الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والخمسون
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ:"إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ".
قوله: "حلوا بعمرة" أي: بعملها، لأنهم فسخوا الحج إلى العمرة، فكان إحرامهم بالعمرة سببًا لسرعة حلهم.
وقوله: "ولم تحلل" بفتح أوله وكسر ثالثه، أي: لم تحل، وإظهار التضعيف لغة، وقوله:"أنت من عمرتك" أي: المضمومة إلى الحج، فيكون قارنًا كما هو في أكثر الأحاديث، وحينئذ فلا تمسك به لمن قال إنه عليه الصلاة والسلام كان متمتعًا لكونه عليه الصلاة والسلام أقر على أنه كان محرمًا بعمرة، لأن اللفظ محتمل للتمتع والقران، فتعين بقوله عليه الصلاة والسلام في رواية عبيدالله بن عمر عند الشيخين: حتى أحل من الحج أنه كان قارنًا، ولا يتجه القول بأنه كان متمتعًا لأنه لا جائز أن يقال إنه استمر على العمرة خاصة، ولم يحرم بالحج أصلًا لأنه يلزم منه أنه لم يحج تلك السنة، وهذا لا يقوله أحد، وقد روى عنه القِران في الأحاديث المتقدمة، وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله: ولم تحل أنت من عمرتك، وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره، وتعقبه ابن عبد البر على تقدير تسليم انفراده بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد، فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر، وهما مع ذلك حفاظ أصحاب نافع، ورواية عبيد الله بن عمر عند مسلم.
وقد أخرجه مسلم من رواية ابن جريج، والبخاري من رواية موسى بن عقبة، والبيهقي من رواية شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن نافع بدونها، وفي رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين: فلا أحل حتى أحل من الحج كما مرَّ، ولا تنافي هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر، فلا حجة فيه لمن تمسك به في أنه عليه الصلاة والسلام كان متمتعًا لأن قول حفصة: ولم تحل من عمرتك.
وقوله: "هو حتى أحل من الحج" ظاهر في أنه كان قارنًا، وأجاب من قال كان مفردًا عن قوله: ولم تحل من عمرتك بأجوبة منها ما قاله الشافعي: معناه ولم تحل أنت من إحرامك
الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة"، وقيل: معناه: ولم تحل من حجك بعمرة، كما أمرت أصحابك، قالوا: وقد تأتي من بمعنى الباء كقوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، أي: بأمر الله، والتقدير: ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك، وقيل: ظننت أنه فسخ حجة بعمرة كما فعل أصحابه بأمره، فقالت: ولم تحل أنت أيضًا من عمرتك، ولا يخفى تكلف بعض هذه التأويلات، والذي تجتمع به الروايات أنه عليه الصلاة والسلام كان بمعنى أنه أدخل العمرة على الحج بعد أن أهلَّ به مفردا لا أنه أوَّل ما أهلَّ أحرم بالحج والعمرة معًا، فعمدة رواة الإفراد أول الإحرام، وعمدة رواة القِران آخره.
وأما من روى أنه كان متمتعًا كابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعري وابن عباس في الصحيحين، وعمران بن حصين في مسلم فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع، وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد، ويؤيد ذلك أنه لم يعتمر في تلك السنة عمرة منفردة، ولو جعلت حجته منفردة لكان غير معتمر في تلك السنة، وقد مرَّ القول بهذا، ومرَّ القول بأن الحج مفردًا في السنة أفضل منه القِران، وقال الإِمام الشافعي: معلوم في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به كجواز إضافته إلى الفاعل كقولك: بني فلان دارًا إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلانًا إذا أمر بضربه، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا وقطع يد سارق رداء صفوان، وإنما أمر بذلك، ومثله كثير في كلام العرب، وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام منهم القارن والمفرد والمتمتع، وكل منهم يأخذ عنه فعل نسكه، ويصدر عن فعله، فجاز أن تضاف إليه صلى الله عليه وسلم على معنى أنه أمر بها وأذن فيها.
وقوله: "إني لبدت رأسي" بفتح اللام والموحدة المشددة من التلبيد، وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئًا من نحو الصمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل، وقد مرَّ.
وقوله: "وقلدت هديي" هو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم، وليس التلبيد والتقليد من الحل ولا من عدمه، وإنما هو لبيان أنه من أول الأمر مستعد لدوام إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، والتلبيد مشعر بمدة طويلة.
وقوله: "فلا أحل حتى أنحر" وهذا موافق لقوله عليه الصلاة والسلام الآتي في حديث جابر: "لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله"، ولحديث عائشة الآتي بلفظ:"من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر".
واستدل به على أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يحل بالحج ويفرغ