الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن المبيت بمنى سنة بأنه لو كان واجبًا لما رخص في تركه لأهل السقاية، وأجابوا عن قول الآخرين: لولا أنه واجب لما احتاج لإذن بأن مخالفة السنة عندهم كان مجانبًا جدًا خصوصًا إذا انضم إليها الإنفراد عن جميع الناس مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستأذن لإسقاط الإساءة الكائنة بسبب عدم موافقته عليه الصلاة والسلام لما فيه من إظهار المخالفة المستلزمة لسوء الأدب لأنه عليه الصلاة والسلام كان يبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وفي الحديث أيضًا استيذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام، وبدار من استؤمر إلى الإذن عند ظهور المصلحة.
رجاله خمسة
قد مرّوا:
مرَّ عبد الله بن أبي الأسود في التاسع والستين من صفة الصلاة، ومرَّ أبو ضمرة وعبيد الله العمري في الرابع عشر من الوضوء، ومرَّ نافع في الأخير من العلم، ومرَّ ابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث.
الحديث السابع عشر والمائة
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ:"اسْقِنِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: "اسْقِنِي". فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ:"اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ"، ثُمَّ قَالَ:"لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ". يَعْنِي عَاتِقَهُ، وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.
وقوله: "فاستسقى"، أي: طلب الشرب، والفضل هو ابن العباس، ويأتي قريبًا في السند محل تعريفه.
وقوله: "إنهم يجعلون أيديهم فيه"، في رواية الطبراني عن عكرمة في هذا الحديث أن العباس قال له: إن هذا قد مرث، أفلا أسقيك من بيوتنا، قال:"لا اسقني مما يشرب منه الناس".
وقوله: "قال: اسقني" زاد أبو علي بن السكن في روايته: فناوله العباس الدلو.
وقوله: "فشرب منه" وفي رواية الطبراني المذكورة: فأتى به فذاقه، فقطب، ثم دعا بماء فكسره، قال: "وتقطيبه إنما كان لحموضته وكسره بالماء ليهون عليه شربه، وعرف بهذا جنس
المطلوب شربه إذ ذاك، وقد أخرج مسلم عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كنت جالسًا مع ابن عباس، فقال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه أسامة، فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ، فشرب وسقى فضله أسامة، وقال:"أحسنتم كذا فاصنعوا".
وقوله: "لولا أن تغلبوا" بضم أوله على البناء للمجهول، قال الداودي: أي إنكم لا تتركوني أستسقي ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا، وقال غيره: معناه: لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي، وقيل: معناه: لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصًا على حيازة هذه المكرمة، والذي يظهر أن معناه: لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتم في الاقتداء بي، فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت، ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم عن جابر: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبدالمطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم.
واستدل بهذا على أن السقاية خاصة ببني العباس، وفيه الشرب من سقاية الحاج، وقال طاووس: الشرب من سقاية العباس من تمام الحج، وقال عطاء: لقد أدركت هذا الشراب، وإن الرجل ليشرب فتلتزق شفتاه من حلاوته، فلما ذهبت الحرية وولي العبيد تهاونوا بالشراب، واستخفوا به، وروى ابن أبي شيبة عن السائب بن عبد الله أنه أمر مجاهدًا مولاه بأن يشرب من سقاية الحاج، ويقول: إنه من تمام السنة، وروى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج.
واستدل به الخطابي على أن الظاهر أن أفعاله فيما يتصل بأُمور الشريعة على الوجوب، فتركه الفعل شفقة أن يتخذ سنة، وفيه نظر، وقال ابن بزيزة: أراد بقوله: "لولا أن تغلبوا" قصر السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها"، واستدل به على أن الذي أُرصد للمصالح لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على آله تناوله لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن المنير: يحمل الأمر في هذا على أنها مرصدة للنفع العام، فتكون للغني في معنى الهدية، وللفقير صدقة، وقال ابن التين: شربه عليه الصلاة والسلام لا يخلو أن يكون ذلك من مال الكعبة الذي كان يؤخذ لها من الخمس أو من مال العباس الذي عمله للغني والفقير فشرب منه عليه الصلاة والسلام ليسهل على الناس، وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه لأن رده عليه الصلاة والسلام لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس، وفيه الترغيب في سقي الماء خصوصًا ماء زمزم، وفيه تواضح