الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب صفة الصلاة
لما فرغ المؤلف رحمه الله تعالى من بيان أحكام الجماعة والأمامة وتسوية الصفوف، شرع في بيان صفة الصلاة وما يتعلق بذلك فقال:
"
باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة
"
قيل أطلق الإيجاب والمراد الوجوب، تجوزًا لأنّ الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب: ما يتعلق بالمكلف، وهو المراد هنا، والواو في قوله وافتتاح الصلاة قيل عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب، أو على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء، لكنه لا يجب، وقيل الواو بمعنى: مع، والمراد بالافتتاح: الشروع في الصلاة أي: مع الشروع في الصلاة، ومجيء الواو بمعنى مع شائع ذائع، وقيل بمعنى: باء الجر كما في قولهم أنت أعلم ومالك، أي: بمالك، أو بمعنى لام التعليل أي: ايجاب التكبير لأجل افتتاح الصلاة، وقد يجوز إتيانها بمعنى لام التعليل الخارزنجي ويتعيّن على القادر الله أكبر فلا يقوم مقامه تسبيح ولا تهليل، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، فلا يكفي الله الكبير، ولا الرحمن أكبر، لكن عند الشافعية لا تضر زيادة لا تمنع الاسم كالله الجليل أكبر على الأصح، ومن عجز عن التكبير ترجم عنه بأي لغة شاء، ولا يعدل عنه إلى غيره من الأذكار.
وقال الحنفية ينعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم. وقال أبو يوسف: إن كان المصلّي يحسن التكبير لم تجز إلَّا الله أكبر أو الله الأكبر أو الله الكبير، وإن لم يحسن جاز، وهل تكبيرة الأحرام ركن أو شرط؟ قال بالأول الشافعية والمالكية والحنابلة، وقال الحنفية بالثانية، وهو وجه عند الشافعية وقيل سنّة.
وقال ابن المنذر عن الزهري: تنعقد بالنية بلا تكبير.
قال ابن المنذر: لم يقل به أحد غير الزهري، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب، والأوزاعي، ومالك، ولم يثبت عن أحد منهم تصريحًا وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعًا تجزئه تكبيرة الركوع، نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ومخالفتهما للجمهور كثيرة،
ولم يختلف في ايجاب النية في الصلاة، وقد أشار المصنف إلى ذلك في أواخر كتاب الإيمان حيث قال:"باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية"، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه، قلت: تحرير مذهب مالك في تكبيرة الإحرام ان الإتيان بها واجب من قيام إلَاّ لمسبوق وجد إمامه راكعًا ففيه قولان.
إذا فعل بعض تكبيرة الإحرام في حال قيامه، أو أتمّه في حال انحطاطه، أو بعده من غير فصل بين أجزائه، فهل يعتد بتلك الركعة بناء على أن القيام لها واجب في حق غير المسبوق؟ أو لا يعتد بها بناء على أنه واجب لها مطلقًا وصلاته صحيحة على كل حال؟ والقولان جاريان فيمن نوى بتكبيرة العقد أي: الدخول في الصلاة، أو نواه والركوع، أو لم ينوهما أي: لأنه إذا لم ينوهما ينصرف للأصل وهو العقد، وإذا لم ينو ناسيًا بطلت، ولكنه يتمادى على صلاة باطلة، وإن لم يكبّر رأسًا استانف الصلاة، وإذا كبّر في حال الانحطاط وأتمه في حال الانحطاط أو بعده بلا فصل أو مع فصل أي: طويل فهي صحيحة في الأوليين باطلة في الثالثة.
واستدل الجمهور على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم بحديث عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير"، وبحديث ابن عمر الآتي بعد بابين:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة"، وبحديث رفاعة في قصة المسيء صلاته، أخرجه أبو داود وبلفظ:"لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبّر"، ورواه الطبراني بلفظ:"ثم يقول الله أكبر"، وبحديث أبي حميد:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه ثم قال: الله أكبر". أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر.
وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر.
ولأحمد والنسائي عن واسع بن حيّان، أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله أكبر كلما وضع ورفع. وبحديث البخاري المتقدم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وقال الحنفية مجيبين عن هذه الأحاديث: إن التكبير هو التعظيم من حيث اللغة، كما في قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: عظّمنه، وربّك فكبّر: أي فعظّم. فكل لفظ دلّ على التعظيم وجب أن يجوز
الشروع به.