الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، وقوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
قال العلماء: تقدير قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، أي: الحج حج أشهر معلومات، أو أشهر الحج، أو وقت الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقال الواحدي: يمكن حمله على غير إضمار، وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعًا لكون الحج يقع فيها كقولهم: ليلٌ نائم، وقال أبو إسحاق في "المهذب": المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر، فدلَّ على أن المراد وقت الإِحرام به، وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال، لكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكمالها وهو قول مالك، ونقل عن الإِملاء للشافعي، أو شهران وبعض الثالث وهو الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: نعم، وقال الشافعي: في المشهور المصحح عنه: لا.
واختلف العلماء أيضًا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب، فقال ابن عمر وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين: هو شرط فلا يصح الإِحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف، وبالقياس على إحرام الصلاة، وليس بواضح لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض، وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب نفلًا بشرط أن يكون ظانًّا دخول الوقت لا عالمًا، فاختلفا من وجهين، وذهب إلى صحة الإِحرام في جميع السنة مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري.
وقوله: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي أوجبه على نفسه بالنية، والقول من تلبية أو ذكرٍ عند مالك، أو بالنية وحدها عند الشافعية، وبالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة.
وقوله: {فَلَا رَفَثَ} أي: فلا جماع، أو: فلا فحش من الكلام، وقوله:{وَلَا فُسُوقَ} ، أي: ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات، وقوله:{وَلَا جِدَالَ} أي:
ولا مراء مع الخدم والرفقة، وقوله:{فِي الْحَجِّ} أي: أيامه الثلاثة.
وقرأ رفث وفسوق برفعهم منونًا ابن كثير وأبو عمرو على جعل لا ليسية، وهو خبر بمعنى النهي أو على جعلهما جملتين حذف خبرهما، أو رفث مبتدأ، وفسوق عطف عليه، والخبر محذوف، وقرأ الباقون بالنصب بلا تنوين مبنيين مع لا الجنسية، والجمهور علي بناء جدال على الفتح للعموم.
وقوله: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} جمع ميقات من الوقت، والفرق بينه وبين المدة والزمان أن المدة المطلقة ابتداء حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها، والزمان مدة مقسومة، والوقت الزمان المفروض لأمر، قال ابن عباس: سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الأهلّةِ، فنزلت هذه الآية يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقت حجهم، وقال أبو العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله، لم خلقت الأهلّة؟ فنزلت الآية إلى غير هذا. أ. هـ.
ثم قال: وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر كما ذي الحجة.
وصله الطبري والدارقطني عن عبد الله بن دينار، عنه، قال: الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وروى البيهقي عن نافع نحوه، والإِسنادان صحيحان.
وأما ما رواه مالك في "الموطأ" عن عبد الله بن دينار، عنه، قال: من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع، فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعًا بين الروايتين، وليس المراد أن جميع الزمن الذي ذكره وقت لجواز الإِحرام، ألا ترى أن الوقوف وطواف الزيارة وغيرهما لا يجوزان قبل التاسع والعاشر، بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإِحرام فيه، وهو من شوال إلى طلوع فجر يوم النحر، وبعضه وقت لجواز التحلل وهو من فجر يوم النحر لآخر الحجة، وابن عمر مرَّ في أول الأيمان قبل ذكر حديث منه. أ. هـ.
ثم قال: وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج.
وهذا التعليق وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني، وابن عباس مرّ في الخامس من بدء الوحي. أ. هـ.
ثم قال: "وكره عثمان رضي الله تعالى عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان".