الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والأربعون
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.
قوله: لما قدم المهاجرون الأولون، أي من مكة إلى المدينة، وبه صرّح في رواية الطبرانيّ. وقوله: العُصْبَةَ، بالنصب على الظرفية، لقوله "قدم" كذا في جميع الروايات، وفي رواية أبي داود "نزلوا العصبة" أي المكان المسمى بذلك، وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة، واختلف في أوله، فقيل بالفتح، وقيل بالضم، وفي النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين، وقيل المُعَصَّب بوزن محمد، وهو موضع بقُباء. وقوله: وكان يؤمهم سالم مولى أبي حُذَيْفَةَ، زاد في الأحكام عن نافع "وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سَلَمة بن عبد الأسَد وزيد بن حَارِثَة وعامر بن رَبيعة" واستشكل ذكر أبي بكر فيهم، إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر كان رفيقه، ووجهه البَيْهَقي، باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم، فيصح ذكر أبي بكر، ولا يخفى ما فيه.
ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القُرَشِيين على تقدم سالم عليهم، وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكانت إمامته بهم قبل أن يعتق، وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف: ولا يمنع العبد، وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَة بن رَبيعة بعد أن عتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه، ويأتي تعريفهما قريبًا. وقوله: وكان أكثرهم قرآنًا إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه، وفي رواية الطَّبَرانيّ "لأنه كان أكثرهم قرآناً".
رجاله خمسة:
وفيه ذكر سَالم وأبي حُذَيْفَة، وقد مرت رجاله الخمسة، مرَّ إبراهيم بن المنذر في الأول من العلم، ومرَّ أنَسَ بن عِيَاض وعُبيد الله في الرابع عشر من الوضوء، ومر نافع في الثالث والسبعين من العلم، ومرَّ عَبْد الله في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه.
وأما سالم، فهو سالم بن مَعْقِل على ما قال ابن أبي داود، مولى أبي حُذَيْفَةَ بن عُتْبَة بن ربيعة بن عَبْدِ شَمْس بن عبد مناف، يكنى أبا عبد الله، كان من أهل فارس من اصْطَخْر، وقيل من عَجَم الفُرسْ من كِرمان، كان من خيار الموالي، أحد السابقين الأولين، أعتقته امرأة من الأنصار زوجة أبي حُذَيفة، سائِبَة. فوالى أبا حُذَيفة، وتَبَنَّاه كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حَارِثة، فكان أبو حُذَيفة يظن أنه ابنه، فزوجه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة، فلما أنزل الله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، رد كل أحد تبنى ابنًا من أولئك إلى أبيه، ومن لم يعرف أبوه رد إلى مواليه، كما أخرجه مالك في الموطأ مع قصة إرضاعه الآتية.
واختلف في اسم الأنصارية التي عتقته، مع الاتفاق على أنها بنت يَعار، زوجة أبي حُذَيفة، كما قال ابن عبد البَرّ. فقيل: اسمها ثُبَيَّة بنت يَعار بن زَيْد بن عبيد بن زَيْد الأنصاريّ الأوْسيّ. وقيل: بَثْنَة، وقيل عَمْرَة، وقيل سَلمى، وقيل ليلى، وقيل فاطمة، فهو معدود من المهاجرين لما مرَّ من تبني أبي حُذَيفة له، ومعدود من الأنصار في بني عبيد، لعتق مولاته الأنصارية له، ومعدود في العجم لما مرَّ، وفي القراء لما في هذا الحديث "كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا" ولما رواه البُخَاريّ ومُسْلم والنَّسائيّ عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، رفعه "خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حُذَيفة، وأُبيّ بن كَعْب، ومُعاذ بن جَبَل" ومن طريق ابن المُبارك عن ابن سابِط "أن عائشة احتبست على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما حبسك؟ قالت: سمعت قارئًا يقرأ، فذكرت من حسن قراءته فأخذ رداءه وخرج، فإذا هو سالم مولى أبي حُذَيفة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك".
