الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحج على الرحل
بفتح الراء وسكون المهملة، وهو للبعير كالسرج للفرس، أشار بهذا إلى أن التقشف أفضل من الترفُّه.
الحديث الرابع
وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ.
الغرض منه قوله فيه: "وحملها على قتب" وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة: رحلٌ صغير على قدر السنام، وقد أخرجه في آخر الباب موصولًا بلفظ: فأحقبها، أي: أردفها على الحقيبة، وهي الزنار الذي يجعل في مؤخر القتب، فقوله في رواية أبان: على قتب، أي: حملها على مؤخر قتب. والحاصل أنه أردفها، وكان هو على قتب، فإن القصة واحدة.
وقوله: "فأعمرها من التنعيم" هو بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة: مكان معروف خارج مكة، وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة، كما نقله الفاكهاني. وقال المحب الطبري: التنعيم أبعد من أدنى الحِلّ إلى مكة بقليل، وليس بطرف الحل، بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحلّ، فقد تجوز أو أراد بالنسبة إلى بقية الجهات. وروى الفاكهاني عن عبيد بن عمير، قال: أنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي عن اليسار يقال له منعم. وروى الأزرقي عن ابن جريج، قال: رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة، فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة وهو المسجد الخرب. ونقل الفاكهاني عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت منه عائشة. وقيل: هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء، ورجَّحه المحب الطبري. وقال الفاكهاني: لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم.
واختلف هل يتعين التنعيم لمن كان بمكة أم لا؟ وإذا لم يتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أم لا؟، قال صاحب "الهدي": لم ينقل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلًا إلى مكة، ولم يعتمر قط خارجًا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها، قلت: ما قاله صاحب "الهدي" لا دليل فيه، لأن العمرة قبل الهجرة لم يثبت وجوبها، وبعد الهجرة لم يستقر عليه الصلاة والسلام بمكة حتى يحتاج إلى الاعتمار منها، وإنما يأتيها من بلد بعيد معتمرًا وحاجًا، وعدم اطلاعه هو على فعل الصحابة له لا ينافي أنهم فعلوه، إذ يمكن أن يفعلوه، ولا ينقل، وأيُّ فائدة في هذا البحث بعد أن ثبتت مشروعيته بفعل عائشة له بأمره عليه الصلاة والسلام، وقد روى الفاكهاني عن محمد بن سيرين، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل مكة التنعيم، ومن طريق عطاء قال: من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو الجعرانة، فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتًا، أي: ميقاتًا من مواقيت الحج. قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة إن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته، كما لا تنبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون، فقالوا: ميقات العمرة الحل، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة.
ثم روى عن ابن أبي مليكة، عن عائشة في حديثها، قالت: وكان أدنانا من الحرم التنعيم، فاعتمرت، قال: فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء، وفي رواية القاسم عن عائشة: يا عبد الرحمن اذهب بأختك فأعمرها من التنعيم، وفي رواية عروة عنها: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم، وفي رواية الأسود عنها: اذهبي مع أخيك إلى التنعيم، وفي رواية الأسود والقاسم جميعًا عنها: فاخرجي إلى التنعيم، وكل هذا صريح في أن ذلك كان عن أمر النبي يكنه وكلُّه يفسر قوله في رواية القاسم: اخرج بأختك من الحرم.
وأما ما رواه أحمد عن ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث: ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: احملها خلفك حتى تخرجها من الحرم، فوالله ما قال: فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم، فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخزاز، الراوي له عن ابن أبي مليكة، ويحتمل أن يكون قوله: فوالله، الخ، من كلام من دون عائشة متمسكًا