الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والستون
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ.
قولة: "طبقت" أي: الصقت بين باطنيْ كفي في حال الركوع. وقوله: "كنا نفعله فنهينا عنه وأُمرنا" استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة مختلف فيها والراجح أن حكمها الرفع وهو مقتضى تصرف البخاري وكذا مسلم، إذ أخرجه في صحيحه وفي رواية إسرائيل المذكورة عند الدارمي كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم فصليت إلى جنب أبي فضرب يدي الحديث، فأفادت هذه الزيادة مستند مصعب في فعل ذلك وأولاد ابن مسعود وأخذوه عن أبيهم.
قال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بينهم في ذلك إلا ما روى عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون وقد ورد ذلك عن ابن مسعود متصلًا في صحيح مسلم وغيره.
عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث قالا: فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه فجعلهما بين فخذيه فلما صلّى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في "الفتح" وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ. قلت: هذا بعيد جدا لأن ابن مسعود كان صاحب السواد والوساد والسواك والنعل فكيف يخفى عليه النسخ مع شدة ملازمته، وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال: إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة يعني التطبيق وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدًا فقال: أخي كنّا نفعل هذا ثم أُمرنا بهذا يعني الإمساك على الركب فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد.
وروى عبد الرزاق عن معمر ما يوافق قول سعد أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قالا: صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال: ذلك شيءٌ كنّا بفعله ثم ترك.
وفي الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر بن الخطاب: إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب. ورواه البيهقي بلفظ: كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمران: من السنة الأخذ بالركب وهذا أيضًا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولاسيما إذا قاله مثل عمر.
وقوله: "فنهينا عنه" استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز وفيه نظر لاحتمال حمل النهي على الكراهة فقد روى ابن أبي شيبة عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: إذا ركعت فإن شئت فعلت هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وإن شئت طبّقت. وإسناده حسن وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير فإما لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه.
قلت: كراهة التنزيه ليست من محال التخيير فالتخيير إنما يكون في الإباحة المستوية الطرفين فالأولى حمله على أنه لم يبلغه النهي وإنه رآه صلى الله عليه وسلم فعلهما من غير أن يسمع منه نهيًا، ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة وقد حكى ابن بطال عن الطحاوي وأقره أن طريق النظر يقتضي أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود وبالمزاوجة بين القدمين قال: فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه قال: فثبت انتفاء التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين قلت: مشهور مذهب مالك أن وضع على الركبتين مستحب لا واجب، والواجب قربهما من الركبتين وتعقب الزين بن المنير كلامه بأن الذي كره معارض بالمواضع التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حالة القيام قال: وإذا ثبت مشروعية الضم في بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور، نعم لو قال إن الذي ذكره يقتضي مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه.
وقد وردت الحكمة في إثبات التفريج على التطبيق عن عائشة رضي الله عنها أورده سيف في الفتوح عن مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله أن التطبيق من صنيع اليهود وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك وكان عليه الصلاة والسلام تعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم.
قلت: الضم في الصلاة من سنة النساء والتفريج من سنة الرجال عندنا معاشر المالكية والحكمة في ذلك هو أن شهوة الرجال في الانضمام وشهوة النساء في الانفراج فكان كل واحد منهما يسن له ما هو أبعد من ذلك.
وقوله: "أن نضع أيدينا على أكفنا" من إطلاق الكل وإرادة الجزء رواه مسلم عن أبي عوانة بلفظ وأمرنا أن نضرب بالأكف وهو مناسب للترجمة. والمراد بالوضع أن يفعل شبه القابض عليها مع تفريق أصابعهما للقبلة حالة الوضع.