وأخرجه أحمدُ وابن ماجَه، والحاكم في المستدرك، من طريق الوَليد بن مُسْلم عن عائشة موصولًا، وابن المبارك أحفظ من الوليد، ولكنْ له شاهد أخرجه البَزَّار عن عائشة قالت:"سمع النبي-صلى الله عليه وسلم سالمًا مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله".
ورجاله ثقات، وقصته في الرضاع مشهورة، فعند مسلم عن عائشة "أن سالمًا كان مع أبي حُذَيفة، فأتت سَهْلَةُ بنت سُهَيل بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالمًا بلغ ما يبلغ الرجال، وإنه يدخل عليّ، وأظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال: أرضعيه تحرمي عليه" الحديث.
ومن طريق الزُّهريّ عن أم سَلَمة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة رخصها
رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم، وأخرج مالك في الموطأ عن عُروة بن الزُّبَير قال: جاءت سَهْلَة بنت سُهَيل وهي امرأة أبي حُذَيفة، فقالت:"يا رسول الله، إنا كنا نرى سالماً ولدًا، وكان يدخل عليّ وأنا فُضُل، فماذا ترى فيه؟ " فذكر الحديث، ووصله عبد الرزاق عن مالك، وكان عمر بن الخطّاب يُفْرط في الثناء عليه. وروي عنه أنه قال: لو كان سالم حيًا ما جعلتها شورى. قال ابن عبد البَرّ: وهذا عندي إن كان مما يصدر فيها عن رأيه. روى ابن المبارَك أن لواء المهاجرين كان مع سالم، فقيل له في ذلك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إن فررت، فقطعت يمينه، فأخذه بيساره، فقطعت فاعتنقه إلى أن صرع. فقال لأصحابه: ما فعل أبو حُذَيفة؟ يعني مولاه، قيل: قتل. قال أضْجعِوني بجنبه. فأرسل عمر ميراثه إلى معتقته ثُبَيّة، فقالت: إنما أعتقته سائبة، فجعله في بيت المال.
وذكر ابن سعد أن عمر أعطى ميراثه لأمه فقال كليه، هكذا قال في الإصابة، وقال ابن عبد البَرّ: قتل يوم اليمامة شهيدًا هو ومولاه أبو حُذَيْفَة، فوجد رأس أحدهما عند رجل الآخر، وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وكان من البدريين، له حديثان أحدهما عند البَغَوِيّ من طريق عبدة بن أبي لُبابَة قال:"بلغني عن سالم مولى أبي حُذيفة قال: كان لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فقعدت في المسجد أنتظر، فخرج، فقمت إليه، فوجدته قد ركع، فقعدت قريبًا منه، فقرأ البقرة ثم النساء والمائدة والأنعام، ثم ركع ثانيهما" عند سمويه وابن شاهِين من طريق عَمرو بن دِيْنار قَهْرَمان آل الزُّبير "حدثني شيخ من الأنصار عن سالم مولى أبي حُذَيْفَة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليجاء يوم القيامة بقوم لهم حسنات مثل جبال تِهَامة، فيجعل الله أعمالهم هباء، كانوا يصلون ويصومون، ولكن إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه. وفي السندين ضعف وانقطاع، فقول ابن أبي حاتم: أنه ما روي عنه شيء، يحمل على أنه لم يصح عنه شيء.
وأما أبو حُذَيْفَة، فهو أبو حُذَيْفَة بن عُتْبَة بن رَبيعَةَ بن عَبْدِ شمس بن عبد مناف، القُرَشي العَبْشَميّ، كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين، جمع الله له الشرف والفضل، صلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، كان إسلامه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم للدعاء فيها إلى الإِسلام، هاجر مع امرأته سَهْلة بنت سُهَيل بن عمرو إلى الحبشة، ولدت له فيها محمد بن أبي حُذَيْفَة، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وأحدًا والخَنْدَق والحُدَيْبيَة والمشاهد، وقتل يوم اليمامة شهيدًا، وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. يقال: اسمه مُهْشِم أو هُشَيم أو هشام، وكان رجلًا طُوالًا حسن الوجه أحول أشعل، والأشعل الذي