الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البصرة قبل أن يموت بعشر سنين، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان فقيهًا عالمًا، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث، روى عن أبي بكرة، وابن عمر، وابن عباس وغيرهم، وروى عنه ابنه عبيد الله ومحمد بن المنتشر، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد، والعنعنة، والقول.
وشيخه بخاري، والباقون: بصريون إلا حميد، على أنه ابن عوف، فهو مدني، وقد مرَّ في كتاب العلم من أخرجه.
الحديث العشرون والمائتان
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: "فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "شَهْرٌ حَرَامٌ"، قَالَ:"فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".
قوله: "عن أبيه" هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، فرواية محمد عن جدّه.
وقوله: "أفتدرون" في رواية الإسماعيلي: "أوَتدرون"، وهذا الحديث قد مرت مباحثه في الذي قبله.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: مرَّ محمد بن المثنى في التاسع من الإيمان، ومرَّ محمد بن زيد أبو عاصم في الثامن عشر منه، ومرَّ عاصم في الرابع من كتاب الصلاة، ومرَّ يزيد بن هارون في الخامس عشر من الوضوء، ومرَّ ابن عمر في أول الإِيمان قبل ذكر حديث منه.
أخرجه البخاري أيضًا في الديات، وفي الأدب، والحدود والمغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في السنة والنسائي في المحاربة وابن ماجه في الفتن.
ثم قال:
قَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِى حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ:"هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ"، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ". وَوَدَّعَ النَّاسَ. فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.
قوله: "بين الجمرات" بفتح الجيم والميم فيه تعيين البقعة التي وقف فيها، كما أن في الرواية التي قبلها تعيين المكان، كما أن في حديثي ابن عباس وأبي بكرة تعيين اليوم، ووقع تعيين الوقت من اليوم في رواية ابن عمرو المزني في رواية أبي داود والنسائي، ولفظه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى. الحديث.
وقوله: "في الحجة التي حج" هذا هو المعروف عند من ذكر ممن رواه كما يأتي، وفي رواية الكشميهني: في حجته التي حج، وللطبراني: في حجة الوداع.
وقوله: "بهذا" أي: بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جدّه وأراد المصنف بذلك أصل الحديث، وأصل معناه، لكن السياق مختلِف، فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بقولهم: الله ورسوله أعلم، وفي هذا عند ابن ماجه وغيره في أجوبتهم قالوا: يوم النحر، قالوا: بلد حرام، قالوا: شهر حرام، ويجمع بينهما بنحو ما تقدم، وهو أنهم أجابوا أولًا بالتفويض، فلما سكت أجابوا بالمطلوب، وأغرب الكرماني فقال: قوله: "بهذا" أي: وقف متلبسًا بهذا الكلام.
وقوله: وقال: "هذا يوم الحج الأكبر" فيه دليل لمن يقول: إن يوم الحج الأكبر، هو يوم النحر، وقد مرَّ الكلام عليه مستوفىً أوائل كتاب الصلاة في باب ما يستر من العورة.
وقوله: "فطفق" في رواية ابن ماجه وغيره بين قوله: يوم الحج الأكبر، وبين قوله: فطفق من الزيادة: "ودماؤكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة هذا البلد، في هذا اليوم" وقد وقع معنى ذلك في طريق محمد بن زيد أيضًا.
وقوله: "فودع الناس" وعند البيهقي في طريق ضعيفة من حديث ابن عمر سبب ذلك، ولفظه: أنزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع، فأمر راحلته القصواء فرحلت له، فركب ووقف بالعقبة، واجتمع الناس إليه فقال:"أيها الناس" فذكر الحديث، وفي هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر، وبه أخذ الشافعي ومن تبعه، وخالف ذلك المالكية والحنفية قالوا: خطب الحج ثلاثة: سابع ذي الحجة، ويوم عرفة، وثاني يوم النحر، ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر ثالثه، لأنه أول النفر، وزاد خطبة رابعة وهي: يوم النحر، وقال: إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق، والطواف، وقد استوفيت الكلام على خطب الحج عند الأئمة في باب التهجير بالرواح يوم عرفة عند حديث ابن عمر، وتعقب الطحاوي على الشافعي ما مرَّ عنه، بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج؛ لأنه لم يذكر فيها شيئًا من أمور الحج، وإنما ذكر فيها وصايا عامة، ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئًا من الذي يتعلق بيوم النحر، فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج.
