الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم هو وعثمان، فسألاه أن يقسم لهما كما قسم لبني هاشم والمطلب، وقالا: إن قرابتنا واحدة، أي أن هاشمًا والمطلب ونوفلًا جد جبير، وعبد شمس جد عثمان إخوة فأبى وقال:"إنما بنو هاشم والمطلب شيء واحد"، مات بالمدينة سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين، وهذا مرَّ في السابع من الغسل فهو مكرر.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والسماع والقول، أخرجه مسلم والنسائي في الحج.
الحديث السادس والأربعون والمائة
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلَاّ الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِى الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ.
قوله: "قال عروة"، في رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكره.
وقوله: "والحمس قريش وما ولدت" زاد معمر، وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة، وقد مرَّ في الذي قبله ما قيل في تفسير الحمس.
وقوله: "فأخبرني أبي" القائل هو هشام بن عروة، والموصول من الحديث هذا القدر في سبب نزول الآية، وسيأتي في تفسير سورة البقرة بوجه أتم من هذا.
وقوله: "فدفعوا إلى عرفات" بالبناء للمجهول، وفي رواية الكشميهني: فرفعوا بالراء، ولمسلم عن هشام: رجعوا إلى عرفات، والمعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها، ثم يفيضوا منها، وقد مرَّ في طريق جيد سبب امتناعهم من ذلك، وقد تقدم الكلام على قصة الطواف عريانًا في أوائل الصلاة، وعرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى:{أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم، وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل عليه
السلام، وعنه المراد به الإِمام، وعن غيره آدم، وقرىء في الشواذ: الناسي بكسر السين بوزن القاضي، والأول أصح، نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره عن يزيد بن شيبان، قال: كنا وقوفًا بعرفة فأتانا ابن مربع بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء، فقال: إني رسول الله إليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث إبراهيم، الحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} بل هو لأعم من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله تعالى عنها.
ودل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الإفاضة من عرفة، وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها ذكرت بلفظ، ثم ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام، وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر لما ورد منه على المكان الذي تشرع الإفاضة منه، فالتقدير: فإذا أفضتم فاذكروا، ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس لا من حيث كان الحمس يفيضون، أو التقدير: فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا الله عند المشعر الحرام، ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض منه الناس غير الحمس، وقيل: إن "ثم" في الآية بمعنى الواو، واختاره الطحاوي، وقيل: لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام إلى آخر ما مرَّ قريبًا، وقال الزمخشري: موقع "ثم" هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، فتأتي، ثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم، والإحسان إلى غيره، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بيَّن لهم مكان الإفاضة، فقال: ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ، قال الخطابي: تضمن قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله، وكذا قال ابن بطال: وزاد وبيَّن الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه، وعرفات علم للموقف وهو منصرف إذ لا تأنيث فيه؛ لأن التاء الموجودة فيه علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء التي هي لجمع المؤنث مانعة من التقدير كما لا يقدر تاء التأنيث في "بنت" لاختصاص التاء التي فيها بالمؤنث، فمنعت تقدير التاء، وسميت عرفات بهذا الاسم إما لأنها وصفت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلما أبصرها عرفها أو لأن جبريل عليه الصلاة والسلام حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها، فقال: عرفت أو لأن آدم عليه الصلاة والسلام هبط من الجنة بأرض الهند، وحواء عليها السلام بجدة، فالتقيا ثم تعارفا، أو لأن الناس
يتعارفون بها، أو لأن إبراهيم عليه السلام عرف حقيقة رؤياه في ذبح ولده ثمة، أو لأن الخلق يعترفون فيها بذنوبهم، أو لأن فيها جبالًا والجبال هي الأعراف، وكل عال فهو عرف، وجمع بفتح الجيم وسكون الميم هي المزدلفة، وسمي به لأن آدم عليه الصلاة والسلام اجتمع فيها مع حواء عليها السلام، وازدلف إليها إلى أن دنا منها، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، وأهلها يزدلفون، أي: يتقربون إلى الله تعالى بالوقوف فيها، والوقوف بعرفة من أعظم أركان الحج، ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "أما فعله" فروى الإِمام أحمد عن يعقوب بن عاصم بن عروة، قال: سمعت الشريد يقول: أشهد لو وقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، قال: فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعًا، والشريد بفتح الشين هو ابن سويد الثقفي، وروى الطبري عن عبد الله بن ربيعة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف فيه في الجاهلية، وأما قوله: فروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال:"هذه عرفة، وهو الموقف، وعرفة كلها موقف"، الحديث، وروى ابن حبان في "صحيحه" عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عرفات موقف، فارفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف فارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وفي كل أيام التشريق ذبح".
وفي هذه الأحاديث تعيين عرفة للوقوف وأنه لا يجزيء بغيرها، وهو قول أكثر أهل العلم، وروى ابن المنذر عن مالك أنه يصح الوقوف بعرفة، والحديث المذكور حجة عليه، وحدّ عرفة ما رواه الأزرقي في "تاريخ مكة" بإسناده إلى ابن عباس، قال: حد عرفة من قبل المشرق على بطن عرنة إلى جبال عرفة، إلى وصيق إلى ملتقى وصيق إلى وادي عرنة، وقال الشافعي في "الأوسط" من مناسكه: وعرفة ما جاوز بطن عرنة، وليس الوادي ولا المسجد منها إلى الجبال المقابلة مما يلي حوائط ابن عامر، وطريق الحضن، وما جاوز ذلك فليس بعرفة، والحضن بالفتح والضاد المعجمة المفتوحة أيضًا وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كرز، كان له حائط فيه عين، وهو الآن خراب.
وقال ابن بطال: اختلفوا إذا دفع من عرفة قبل غروب الشمس، ولم يقف بها ليلًا، فذهب مالك إلى أن الاعتماد في الوقوف بعرفة على الليل من ليلة النحر، والنهار من يوم عرفة تبع، فإن وقف جزءًا من الليل، أي: جزءًا كان قبل طلوع الفجر من يوم النحر أجزأه.
وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: الاعتماد على النهار من يوم عرفة من وقت الزوال والليل كلّه تبع؛ فإن وقف جزءًا من النهار أجزأه، وإن وقف جزءًا من الليل أجزأه، إلا أنهم