الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فضل مكة وبنيانها
قوله: "فضل مكة وبنيانها" ليس في الآيات ولا الحديث ذكر لبنيان مكة، لكن بنيان الكعبة كان سبب بنيان مكة وعمارتها، فاكتفى به، ولكنَّهم اختلفوا في أول من بني الكعبة، فقيل: أول من بناها آدم عليه السلام ذكره ابن إسحاق، وقيل: أول من بناها شيث عليه السلام، وكانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء، يطوف بها آدم عليه السلام ويستأنس بها لأنها نزلت إليه من الجنة، وقيل: أول من بناها الملائكة وذلك لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية، خافوا وطافوا بالعرش سبعًا يسترضون الله ويتضرعون إليه فأمرهم الله تعالى أن يبنوا البيت المعمور في السماء السابعة وأن يجعلوا طوافهم له لكونه أهون من طواف العرش، ثم أمرهم أن يبنوا في كل سماء بيتاً وفي كل أرض بيتًا، قال مجاهد: هي أربعة عشر بيتًا، وروي أن الملائكة حين أسست الكعبة انشقت الأرض إلى منتهاها، وقذفت منها حجارة أمثال الإبل، فتلك القواعد من البيت التي وضع عليها إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام البيت، فلما جاء الطوفان رفع البيت وأودع الحجر الأسود أبا قبيس، وروى عبد الرزاق عن عطاء وسعيد بن المسيب أن آدم بناه من خمسة أجبل من حراء، وطور سيناء، وطور زيتا، وجبل لبنان، والجدى، وهذا غريب!
وروى البيهقي في "دلائل النبوة" في بناء الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: بعث الله جبريل إلى آدم وحواء عليهما السلام، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، ثم قيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس، وقال ابن كثير: إنه كما ترى من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف، والأشبه أن يكون هذا مرفوعًا على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
وقوله: "وقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ} " قوله: بالجر عطف على قوله: "فضل مكة"، أي: وفي بيان تفسير قوله تعالى، وهذه أربع آيات سبق كلها في رواية كريمة، وفي رواية الباقين بعض الآية الأولى، وفي رواية أبي ذر كل الآية الأولى، ثم قالوا إلى قوله:{التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ، وقوله:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ} ، أي: واذكر إذْ جعلنا البيت، والبيت اسمٌ غالب للكعبة كالثريا للنجم.
وقوله تعالى: {مثابةَّ} ، أي: مرجعًا للحجاج والعمار يتفرَّقون عنه ثم يعودون إليه، وروى عبد بن حميد بإسناد جيد عن مجاهد، قال: يحجون ثم يعودون، وهو مصدر وصف به الموضع.
وقوله: "وأمنا" أي: موضع آمن، وهو كقوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} ، والمراد ترك القتال فيه.
وقوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} أي: وقلنا: اتخذوا منه موضع صلاة، ويجوز أن يكون معطوفًا على {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} ، أو على مثابة، أي: ثوبوا إلى الله واتخذوا، والأمر فيه للاستحباب بالاتفاق، وقرأ نافع وابن عامر:"واتخذوا" بلفظ الماضي عطف على جعلنا، أو على تقدير إذ، أي:"وإذ جعلنا"، و"إذ اتخذوا"، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أَثر قدميه على الأصح، وعن عطاء: مقام إبراهيم عرفة وغيرها من المناسك لأنه قام فيها ودعا، وقيل: الحرم كله، وقد مرَّ استيفاء الكلام عليه أوائل الصلاة في باب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.
وقوله: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} استدل به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت، وخالف مالك في الفرض.
وقوله: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ويأتي حديث أن إبراهيم حرم مكة وقد مرَّ الجمع بينه وبين حديث إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب من كتاب العلم.
وقوله: {مَنْ آمَنَ} بدل من أهله، أي: وارزق المؤمنين من أهله خاصة، ومن كفر عطف عن من آمن، قيل: قاس إبراهيم الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما وأن الرزق قد يكون استدراجاً وإلزامًا للحجة.
وقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} قد مرَّ بعض الكلام على القواعد في باب