الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والثلاثون والمئة
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ.
مطابقته للترجمة من حيث تقييده بالليل وهو ظاهر قوله نساؤكم بالليل لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله: "بالليل" وفي رواية مسلم بهذا القيد. وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضًا فرواه المصنف بعد بابين عن معمر عن الزهري بغير تقييد. وأخرجه أيضًا في "النكاح" بغير قيد، وبيّن ابن خزيمة أن سفيان بن عُيينة هو القائل يعني، وله من وجه آخر عن ابن عُيينة قال: قال نافع: "بالليل" وكان اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت الفتنة منهن وعليهن. قال النووي: "استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالاذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال: إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر وإنما علّق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع، وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب؛ لأنه لو كان واجبًا لانتفى معنى الاستئذان؛ لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان مخيرًا في الإجابة والرد، ويأتي بقية البحث عند حديث عائشة.
رجاله أربعة:
قد مرّوا، مرّ عبيد الله بن موسى وحنظلة بن أبي. سفيان في الأول من الإيمان، ومرّ سالم في السابع عشر منه، ومرّ عبد الله في أوله قبل ذكر حديث منه.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والعنعنة، ورواته ما بين مدنيّ ومكيّ وكوفيّ. أخرجه مسلم في "الصلاة". ثم قال تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه المتابعة وصلها أحمد بزيادة تأتي قريبًا. وقد قال المزي في "الأطراف" تبعًا لخلف وأبي مسعود إن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر، وهذه الرواية أخرجها المصنف في "الجمعة" بلفظ:"ائذنوا للنساءِ بالليل إلى المساجدِ". ولم يذكر أحد من الرواة بعدها هذه المتابعة ولا غيرها. ووافقه مسلم على إخراجها من هذا الوجه، وزاد فيه فقال لهُ ابنٌ يُقالُ لهُ
(واقدٌ) إذا يتخذنه دغلًا، قال: فضرب في صدره وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا. وليس في شيء من طرق هذا الحديث التي أخرجها البخاري ذكر لهذه القصة وكأن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر.
فقد رواه مسلم من وجه آخر عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ: "لا تمنعوا النساءَ حظوظهنَّ من المساجدِ إذا استأذنّكُم". فقال بلال: "واللهِ لنمنعهنَّ" الحديث فسمى الابن هنا بلالًا من روايته. وللطبراني عن بلال نحوه وفيه فقلت: أما أنا فسأمنع أهلي، فمَنْ شاء فليسرّح أهله. وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن سالم في هذا الحديث قال: قال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. ومثله في رواية عقيل عند أحمد وعنده في رواية شعبة عن الأعمش فقال سالم أو بعض بنيه: "والله لا ندعهنَّ يتخذنَهُ دغلا" الحديث.
والراجح أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك. وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها ولم يقع في شيء من الروايات عن الأعمش ولا عن شيخه مسمى، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدًا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما في مجلس أو مجلسين. وأجاب ابن عمر كلًا منهما بجواب يليق به ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر، ففي رواية بلال عند مسلم فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبًّا سيئًا ما علمته سبّه مثله قط. وفسّر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السبّ المذكور باللعن ثلاث مرات. وفي رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال: أف لك وله عن ابن نمير عن الأعمش فعل الله بك وفعل. قلت: انظر هذا مع ما مرّ قريبًا عن صاحب "الفتح" من أن الأعمش لم ترو عنه التسمية لأحد، فإن قوله:"فانتهره"، وقوله:"فعل الله بك" لا يمكن إلا مع التسمية.
ولمسلم من رواية أبي معاوية "فزبره". ولأبي داود عن جرير فسبه وغضب. فيحتمل أن يكون بلال البادىء؛ فلذلك أجابه بالسبّ المفسر باللعن وإن يكون واقد بدأه؛ فلذلك أجابه بالسبّ المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره، وكان السر في ذلك أن بلالًا عارض الخبر برأيه، ولم يذكر علّة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله:"يتخذنه دَغَلًا" وهو بفتح المهملة والمعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرًا ويظهر غيره وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك المغيرة، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث وإلا فلو قال مثلًا: إن الزمان قد تغير، وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير. وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرًا إذا تكلّم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران. ففي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلّمه عبد الله حتى مات، وهذا إن كان محفوظًا