الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
أي: من نمرة، لحديث ابن عمر أيضًا: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة، حتى أتى عرفة، فنزل نمرة، وهو منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرًا، فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف، أخرجه أبو داود وأحمد، وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها، لكن في حديث جابر الطويل عند مسلم أن توجهه عليه الصلاة والسلام منها كان بعد طلوع الشمس، ولفظه: فضربت له قبة بنمرة، فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت، فأتى بطن الوادي ونمرة بفتح النون وكسر الميم، موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات.
الحديث الحادي والأربعون والمائة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ، فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: الرَّوَاحَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ. قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ. فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: صَدَقَ.
وقوله: "حين كتب عبد الملك إلى الحجاج" يعني حين بعثه إلى قتال ابن الزبير.
وقوله: "في الحج"، أي: في أحكام الحج، وفي رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: فركب هو وسالم وأنا معهما، وفي روايته: قال ابن شهاب: وكنت يومئذٍ صائمًا، فلقيت من الحرّ شدة، واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه، فقال يحيى بن معين: هي وهم، وابن شهاب لم ير ابن عمر ولا سمع منه، وقال الذهلي: لست أدفع رواية معمر لأن
ابن وهب روى عن العمري، عن ابن شهاب نحو رواية معمر، وروى عنبسة بن خالد، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: وفدت إلى مروان وأنا محتلم، قال الذهلي: ومروان مات سنة خمس وستين، وهذه القصة كانت سنة ثلاث وسبعين، وقال غيره: إن رواية عنبسة هذه وهم، وإنما قال الزهري: وفدت على عبد الملك، ولو كان الزهري وقد على مروان لأدرك جلة الصحابة ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة، وقد أدخل مالك وعقيل وإليهما المرجع في حديث الزهري، بينه وبين ابن عمر في هذه القصة سالمًا، فهذا هو المعتمد.
وقوله: "فصاح عند سرادق الحجاج"، أي: خيمته، زاد الإسماعيلي: أين هذا، أي: الحجاج، ومثله يأتي بعد باب من رواية القعنبي.
وقوله: "وعليه ملحفة" بكسر الميم، إزار كبير، والمعصفر: المصبوغ بالعصفر.
وقوله: "يا أبا عبد الرحمن" هي كنية ابن عمر.
وقوله: "الرواح" بالنصب، أي: عجِّل أورح.
وقوله: "إن كنت تريد السنة"، في رواية ابن وهب: إن كنت تريد أن تصيب السنة.
وقوله: "فأنظرني" بالهمزة وكسر الظاء المعجمة: أي: أخرني، وللكشميهني بألف وصل، وضم الظاء، أي: انتظرني.
وقوله: "فنزل"، أي: ابن عمر كما صرح به بعد بابين.
وقوله: "فاقصر" بألف موصولة ومهملة مكسورة، قال ابن عبد البر: هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين، وهذه مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر، وهي طريقة البخاري ومسلم، ويؤيده قول سالم لابن شهاب الآتي بعد باب إذ قال له: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهل يتبعون في ذلك إلا سنته.
وقوله: "وعجل الوقوف" كذا رواه القعنبي وأشهب، قال ابن عبد البر: وهو عندي غلط؛ لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا: وعجل الصلاة، قال: ورواية القعنبي لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة، وقد وافق القعنبي عبد الله بن يوسف كما هنا، ورواية أشهب التي أشار لها عند النسائي فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا، فالظاهر أن الاختلاف فيه من مالك، وكأنه ذكره باللازم لأن الفرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل الوقوف، قال ابن بطال: وفي هذا الحديث الغسل للوقوف بعرفة لقول الحجاج لعبد الله: أنظرني، فانتظره وأهل العلم
يستحبونه، ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما انتظره لحمله على اغتساله عن ضرورة، نعم روى مالك في "الموطأ" أن ابن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة، وقال الطحاوي: فيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم، وتعقبه ابن المنير بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر، وإنما لم ينهه ابن عمر لعلمه بأنه لا ينجع فيه النهي، ولعلمه بأن الناس لا يقتدون بالحجاج، وفيه نظر لأن الاحتجاج إنما هو بعدم إنكار ابن عمر، فبعدم إنكاره يتمسك الناس في اعتقاد الجواز، وقد تقدم الكلام على المعصفر والمصبوغ في آخر كتاب العلم آخر حديث منه، وقال المهلب: فيه جواز تأمير الأدون على الأفضل، وتعقبه ابن المنير بأن صاحب الأمر في ذلك عبد الملك، وليس بحجة، ولاسيما في تأمير الحجاج، وأما ابن عمر فإنما أطاع لذلك فرارًا من الفتنة، قال: وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم، ويصير إلى رأيهم، وفيه مداخلة العلماء السلاطين، وأنهم لا نقيصة عليهم في ذلك، قلت: فعل ابن عمر ليست فيه مداخلة قطعًا، وقد مرَّ أنه إنما حمله عليه الفرار من الفتن، وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلطان وغيره، وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه، وتعقبه ابن المنير بأن ابن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك، فالظاهر أنه كتب إليه بذلك كما كتب إلى الحجاج، قلت: المراد بابتداء العالم بالفتوى ما فعله سالم من قوله: إن كنت تريد السنة، إلخ، لا ما فعله أبوه، وفيه اللهم بالإشارة والنظر لقول سالم: فجعل الحجاج ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك، قال: صدق، وفيه طلب العلو في العلم لتشوق الحجاج إلى سماع ما أخبره به سالم من أبيه ابن عمر، ولم ينكر ابن عمر ذلك، قلت: هذا من فعل الحجاج، والحجاج لا يحتج بأفعاله، إذ يمكن أن يكون قصده التكبر والتعنت في الأخذ عن سالم.
وللمسألة مدارك غير هذا منها حديث ضمام المتقدم في كتاب العلم، وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس، وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصل المصلحة الكبيرة يؤخذ ذلك من مضى ابن عمر إلى الحجاج، وتعليمه له، وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به، وفيه صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة، ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات الصلاة كالغسل ونحوه، وفيه الخطبة في اليوم التاسع، وفي الحج عند المالكية والحنفية ثلاث خطب: الأولى في اليوم السابع بعد الظهر يعلم الناس فيها أفعال الحج، وعند المالكية فيها قولان: هل هي خطبة واحدة لا يجلس وسطها؟ والمشهور أنهما خطبتان، وأنهما