الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى
كذا في معظم الروايات، وفي نسخة معتمدة عن أبي الوقت إلى منى، وكذا ذكره ابن بطال في شرحه، والإسماعيلي في مستخرجه، ولا إشكال فيه، وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي، كما يأتي قريبًا.
وقوله: "للمكي"، أي: إذا أراد الحج.
وقوله: "الحاج"، أي: الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعًا، قال النووي: ميقات من بمكة من أهلها وغيرهم نفس مكة على الصحيح، وقيل: مكة وسائر الحرم، والثاني مذهب الحنفية.
واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل، وفي قول للشافعي: من المسجد، وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج عن ابن عباس حتى أهل مكة يهلُّون منها، وقال مالك وأحمد وإسحاق: يهل من جوف مكة، والأفضل من المسجد، قال أشهب: من داخله لا من بابه، وقال ابن حبيب: من بابه، ولا يخرج إلى الحل إلَاّ محرمًا.
واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه، فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية، وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة: ما لكم يقدم الناس عليكم شعثًا، وأنتم تنضحون طيبًا مدهنين إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج، وهو قول ابن الزبير، ومن أشار إليهم عبيد بن جريج في تعليقه الآتي قريبًا بقوله لابن عمر: أهل الناس إذا رأوا الهلال، وقيل: إن ذلك محمول على الاستحباب، وبه قال مالك وأبو ثور، وقال ابن المنذر: الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم، فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم، واحتج الجمهور بحديث ابن الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب.
ثم قال: وسئل عطاء عن المجاور يلبي بالحج، فقال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يلي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته.
رواه سعيد بن منصور من طريقه بلفظ: رأيت ابن عمر في المسجد، فقيل له: قد رؤي الهلال، فذكر قصة فيها، فأمسك حتى كان يوم التروية، فأتى البطحاء، فلما استوت به راحلته أحرم، وروى مالك في "الموطأ" أن ابن عمر أهل لهلال ذي الحجة، وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك، وعطاء مرَّ في التاسع والثلاثين من العلم، ومرَّ ابن عمر أول كتاب الإيمان، قبل ذكر حديث منه.
ثم قال: وقال عبد الملك، عن عطاء، عن جابر رضي الله تعالى عنه: قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأحللنا حتى يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر لبينا بالحج.
وصله مسلم عن عطاء، عن جابر، قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا، الحديث، وفيه: أيها الناس أحلوا، فأحللنا حتى كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج، وقد روى عبد الملك بن جريج نحو هذه القصة، وسيأتي في أثناء حديث.
وقوله: "بظهر"، أي: وراء ظهورنا.
وقوله: "أهللنا بالحج"، أي: جعلنا مكة من ورائنا في يوم التروية حال كوننا مهلين بالحج، فعلم أنهم حين الخروج من مكة كانوا محرمين، وعطاء مرَّ محله الآن، وجابر مرَّ في الرابع من بدء الوحي، وعبد الملك يحتمل أنه ابن جريج وقد مرَّ في الثالث من الحيض، ويحتمل أنه ابن أبي سليمان، وهذا هو الظاهر لأن مسلمًا وصله من طريقه، وهو عبد الملك بن أبي سليمان، واسم أبي سليمان ميسرة أبو محمد، ويقال: أبو سليمان أبو عبد الله العرزمي أحد الأئمة، قال ابن مهدي: كان شعبة يعجب من حفظه.
وقال سفيان الثوري: حفاظ الناس إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، وذكر جماعة، وقال أيضًا: حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان، وقال ابن المبارك: عبد الملك ميزان، وقال أبو داود: كان ثقة عن أحمد، وسئل يحيى بن معين عن حديث عطاء، عن جابر في الشفعة، فقال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه، ولكن عبد الملك ثقة صدوق، لا يرد على مثله، قيل له: تكلم فيه شعبة، قال: نعم، قال شعبة: لو جاء عبد الملك بآخر مثله لرميت بحديثه. وقال أحمد: هذا حديث منكر، وعبد الملك ثقة، وقال أيضًا: عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابن جريج، وابن جريج أثبت منه عندنا، وقال أيضًا: عبد الملك من أعيان الكوفيين، وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد ويحيى يقولان: عبد الملك بن أبي سليمان ثقة، وقال يحيى بن معين أيضًا:
ضعيف، وهو أثبت في عطاء من قيس بن سعيد، وقال الدارمي: قلت لابن معين: أيّما أحب إليك عبد الملك بن أبي سليمان أو ابن جريج، قال: كلاهما ثقة، وقال ابن عمار: ثقة حجة، وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث، وقال أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن أبي سليمان: ثقة متقن فقيه، وقال يعقوب بن سفيان عن عبد الملك: فزاري من أنفسهم، ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا ثبتًا، وقال الساجي: صدوق روى عنه يحيى بن سعيد القطان جزءًا ضخمًا.
وقال الترمذي: ثقة مأمون لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة، وقال: قد كان شعبة حدث عنه، ثم تركه، ويقال: إنه تركه لحديث الشفعة الذي تفرد به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أخطأ، وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث أن يهم، وليس في الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عنه السنة بأوهام، يهم فيها، والأولى فيه قبول ما يروي بتثبت، وترك ما صح أنه وهم فيه ما لم يفحش، فمن غلب خطؤه على صوابه استحق الترك، روى عن أنس وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم، وروى عنه شعبة والثوري وابن المبارك والقطان وغيرهم، مات في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة.
والعرزمي في نسبه نسبة إلى جبانة عرزم بالكوفة كان نزلها.
ثم قال: وقال أبو الزبير عن جابر: أهللنا من البطحاء.
وصله أحمد ومسلم عن ابن جريج، عنه، عن جابر، قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح، وأخرجه مسلم مطولًا عن الليث، عن أبي الزبير، فذكر قصة فسخهم الحج إلى العمرة، وقصة عائشة لما حاضت، وفيه: ثم أهللنا يوم التروية، وزاد عن زهير، عن أبي الزبير: أهللنا بالحج، وأبو الزبير مرَّ متابعة بعد الثامن والخمسين من الجماعة والإمامة، ومرَّ جابر في الرابع من بدء الوحي.
ثم قال: وقال عبيد بن جريج لابن عمر رضي الله تعالى عنهما: رأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية، فقال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
قال ابن بطال وغيره: وجه احتجاج ابن عمر على ما ذهب إليه أنه يهل يوم التروية إذا كان بمكة بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إنما أهل حين انبعثت به راحلته بذي الحليفة، ولم يكن بمكة ولا كان ذلك يوم التروية من جهة أنه عليه الصلاة والسلام أهلّ من ميقاته من حين ابتدائه في عمل حجته، واتصل له عمله، ولم يكن بينهما مكث ربما انقطع به العمل،
فكذلك المكي إذا أهلّ يوم التروية اتصل عمله بخلاف ما لو أهلّ من أول الشهر، وقد قال ابن عباس: لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى مني، وهذا التعليق وصله البخاري في باب غسل الرجلين في النعلين من كتاب الوضوء مطولًا، وقد مرَّ عبيد بن جريج في الحادي والثلاثين من الوضوء، ومرَّ ابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.
ثم قال المصنف: