الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
وقع سياق الآيات كلها في رواية كريمة، والمراد منها هنا قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ولذلك عطف عليها في الترجمة، وما يأكل من البدن وما يتصدق، أي: بيان المراد من الآية، وقد وقع في رواية كريمة بعد قوله:{فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} وقبل قوله: وما يأكل من البدن وما يتصدق لفظ باب، وسقط من رواية أبي ذر وهو الصواب.
وقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا} اذكر إذ جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءَة ومرجعًا يرجع إليه للعبادة والعمارة، يقال: بوأ الرجل منزلًا أعده وبوأه غيره منزلًا أعطاه، وأصله باء إذا رجع، واللام في لإبراهيم مقحمة لقوله:{بؤانا بني إسرائيل} وقوله: {تبوىء المؤمنين} .
وقوله: "مكان البيت" أي: موضع الكعبة. قيل: المكان جوهر يمكن أن يثبت عليه غيره كما أن الزمان عرض يمكن أن يحدث فيه غيره، فإن قيل: كيف يكون النهي عن الإشراك والأمر بالتطهير تفسيرًا للتبوئة، أجيب: بأنه كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل: وإذ تعبدنا إبراهيم قلنا له: لا تشرك بي شيئًا وطهر بيتي من الأصنام والأوثان.
وقوله: {وَالْقَائِمِينَ} أي: المصلين لأن الصلاة قيام وركوع وسجود، والركع جمع راكع، والسجود جمع ساجد، لم يذكر الواو بين الركع والسجود، وذكره بين القائمين والركع، لكمال الاتصال بين الركع والسجد إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر فرضًا أو نفلًا، وينفك القيام من الركوع فلا يكون بينهما كمال الاتصال.
وقوله: {وَأَذِّنْ} أي: ناب عطف على قوله: "وطهر"، والنداء بالحج أن يقول: حجوا، أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج، وقال إبراهيم عليه السلام: يا رب وما يبلغ صوتي؛ قال: أذِّن، وعليّ البلاغ، وعن الحسن أن قوله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} كلام مستأنف، وأن المأمور بهذا التأذين محمد صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع.
وقوله: {رِجَالًا} أي: مشاة على أرجلهم جمع راجل، مثل قائم وقيامًا، وصائم وصيامًا.
وقوله: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: وركبانًا والضامر البعير المهزول، وانتصاب رجالًا على أنه حال وعلى كل ضامر حال معطوفة على الحال الأولى.
وقوله: {يَأْتِينَ} صفة لكل ضامر؛ لأن كل ضامر في معنى الجمع، أراد النوق.
وقوله: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: طريق بعيد. وقوله: {لِيَشْهَدُوا} أي: ليحضروا منافع لهم مختصة بهذه العبادة من أمور الدين والدنيا، وقيل: المنافع التجارة، وقيل: العفو والمغفرة.
وقوله: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} عشر ذي الحجة، وقيل: تسعة من العشر، وقيل: يوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده، وقيل: أيام التشريق، وقيل: إنها خمسة أيام، أولها يوم التروية، وقيل: ثلاثة أيام، أولها يوم عرفة، والذكر هنا تدخل فيه التسمية على ما نحر، لقوله:{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} من الهدايا والضحايا من الإبل والبقر والغنم، والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام من الإبل والبقر والغنم.
وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} الأمر بالأكل منها أمر إباحة؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم، ويجوز أن يكون ندبًا لما فيه من مواساة الفقراء ومساواتهم، واستعمال التواضع.
وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} أي: الذي أصابه بؤس أي: شدة الفقر، وذهب الأكثرون إلى أنه غير واجب.
وقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قال عطاء عن ابن عباس: التفث حلق الرأس، وأخذ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظافر، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والوقوف بعرفة، وقيل: مناسك الحج، والتفث في الأصل الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظافر والشعث، وقضاؤه نقضه وإذهابه، وقال الزجاج: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير، وكأنه عندهم الخروج من الإحرام إلى الإحلال. وقوله:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أي: نذور الحج والهدي، وما ينذر الإنسان من أعمال البر في حجهم.
وقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا} أراد الطواف الواجب، وهو طواف الإفاضة والزيارة، الذي يطاف بعد الوقوف، إما يوم النحر أو بعده.
وقوله: {بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: الكعبة سمى العتيق لقدمه، أو لأنه عتق من أيدي الجبابرة، فلم يصلوا إلى تخريبه، فلم يظهر عليه جبار ولم يسلط عليه إلا من يعظمه ويحترمه، قلت: ولا يرد على هذا ما يقع من تخريب ذي السويقتين له في آخر الزمان؛ لأن ذلك قرب انقضاء الدنيا، وعند عدم وجود مؤمن في الأرض، ولا يرجى وجوده بعد ذلك.