الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
هذه الترجمة تقدمت في كتاب العلم، لكن بلفظ باب الفتيا، وهو واقف على الدابة، أو غيرها، ثم قال بعد أبواب كثيرة: باب السؤال والفتيا عن رمي الجمار، وأورد في كل من الترجمتين حديث عبد الله بن عمرو المذكور في هذا الباب، ومثل هذا لا يقع له إلا نادرًا، وقد اعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في شيء من الروايات عن مالك أنه كان على دابة، بل في رواية يحيى القطّان عنه أنه جلس في حجة الوداع، فقام رجل، ثم قال الإسماعيلي: فإن ثبت في شيء من الطرق أنه كان على دابة، فيحمل قوله:"جلس" على أنه ركبها وجلس عليها، وهذا هو المتعين، فقد أورد هو رواية صالح بن كيسان بلفظ:"وقف على راحلته"، وهو بمعنى جلس، والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وبغل وحمار، فإذا ثبت في الراحلة كان الحكم في البقية كذلك، ثم قال الإسماعيلي: إن صالح بن كيسان تفرد بقوله: وقف على راحلته وليس كما قال، فقد قال ذلك أيضًا يونس عند مسلم، ومعمر عند أحمد والنسائي، كلاهما عن الزهري، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: تابعه معمر الآتي قريبًا أي: في قوله: وقف على راحلته.
الحديث الرابع عشر والمائتان
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: "اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ". فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِي؟ قَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَاّ قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ".
أورد المصنف هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -وما وقع في بعض نسخ العمدة، وشرح عليه ابن دقيق العيد من أنه ابن عمر بن الخطاب غلط- من أربعة طرق عن الزهري عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة عن عبد الله بن عمرو، ولم يوجد حديثه إلا بهذا الإسناد، واختلف أصحاب الزهري عليه في سياقه، وأتمهم سياق صالح بن كيسان، وهي الطريقة الثالثة، ولم يسق المصنف لفظها، وهي عند أحمد في مسنده، وفيه زيادة على سياق ابن جريج ومالك، وتابعه يونس عن الزهري عند مسلم بزيادة أيضًا سنبينها.
وقوله: "مالك عن ابن شهاب" كذا في رواية الموطأ، وعند النسائي: عن مالك حدَّثني الزهري.
وقوله: "عن عيسى" في رواية صالح: حدَّثني عيسى.
وقوله: "عن عبد الله" في رواية صالح: أنه سمع عبد الله، وفي رواية ابن جريج، وهي الثانية: أن عبد الله حدَّثه.
وقوله: "وقف في حجة الوداع" لم يعين المكان ولا اليوم، لكن تقدم في كتاب العلم عن إسماعيل، عن مالك: بمنى، وكذا في رواية معمر وفيه عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري: عند الجمرة، وفي رواية ابن جريج، وهي الطريق الثانية: هنا يخطب يوم النحر، وفي رواية صالح ومعمر كما تقدم: على راحلته، قال عياض: جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد، على أن معنى خطب أي: علم الناس لا أنها من خطب الحج المشهورة، قال: ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما: على راحلته عند الجمرة، ولم يقل في هذا: خطب والثاني: يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج، يعلم الإِمام الناس فيها ما بقي عليهم من مناسكهم، وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني، فإن قيل: لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين الذي قبله، فإنه ليس في شيء من طريق الحديثين، حديث ابن عباس، وحديث عبد الله بن عمرو بيان الوقت الذي خطب فيه من النهار، إلا أن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال: رميت بعدما أمسيت؟ وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال؛ لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخّرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك، على أن حديث عبد الله بن عمرو من مخرج واحد، لا يعرف له طريق إلا عن الزهري عن عيسى عنه.
والاختلاف فيه من أصحاب الزهري، وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر، واجتمع من مرّوا بهم، ورواية ابن عباس، أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال، وهو على راحلته يخطب عند الجمرة، وإذا تقرر أن ذلك كان بعد الزوال يوم النحر، تعين أنها الخطبة التي شرعت لتعليم بقية المناسك فليس قوله: خطب مجازًا عن مجرد التعليم، بل حقيقة، ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذٍ رماها فسيأتي في آخر الباب الذي يليه من حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر بين الجمرات، فذكر خطبته، فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض، ورجع إلى مني.
وقوله: "فقال رجل" قال في الفتح: لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد، ولا على
اسم أحد ممن سأل في هذه القصة، وهم كانوا جماعة، وفي حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره: كان الأعراب يسألونه، وكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم.
وقوله: "لم أشعر" أي: لم أفطن، يقال: شعرت شعورًا بالشيء إذا فطنت له، وقيل: الشعور: العلم، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور، وبينه يونس عند مسلم ولفظه: لم أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل أن أرمي. وقال آخر: لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر، وفي رواية ابن جريج: كنت أحسب أنّ كذا قبل كذا، وقد تبين ذلك في رواية يونس، وزاد في رواية ابن جريج: وأشباه ذلك، وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم: حلقت قبل أن أرمي، وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي أيضًا، فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء: الحلق قبل الذبح، والحلق قبل الرمي، والنحر قبل الرمي، والإِفاضة قبل الرمي، والأولان في حديث ابن عباس أيضًا، كما مرَّ، وعند الدارقطني من حديث ابن عباس أيضًا السؤال عن الحلق قبل الرمي، وكذا في حديث جابر، وفي حديث أبي سعيد عند الطحاوي، وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معًا قبل الحلق، وفي حديث جابر -الذي علقه المصنف فيما مضى، ووصله ابن حبان وغيره- السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف.
وقوله: "اذبح ولا حرج" أي: لا ضيق عليك في ذلك، ووظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله فنحر، وقال للحالق:"خذ"، ولأبي داود: ثم نحر، ثم حلق، وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب المذكور، إلا ابن الجهم المالكي واستثنى القارن، فقال: لا يحلق حتى يطوف، وكأنه لاحظ أنه في عمل العمرة، والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، ورد عليه النووي بالإجماع، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك، واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض، وأجمعوا على الإجزاء في ذلك، كما قاله ابن قدامة في المغني، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع، وقال القرطبي: روي عن ابن عباس، ولم يثبت عنه أن من قدم شيئًا على شيء فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر، فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع.
وقوله: "فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدِّم ولا أخر" في رواية يونس عند مسلم وصالح عند أحمد: فما سمعته سئل يومئذٍ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور