الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكلام في الطواف
أي: إباحته، وإنما لم يصرح بذلك لأن الخبر ورد في كلام يتعلق بأمر بمعروف لا بمطلق الكلام، ولعله أشار إلى الحديث المشهور عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا: الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير، أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقد استنبط منه ابن عبد السلام أن الطواف أفضل أعمال الحج لأن الصلاة أفضل من الحج، فيكون ما اشتملت عليه أفضل، قال: وأما حديث: "الحج عرفة" فلا يتعين التقدير معظم الحج عرفة، بل يجوز إدراك الحج بالوقوف بعرفة، وفي هذا نظر ولو سلم، فما لا يتقوم الحج إلا به أفضل مما ينجبر، والوقوف والطواف سواء في ذلك فلا تفضيل.
الحديث الرابع والمائة
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ، أَوْ بِخَيْطٍ، أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ:"قُدْهُ بِيَدِهِ".
قوله: "بإنسان ربط يده إلى إنسان" زاد أحمد عن ابن جريج: إلى إنسان آخر، وفي رواية النسائي عن ابن جريج: قد ربط يده بإنسان.
وقوله: "يسير" بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف، وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك.
وقوله: "أو بشيء غير ذلك" كأنَّ الراوي لم يضبط ما كان مربوطاً به، وقد روى أحمد والفاكهاني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين وهما مقترنان، فقال:"ما بال القِران" قالا: إنا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة، فقال:"أطلقا أنفسكما ليس هذا نذرًا، إنما النذر ما يبتغى به وجه الله تعالى" وإسناده إلى عمرو حسن، قال في "الفتح": لم أقف على تسمية هذين الرجلين صريحًا إلى آخر ما يأتي في السند.
وقوله: "قُدْ بيده" بضم القاف وسكون الدال، فعل أمر، وفي رواية أحمد والنسائي:"قده" بإثبات هاء الضمير، وهو للرجل المقود، قال النووي: وقطعه عليه الصلاة والسلام، السير محمول على أنه لم تمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه، أو أنه دل على صاحبه، فتصرف فيه، وقال غيره: كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بهذا الفعل، وهذا بين من حديثي عمرو بن شعيب المار وخليفة بن بشر الآتي في السند، وقال ابن بطال في هذا الحديث أنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المناكر، وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة، قال ابن المنذر: أولى ما شغل به المرء نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم، وحكى ابن التين خلافًا في كراهة الكلام المباح، وعن مالك تقييد الكراهة بالطواف الواجب، قال ابن المنذر: واختلفوا في القراءة، فكان ابن المبارك يقول: ليس شيء أفضل من قراءة القرآن، وفعله مجاهد، واستحبه الشافعي وأبو ثور، وقيّده الكوفيون بالسر، وروي عن عروة والحسن كراهته، وعن عطاء ومالك أنه محدث، وعن مالك: لا بأس به إذا أخفاه ولم يكثر منه، قال ابن المنذر: من أباح القراءة في البوادي والطرق، ومنعه في الطواف لا حجة له.
وقد استحبت الشافعية للطائف أن لا يتكلم إلا بذكر الله تعالى، وأنه يجوز الكلام في الطواف ولا يبطل ولا يكره، لكن الأفضل تركه إلا أن يكون كلامًا في خير كأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تعليم جاهل، أو جواب فتوى، وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن نافع، قال: كلمت طاووسًا في الطواف فكلمني، وفي النسائي عن ابن عباس: الطواف بالبيت صلاة، فأقلوا فيه الكلام فليتأدب الطائف بآداب الصلاة خاضعًا حاضر القلب، ملازم الأدب في ظاهره وباطنه، مستشعرًا بقلبه عظمة من يطوف ببيته، وليتجنب الحديث فيما لا فائدة فيه، لاسيما في محرم كغيبة ونميمة.
وقد روي عن وهيب بن الورد، قال: كنت في الحجر تحت الميزاب، فسمعت: من تحت الأستار إلى الله أشكو وإليك يا جبريل ما ألقى من الناس من تفككهم حولي في الكلام، أخرجه الأزرقي وغيره، وقد مرَّ في باب التكبير عند الركن في حديث ابن عباس أن القرآن هو أفضل ما يقال في حالة الطواف، فراجعه، ونقل ابن التين عن الداوودي أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه، لا تلزمه، وتعقبه بأنه ليس في الحديث شيء من ذلك، وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر، ولهذا قال له:"قده بيده"، ولا يلزم