الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهما ممن لازم ابن عيينة أكثر من الجارود فيكون أولى لكن الذي يحتاج إليه الحكم بصحة المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا علينا كونه من خصوص طريق بعينها، وهنا أمور تدل عليه منها أن مثله لا مجال للرأي فيه فوجب كونه سماعًا، وكذا إن قلنا: العبرة في تعارض الوصل والوقف والإرسال للواصل بعد كونه ثقة لا الأحفظ ولا غيره مع أنه قد صح تصحيح ابن عيينة له كما مرَّ، وروى الدارقطني والبيهقي مرفوعًا:"آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم" وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمآرب فنالوها، وأولى ما يشرب لتحقق التوحيد والموت عليه والعزة بطاعة الله.
الحديث الثامن عشر والمائة
وَقَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه: يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِىء حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ".
قوله: "وقال عبدان: سيأتي في أحاديث الأنبياء أتم منه بلفظ، وقال لي عبدان: وأورده هنا مختصرًا وقد وصله الجوزقي بتمامه عن محمد بن الليث، عن عبدان بطوله، وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة في باب كيف فرضت الصلاة في حديث الإسراء، والمقصود منه قوله هنا: ثم غسله بماء زمزم.
رجاله ستة
قد مرّوا: مرَّ عبدان وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، ومرَّ ابن شهاب في الثالث منه، ومرَّ يونس في متابعة بعد الرابع منه، ومرَّ أنس في السادس من الإيمان، ومرَّ أبو ذر في الثالث والعشرين منه.
الحديث التاسع عشر والمائة
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حَدَّثَهُ، قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. ثم قَالَ عَاصِمٌ: فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ، مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَاّ عَلَى بَعِيرٍ.
قال ابن بطال وغيره: أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج، وقد مرَّ عن
طاووس وعطاء ما في ذلك في حديث ابن عباس في باب سقاية الحاج، ومرَّ هناك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج، فكأنه لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منه لأنه كان كثير الاتباع للآثار، أو خشي أن يظن الناس أن ذلك من تمام الحج كما نقل عن طاووس.
وقوله: "فحلف ما كان يومئذ إلا على بعير" عند ابن ماجه من هذا الوجه، قال عاصم: فذكرت ذلك لعكرمة، فحلف بالله ما فعل، أي: ما شرب قائمًا؛ لأنه كان حينئذ راكبًا، وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين، فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائمًا لنهيه عنه، لكن ثبت عن عليّ عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا فيحمل على بيان الجواز، فقد روي في النهي عن الشرب قائمًا أحاديث كثيرة، ورويت في إباحته أحاديث.
فمما روي في النهي عنه ما أخرجه مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا، وفي لفظ له عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا، قال قتادة: فقلنا: فالأكل، قال: ذاك أشد وأخبث، وفي رواية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا، وفي رواية: نهى عن الشرب قائمًا، وفي رواية له عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يشربن أحدكم قائمًا، فمن نسي فليستقىء"، وروى الترمذي عن الجارود بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا.
ومن أحاديث الإباحة ما أخرجه البخاري عن النزال أتى عليّ رضي الله تعالى عنه على باب الرحبة بماء فشرب قائمًا، فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت، ورواه أبو داود أيضًا، وروى الترمذي عن ابن عمر، قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وروى أيضًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا وقاعدًا، وقال: هذا حديث حسن، وروى الطحاوي، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائمًا، ورواه البزار أيضًا في "مسنده"، وروى الطحاوي أيضًا عن البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من فيّ قربة، وفي لفظ له أنه عليه الصلاة والسلام دخل عليها وفي بيتها قربة معلقة، فشرب من القربة قائمًا، وأخرجه أحمد والطبراني، وقال النووي: اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء، حتى قال فيها أقوالًا باطلة، والصواب منها أن النهي محمول على