الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور خلافًا للحنفية حيث قالوا: لابد للقارن من طوافين وسعيين؛ لأن القِران هو الجمع بين العبادتين، فلا يتحقق إلا بالإِتيان بأفعال كل منهما، والطواف والسعي مقصودان فيهما فلا يتداخلان، إذ لا تداخل في العبادات، وهو محكي عن أبي بكر وعمر وعلي وابنه الحسن، وابن مسعود، ولا يصح عن واحد منهم.
واستدل بعضهم بحديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ أنه جمع بين حجة وعمرة معًا، وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع، وبحديث علي عند الدارقطني أيضًا، وبحديث ابن مسعود، وبحديث عمران بن حصين عنده، وكلها مطعون فيها لضعف رواتها، فلا يصح الاحتجاج بها. أ. هـ.
الحديث السادس والأربعون
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا نُرَى إِلَاّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ، فَأَحْلَلْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ قَالَ:"وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ". قُلْتُ: لَا. قَالَ: "فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا". قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلَاّ حَابِسَتَهُمْ. قَالَ: "عَقْرَي حَلْقَي، أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَتْ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ: "لَا بَأْسَ، انْفِرِي". قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا.
قوله: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم" تقدم في الباب الذي قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه.
وقوله: "ولا نرى إلا الحج" بضم النون، أي: ولا نظن، قال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح النون، وبعضهم بضمها، وقال القرطبي: كان هذا قبل أن يعلمن بأحكام الإِحرام وأنواعه، ويحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تهل، ثم أهلَّت بعمرة، ويحتمل أن يريد بقولها: لا نرى حكاية عن فعل غيرها من الصحابة، وهم كانوا لا
يعرفون غيره، ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج، فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره، وتعقبه الدماميني بأن الظاهر غير الاحتمالين المذكورين وهو أن مرادها لا أظن أنا ولا غيري من الصحابة إلا أنه الحج فأحرمنا به، هذا ظاهر اللفظ، وهذا ليس بظاهر لأن قولها: لا نرى إلا أنه الحج ليس صريحًا في إهلالها بالحج، نعم في رواية أبي الأسود عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى مهلِّين بالحج، ولمسلم: لبينا بالحج، وهذا ظاهره أنها مع غيرها من الصحابة كانوا أولًا محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها في هذا الباب: فمنَّا من أهلَّ بعمرةٍ، ومنَّا من أهلَّ بحجة وعمرة، ومنَّا من أهلَّ بالحج، فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإِحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، وأما عائشة نفسها، فسيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب العمرة، وفي حجة الوداع في المغازي عن عروة عنها في أثناء هذا الحديث، قالت: وكنت ممن أهلَّ بعمرة، وقد زعم إسماعيل القاضي وغيره أن الصواب رواية أبي الأسود والقاسم وعمرة عنها، أنها أهلت بالحج مفردًا، ونسب عروة إلى الغلط. وأجيب بأن قول عروة عنها أنها أهلَّت بعمرة صريح، وأما قول أبي الأسود وغيره عنها: لا نرى إلا الحج، فليس صريحًا في إهلالها بحج مفرد، فالجمع بينهما ما سبق من غير تغليط عروة، وهو أعلم الناس بحديثها، وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي، كما أخرجه مسلم عنه، وكذا رواه طاووس ومجاهد عن عائشة.
ويحتمل في الجمع أيضًا أن يقال: أهلَّت عائشة بالحج مفردًا، كما فعل غيرها من الصحابة، وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة، ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، وعلى هذا يتنزل حديث عروة: ثم لما دخلت مكة وهي حائض، فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض، أمرها أن تحرم بالحج على ما جاء في ذلك من الخلاف.
وقوله: "فلما قدمنا تطوفنا" أي: غيرها، لقولها بعده: فلم أطف، فإنه تبين به أن قولها: تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص. وقوله: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل من الحج بعمل العمرة، وياء يحل مضمومة من الإِحلال، وفي اليونينية بفتحها لا غير، والفاء في فأمر للتعقيب، فيدل على
أن أمره عليه الصلاة والسلام بذلك كان بعد الطواف، وقد قيل إنه أمرهم به بسرف، ولا منافاة بينهما، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له.
وقوله: "ونساؤه لم يسقن فأحللن"، وعائشة منهن لكن منعها من التحلل أنها حاضت ليلة دخولها مكة، وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك، وأنها بكت، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم قال لها: كوني في حجك فظاهره أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تجعل عمرتها حجًا، ولهذا قالت: يرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج، فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم، وقال مالك: ليس العمل على حديث عروة قديمًا ولا حديثًا، قال ابن عبد البر: ليس عليه العمل في رفض العمرة، وجعلها حجًا بخلاف جعل الحج عمرة، فإنه وقع للصحابة، وقد اختلف في جوازه من بعدهم كما مرَّ قريبًا، لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله: ارفضي عمرتك، أي: اتركي التحلل منها وأدخلي عليها الحج، فتصير قارنة إلى آخر ما مرَّ مستوفى عند ذكر حديث عروة في باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض من كتاب الحيض.
وقوله: "وأرجع أنا بحجة" في رواية الكشميهني: وأرجع لي بحجة، أي: ليس لي عمرة منفردة عن حج حرصت بذلك على تكثير الأفعال كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية، وأحرموا بالحج يوم التروية من مكة، فحصل لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، فأرادت عمرة منفردة كما حصل لبقية الناس.
وقوله: "موعدك كذا وكذا" في الرواية السابقة في باب قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ثم ائتنا هاهنا، أي: المحصب.
وقوله: "قالت صفية ما أُراني" بضم الهمزة، أي: ما أظن نفسي.
وقوله: "إلا حابستهم" بالنصب، أي: القوم عن المسير إلى المدينة، لأني حضت ولم أطف بالبيت، فلعلهم بسببي يتوقفون إلى زمان طوافي بعد الطهارة، وإسناد الحبس إليها مجاز، وفي نسخة: حابستكم بكاف الخطاب، وكانت صفية كما سيأتي إن شاء الله تعالى قد حاضت ليلة النفر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم ما يريد الرجل من أهله، وذلك وقت النفر، قالت عائشة: يا رسول الله إنها حائض.
وقوله: "قال عقرا حلقى" بفتح الأول وسكون الثاني فيهما وألفهما مقصورة للتأنيث فلا ينوَّنان، ويكتبان بالألف، هذا الذي لا يكاد يعرف غيره عند المحدثين، وفيه خمسة أوجه:
الأول أنهما وصفان لمؤنث بوزن فعلى، أي عقرها الله في جسدها وحلقها، أي: أصابها