وقال ابن القصار: إنما فعل من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجَمْع الذي اجتمع من أقاصِي الناس، فظن الذي رآه أنه خطب، قال: وأما ما ذكره الشافعي من أن بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكورة، فليس بمتعين؛ لأن الإِمام يمكنه أن يعلمهم إياها يوم عرفة، وأجيب بأنه نبه صلى الله عليه وسلم في الخطبة المذكورة، على تعظيم يوم النحر، وعلى تعظيم ذي الحجة، وعلى تعظيم البلد الحرام، وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها خطبة، فلا يلتفت لتأويل غيرهم، وما ذكره إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة، يعكر عليه كونه يرى مشروعية الخطبة، ثاني يوم النحر، وكان يمكن أن يعلموا ذلك يوم عرفة، بل كان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي بعده من أعمال الحج، لكن لما كان في كل يوم أعمال ليست في غيره، شرع تجديد التعليم بحسب تجديد الأسباب، وأيضًا الناس تطرأ كل يوم إلى يوم النحر فتحتاج إلى تجديد التعليم، وقد بين الزهري -وهو عالم أهل زمانه- أن الخطبة ثاني يوم النحر، نقلت من خطبة يوم النحر وأن ذلك من عمل الأمراء، يعني من بني أمية، فقد روى ابن أبي شيبة عن الزهري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فشغل الأمراء فأخروه إلى الغد، وهذا وإن كان مرسلًا، لكنه يعتضد بما سبق، وبانَ به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانيه.
وأما قول الطحاوي: إنه لم ينقل أنه علمهم شيئًا من أسباب التحلل، فلا ينفي وقوع ذلك، أو شيئًا منه في نفس الأمر، بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم في الباب قبله أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، وذكر فيه السؤال عن تقدم بعض المناسك على بعض، فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو لحديث عبد الله بن عمرو؟ وثبت أيضًا في بعض طرق أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم قال للناس حينئذٍ:"خذوا عني مناسككم" فكأنه وعظهم بما وعظهم به، وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله، ومما يرد به على تأويل الطحاوي، ما أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-وهو على ناقته بعرفات- "أتدرون أيّ يوم هذا؟ " الحديث، ونحوه للطبراني في "الكبير" من حديث ابن عباس. وأخرج أحمد من حديث نبيط بن شريط أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفًا بعرفة على بعير أحمر يخطب فسمعته يقول:"أيّ يوم أحرم؟ " الحديث قالوا هذا اليوم، قال:"فأي بلد أحرم" الحديث ونحوه، لأحمد من حديث العداء ابن خالد، فهذا الحديث الذي ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام خطب به يوم النحر، قد ثبت أنه خطب به قبل ذلك يوم عرفة. وقد وردت الأحاديث عن الصحابة مصرحة بأنه عليه الصلاة والسلام خطب يوم النحر كحديث الهرماس بن زياد المشار إليه سابقًا، ولفظه، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته الجدعاء يوم الأضحى، وحديث أبي أمامة السابق أيضًا، سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، أخرجهما أبو داود، وأخرج أيضًا عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، وأخرج أيضًا عن رافع بن عمرو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى، وأخرج أيضًا من مرسل مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر.
وتعليق هشام بن الغاز هذا وصله أبو داود وابن ماجه والطبراني.
ورجاله ثلاثة:
مرَّ نافع في الأخير من العلم، ومرَّ محل ابن عمر في الذي قبله، والباقي هشام بن الغاز باسم الفاعل مع حذف الياء، ابن ربيعة الجرشي أبو عبد الله، ويقال: أبو العباس الدمشقي نزيل بغداد، وكان على بيت المال لأبي جعفر المنصور، قال أحمد: صالح الحديث، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال مرة: ثقة، وكذا قال ابن عمار، وكذا قال أبو العباس، وقال دحيم: ما أحسن استقامته في الحديث، وكان الوليد يثني عليه، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال كان عبادًا فاضلًا روى عن أخيه ربيعة وعبادة بن نسي، ونافع والزهري، وغيرهم وروى عنه ابنه عبد الوهاب، وإسماعيل ابن عياش، ووكيع، وغيرهم، مات سنة ثلاث أو ست وخمسين ومائة.
ثم قال المصنف: