الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كهذه الأقوال الثلاثة، وعند الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت، وأغرب ابن العربي فحكى الإجماع على أن السعي ركن في العمرة، وإنما الاختلاف في الحج، وأغرب الطحاوي فقال في كلام له على المشعر: قد ذكر الله أشياء في الحج لم يرد بذكرها إيجابها في قول أحد من الأمة، من ذلك قوله:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، فكل أجمع على أنه لو حج ولم يطوف بهما أنه قد تم حجه، وعليه دم، وقد أطنب ابن المنير في الرد في حاشيته على ابن بطال.
الحديث الرابع والعشرون والمائة
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَاّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
قوله: "فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة"، الخ، الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك، ومحصل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة بنفي الإثم عن الفاعل، والمباح يحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلوا ذلك في الجاهلية أن لا يستمر في الإِسلام، فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم.
وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجبًا، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفيه عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك، وقد جاء في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة: أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك، حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر وغيرهم عن أُبي بن كعب وابن مسعود، وابن عباس، وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة، ولا زائدة، وكذا قال الطحاوي، وقال غيره: لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور، وقال الطحاوي أيضًا: لا حجة لمن قال: إن السعي مستحب بقوله: "فمن تطوع خيرًا" لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع.
وقوله: "يهلون لمناة"، أي: يحجون لها، ومَناة بفتح الميم والنون الخفيفة: صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل، وكانوا يعبدونها، والطاغية صفة لها إسلامية.
وقوله: "بالمُشَلل" بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على قديد، زاد سفيان عن الزهري: بالمشلل من قديد أخرجه مسلم، وأصله للمصنف كما يأتي في تفسير: والنجم، وله في تفسير: البقرة عن عروة، قال: قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث، وفيه: كانوا يهدون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، أي: مقابله، وقديد بالتصغير قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه.
وقوله: "إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة" ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، ويقتصرون على الطواف بمناة، فسألوا عن حكم الإِسلام في
ذلك، ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة بلفظ: إنما كان من أهلّ بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، وفي رواية معمر عن الزهري: إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة، أخرجه البخاري تعليقًا، ووصله أحمد وغيره، وعند مسلم عن يونس، عن الزهري أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة، فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة، فطرق الزهري متفقة، واختلف فيه على هشام بن عروة، عن أبيه، فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري، ورواه أبو أُسامة عنه بلفظ: إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، أخرجه مسلم، وظاهره يوافق رواية الزهري، وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهاني أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديدًا، فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات، وفرغوا من مني أتوا مناة، فأهلُّوا لها، فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة، قال: وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان، ومن دان دينهم من أهل يثرب، فهذا يوافق رواية الزهري.
وأخرج مسلم عن أبي معاوية، عن هشام هذا الحديث فخالف فيه جميع ما تقدم ولفظه: إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر: أساف ونائلة، فيطوفون بين الصفا والمروة، ثم يحلون، فلما جاء الإِسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم، إنما كان لئلا يفعلوا في الإِسلام شيئًا كانوا يفعلونه في الجاهلية؛ لأن الإِسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع، فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع، فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف رواية أبي أسامة، فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا يفعلونه في الجاهلية، ولا يلزم من تركهم فعل شيء في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإِسلام، ولولا الزيادة التي في رواية يونس حيث قال:"وكانت سنة في آبائهم" لكان الجمع بين الروايتين ممكنًا بأن تقول: وقع في رواية الزهري حذف تقديره إنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة، ثم يطوفون بين الصفا والمروة، فكان من أهلّ أي: بعد ذلك في الإِسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا يضاهي فعل الجاهلية، ويمكن أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره: كانوا إذا أهلّوا لمناة في الجاهلية، فجاء الإِسلام، فظنوا أنه أبطل ذلك، فلا يحل لهم، ويبين ذلك رواية أبي معاوية المارة حيث قال فيها: فلما جاء الإِسلام
كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، إلا أنه وقع فيها وهم غير هذا نبّه عليه عياض، فقال: قوله: "لصنمين على شط البحر" وهم، فإنهما ما كانا قط على شط البحر، وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر، وسقط من روايته أيضًا: إهلالهم أولًا لمناة، فكأنهم كانوا يهلون لمناة فيبدؤون بها، ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل إساف ونائلة، فمن ثم تحرجوا من الطواف بينهما في الإِسلام، ويؤيد ما ذكر حديث أنس في الباب الذي بعده بلفظ: أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال: نعم؛ لأنها كانت من شعار الجاهلية.
وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال: كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس، يقال لهما: إساف ونائلة، كان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، الحديث، وروى الطبراني وابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس، قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، وروى الفاكهاني وإسماعيل القاضي في "الأحكام" بإسناد صحيح عن الشعبي، قال: كان صنم بالصفا يدعى إساف، ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما، فلما جاء الإسلام رمى بهما، وقال: إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم، فأمسكوا عن السعي بينهما، قال: فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية.
وذكر الواحدي في "أسبابه" عن ابن عباس نحو هذا، وزاد فيه: يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخا حجرين، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عُبدا، والباقي نحوه، وروى الفاكهاني بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه، وفي كتاب مكة لعمر بن شبة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية، قال: قالت الأنصار: إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، فنزلت، وعن الكلبي، قال: كأن الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم، فنزلت، فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية، وتقدمها على رواية غيره، ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين، منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية، ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري، وأشركا الفريقين في الإِسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعًا من أفعال الجاهلية، فيجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي، وقول عائشة: وقد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة، أي: فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيتها، ويؤيده قولها: لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته ما لم يطف بينهما.
وقوله: "ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن"، القائل: هو الزهري، وفي رواية سفيان، عن الزهري، عند مسلم، قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن فأعجبه.
وقوله: "إن هذا العلم" كذا للأكثر، أي: إن هذا هو العلم المتين، وللكشميهني: إن هذا لَعلم بفتح اللام، وهي لام التوكيد، وبالتنوين على أنه الخبر.
وقوله: "إن الناس إلا من ذكرت عائشة"، إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها، ومحصل ما أخبره به أبو بكر بن عبد الرحمن أن المانع لهم من التطوف بينهما أنهم كانوا يطوفون بالبيت، وبين الصفا والمروة في الجاهلية، فلما أنزل الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بينهما ظنوا رفع ذلك الحكم، فسألوا: هل عليهم من حرج إن فعلوا ذلك بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية، ووقع في رواية سفيان المذكورة: إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية.
وقوله: "فأسمع هذه الآية" نزلت في الفريقين، كذا في معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين بصيغة المضارع للمتكلم، وضبطه الدمياطي في نسخته بالوصل، وسكون العين بصيغة الأمر، والأول أصوب، وفي رواية سفيان المذكورة: فأُراها نزلت، وهو بضم الهمزة، أي: أظنها، وحاصله إن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية، والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا.
وقوله: "حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت" يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج، وهي قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، والمعنى أنهم امتنعوا من السعي بين الصفا والمروة لأن قوله:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} دل على الطواف بالبيت ولا ذكر للصفا والمروة فيه حتى نزل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} بعد نزول: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} ، وفي رواية المستملي وغيره: حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت، قال في "الفتح": وفي توجيهه عسر، قال العيني: لا عسر فيه، فقد وجهه الكرماني، فقال: لفظ ما ذكر بدل من ذلك، أو أن ما مصدرية، والكاف مقدر كما في قوله: زيد أسد، أي: ذكر السعي بعد ذكر الطواف كذكر الطواف واضحًا جليًا ومشروعًا مأمورًا به، قلت: هذا التوجيه الذي قال فيه: لا عسر فيه ما فوقه عسر، ولم يتبين به معنى اللفظ.