الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للرجل، وإلا لما كان في التقييد بالمرأة فائدة، قلت: المفهوم هنا أن الرجل أولى بالتغطية، فهو من باب الأولى، وقد ذهب إلى جواز تغطية الرجل المحرم وجهه عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومجاهد، وإليه ذهب الشافعي وجمهور أهل العلم.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى المنع من ذلك، واحتجا بحديث ابن عباس في المحرم الذي وقصته ناقته، فقال عليه الصلاة والسلام:"لا تخمروا وجهه ولا رأسه" رواه مسلم، ورواه النسائي بلفظ:"وكفنوه في ثوبين خارجا وجهه ورأسه" أ. هـ.
ثم قال: وقال جابر رضي الله تعالى عنه: لا أرى المعصفر طيبًا.
أي: تطيبًا، وقد مرَّ ما فيه من الخلاف قريبًا، وهذا التعليق وصله الشافعي ومسدد، وجابر قد مرّ في الرابع من بدء الوحي. أ. هـ.
ثم قال: ولم تر عائشة بأسًا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة.
وصله البيهقي عن ابن باباه المكي أن امرأة سألت عائشة: ما تلبس المرأة في إحرامها، قالت عائشة: تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها، وأما المورد والمراد به ما صبغ على لون الورد، فسيأتي موصولًا في باب طواف النساء في آخر حديث عطاء، عن عائشة، وأما الخف فوصله ابن أبي شيبة عن ابن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم، وقد مرّ محل عائشة قريبًا. أ. هـ.
ثم قال: وقال إبراهيم: لا بأس أن يبدل ثيابه.
وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم، عن مغيرة وعبد الملك ويونس، أما مغيرة فعن إبراهيم، وأما عبد الملك فعن عطاء، وأما يونس فعن الحسن، قالوا: يغير المحرم ثيابه ما شاء، لفظ سعيد، وفي رواية ابن أبي شيبة أنهم لم يروا بأسًا أن يبدل المحرم ثيابه، وأخرج سعيد عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم، فدخلوا فيها مكة، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي، وقد مرّ في الخامس والعشرين من الإِيمان.
الحديث الثلاثون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ، بَعْدَمَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ
يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلَاّ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ، وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِىَ لَهُ حَلَالٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ.
قوله: "ترجل"، أي: سرح شعره، وقوله:"وادَّهن"، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والسيرج، وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته، وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه، ففرقوا بين الطيب والزيت في هذا، وقياس كون المحرم ممنوعًا من استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه، وقد تقدم الكلام عليه في باب الطيب عند الإحرام.
وقوله: "التي تردع" بفتح المثناة الفوقية، والدال آخره عين مهملتين، وفي رواية بضم أوله وكسر ثالثه، قال عياض: الفتحُ أوجهُ، ومعنى الضم أنها تبقي أثرة، وشرح، أي: تلطخ، يقال: ردع إذا تلطخ، والردع أثر الطيب، وردع به الطيب إذا ألزق بجلده، قال ابن بطال: وقد روي بالمعجمة من قولهم: أردغت الأرض إذا كثرت منافع المياه فيها، والردغ بالغين المعجمة الطين، وليس في شيء من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة، ولا تعرض لها عياض، ولا ابن قرقول، ووقع في الأصل:"تردع على الجلد" قال ابن الجوزي: الصواب حذف على، وإثباتها ممكن توجيهه.
وقوله: "فأصبح بذي الحليفة"، أي: وصل إليها نهارًا، ثم بات بها كما يأتي صريحًا عن أنس في الباب الذي بعده.
وقوله: "حتى استوى على البيداء أهلَّ" تقدم ما في هذا من الخلاف، وطريق الجمع المختلف فيه عند ابن عمر في باب غسل النعلين من الوضوء.
وقوله: "وذلك لخمسٍ بقين من ذي القعدة" أخرج مسلم نحوه عن عائشة، واحتج به ابن حزم في حجة الوداع له على أن خروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة كان يوم