"، ونحوه لأبي داود عنها وأبي عوانة أيضًا، ولأحمد عنها، وفيه أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل، فقال: ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل، وهذه الروايات كلها مطلقة، وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم عنها في حديث الباب حتى أزيد فيه من الحجر، وله من وجه آخر عنها:"فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمِّي لأُريك ما تركوا منه فأراها قريبًا من سبعة أذرع"، وله عن عبد الله بن الزبير عنها في هذا الحديث وَزِدت فيها من الحجر ستة، وسيأتي في آخر الطريق الرابعة عن عروة أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع أو نحوها، ولسفيان بن عيينة في "جامعه" عن مجاهد أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر، وله أيضًا عن ابن الزبير ستة أذرع وشبر، وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش، كما أخرجه البيهقي في "المعرفة" عنه، وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة، وأما رواية عطاء عند مسلم عن عائشة مرفوعًا:"لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع" فهي شاذة، والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات
الحفاظ، ثم ظهر لرواية عطاء وجه وهو أنه أُريد بها ما عدا الفُرجة التي بين الركن والحجر، فتجتمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدته الفرجة أربعة أذرع وشيء، ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة:"ولا دخلت فيها من الحجر أربعة أذرع"، فيحتمل هذا على إلغاء الكسر، ورواية عطاء على جبره، ويجمع بين الروايات كلها بذلك، وستأتي ثمرة هذا البحث في آخر الكلام على هذا الحديث.
وقوله: "ألم تري"، أي: ألم تعرفي.
وقوله: "قصرت بهم النفقة" بتشديد الصاد، أي: النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره، ويوضحه ما ذكر ابن إسحاق في "السيرة" أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم وهو جدّ جعدة بن هبيرة بن أبي وهيب المخزومي، قال لقريش: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب، ولا تدخلوا فيه مهر بغي، ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحد من الناس، وروى سفيان بن عيينة في "جامعه" عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة أدرك، فسأله عمر عن بناء الكعبة، فقال: إن قريشًا تقربت ببناء الكعبة، أي: بالنفقة الطيبة، فعجزت، فتركوا بعض البيت في الحجر، فقال عمر: صدقت.
وقوله: "ليدخلوا" في رواية المستملي يدخلوا بغير لام، زاد مسلم عن عائشة: فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط.
وقوله: "حديثٌ عهدهم" بتنوين حديث.
وقوله: "بجاهلية" في رواية الكشميهني: بالجاهلية، وتقدم في كتاب العلم حديث عهد بكفر، ولأبي عوانة عن عائشة: حديث عهد بشرك.
وقوله: "فأخاف أن تنكر قلوبهم" في رواية أشعث: تنفر بالفاء بدل الكاف، ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم.
وقوله: "أن أدخل الجدر" كذا وقع هنا، وهو مؤول بمعنى المصدر، أي: أخاف إنكار قلوبهم إدخال الحجر، وجواب لولا محذوف، وقد رواه مسلم عن أبي الأحوص بلفظ: فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أُدخل فأَثبت جواب لولا، وكذا أَثبته الإسماعيلي عن أشعث، ولفظه: لنظرت فأَدخلته.