الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. وقَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَاّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي.
قوله: كان الناس يؤمرون هذا حكمه الرفع على المشهور، لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله على ذراعه أبهم موضعه من الذراع. وفي حديث وائل عند أبي داود والنَّسائي ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرسغ من الساعد. وصحّحه ابن خزيمة وغيره، وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة. والرُّسْغ بضم الراء وسكون المهملة بعدها معجمة هو الفصل بين الساعد والكف. ولم يذكر أيضًا محلهما من الجسد.
وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وَضَعَهما على صدره، والبَزَّار عند صدره. وعند أحمد في حديث هِلْب الطائي نحوه وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت سرّته. واعترض الدالي في أطراف الموطأ هذا الحديث فقال: معلول لأنه ظنّ من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه الخ. لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر، وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع. ومثله قول عائشة: كنّا نؤمر بقضاء الصوم، فإنه محمولٌ على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وأطلق البيهقي أن لا خلاف في ذلك بين أهل العلم فإن قيل لو كان مرفوعًا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ، فالجواب أنه أراد الانتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال له حكم الرفع، قاله في الفتح، وفي كلّه بعض انتصار لمذهبه، فقول البيهقي إنه لا خلاف في ذلك هو كقول ابن عبد البر: إن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع اتفاقًا. وما قالاه مردود.
فقد روي عن الشافعي في أصل المسألة قولان. وذهب إلى أنه غير مرفوع أبو بكر الصيرفي من الشافعية، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وابن حزم من الظاهرية. وتمسكوا باحتمال أن يكون الأمر غيره عليه الصلاة والسلام كأمر القرآن أو الإِجماع أو بعض الخلفاء أو الولاة أو الاستنباط.
ولذا قال علي القاري الحنفي في شرح موطأ محمّد فقولُ سهلٍ كان الناس يؤمرون الخ، يعني يأمرهم الخلفاء الأربعة أو الأمراء أو النبي عليه الصلاة والسلام، يعني أنه محتمل لذلك.
وقد نصّ أبو عمر بن عبد البر في التقصي على أن هذا الأثر موقوف على سهل ليس إلا. ويدل لما قاله المخالفون ما أخرجه ابن أبي شيبة عن حنظلة السَّدوسي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان يؤمر بالسَّوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حَجَرين ثم يضرب به. فقلت: في زمن من كان هذا؟ قال: في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وقوله: إن أبا حازم أراد الانتقال إلى التصريح فيه أن ما قاله ليس فيه تصريح لأن أبا حازم لم يقطع بأن الصحابي نَمَى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنّما أتى بكلمة غير مفيدة للقطع وهي قوله لا أعلمه، ولو كان جازمًا قاصدًا لتصريح لقال بدل هذه العبارة نمي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وحذف قوله لا أعلمه. فبقي كلامه على ما قاله الدالي سابقًا من أنه ظنّ منه.
وحيث إن المسألة خلافية يمكن أنه اعتمد شطر الخلافِ فلا يرد عليه بشطر الخلاف الذي لم يعتمده. وحيث كانت المسألة خلافية وإن كان الصحيح فيها أنَّ له حكم الرفع، فالحديث المروي بذلك لم يُقْطع بنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، لوجود الخلاف، ولذلك لم يَقْطع التابعيُّ أبوحازم بنسبتِه له عليه الصلاة والسلام.
هذا القدر كافٍ في ثبوت إعلال هذا الحديث. وهو أحد الوجهين اللذين أُعلّ بهما، ويأتي الآخر قريبًا. ثم قال في الفتح: قد ورد في سُنن أبي داود وصحيح ابن السَّكَنِ شيءٌ يستأنسُ به على تعيين الآمر والمأمور، فروي عن ابن مسعود قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يديَ اليسرى على يديَ اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى. قال في الفتح: إسناده حسن. قلت: بل في إسناده ضعف لأن مداره على الحجاج بن أبي زينب، وقد ضعّفه أحمد وابن المديني والنَّسائي والدارقطني، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: هذا الحديث ضعيف.
وقوله قال أبو حازم يعني راوية بالسند المذكور إليه. وقوله لا أعلمه أي: سهل بن سعد. وقوله: إلَاّ يَنْمِي بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم من نَمَى الثلاثي، يقال: نَمَيْتُ الحديث إلى غيري رفعته وأسندته. وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف عند الإسماعيلي والدارقطني. وزاد ابن وهْب ثلاثتهم عن مالك بلفظ يرفع ذلك. ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولو لم يقيّده يعني إذا كان النامي لذلك الصحابي. وكذا إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه أو يَبْلُغ به أو يرويه أو رواية، كحديث البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشفاء في ثلاث: شَرْبة عسل وشرطة مِحجَمْ وكَيّة من نار، وأنهَى أمّتي عن الكيّ. رفع الحديث. وكحديث مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغُ به: الناس تَبَع لقريش. وفي الصحيحين بهذا السند عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوماً صغار الأعين.
وفيهما عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس. وكحديث الباب. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يَنْمِيْ ذلك. وقد جاء بعضُ ذلك بالتصريح. ففي رواية لحديث الصحيحين: الفطرةُ خمس يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية في حديث سهل يَنْمِي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. والحامل على العدول عن التصريح بالرفع إما الشك في الصيغة التي سمع بها أهي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو نبي الله أو نحو ذلك كسمعت أو حدثني. وهو ممن لا يرى الإبدال. وأما التخفيف والاختصار أو غير ذلك ولو وقع ذلك من صحابي بعد ذكره صحابيًا كان مرفوعًا أيضًا ولم أر له مثالًا.
وقد يقع ذلك من الصحابي بعد ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول عن النبي -صلي الله عليه وسلم- يرفعه، فهذا في حكم قوله عن الله تعالى. ومثالُه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله يرفعه: إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نَفْسه من بين جَنْبيه. حديث حسن رواه البزّار في مسنده، وهو من الأحاديث الإلهية. وإن كان القائل لأحد الألفاظ المتقدمة راويًا عن تابعي كان ذلك الحديث مرسلًا مرفوعًا بلا خلاف. وقد نظّم القرافي أصل المسألة فقال:
وقولهم يرفعه يبلغ بهْ
…
رواية يَنمِيه رفعٌ فانتبهْ
وإن يُقَلْ عن تابع فمرسل
وحكى في المطالع أن رواية القعنبي هذه بضم أوله من أنمى قال وهو غلط. وتُعقب بأن الزَّجّاج ذكر في كتاب فعلتُ وأفعلتُ نَمَيْت الحديث وأنْمَيته. وهذا حكاه ابنُ دُرَيد وغيره. لكن الذي في البخاري عن القعنبي المضبوط به أنه بفتح أوله من الثلاثي، فلعلّ الضمَّ روايةُ القعبني في الموطأ.
وقوله: وقال إسماعيل يُنمى ذلك، ولم يقل يَنْمِي. الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي بفتح أوله كرواية القعنبي الماضية، فعلى الأول الهاء في لا أعلمه ضمير الشأن، فيكون مرسلًا لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متّصل، وإسماعيل هذا هو ابن أبي أُويس شيخ البخاري كما جزم به الحْميدي في الجمع.
ووافق إسماعيل على هذه الرواية عن مالك سويد بن سعيد فيما أخرجه به الحُميدي في الغرائب. وفي خط مَغُلْطاي أن إسماعيل المذكور هنا هو إسماعيلُ بن إسحاق القاضي. وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي، فظن أنه المراد وليس كذلك، لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية البخاري.
ولم يذكر أحد أن البخاري روى عنه وهو أصغر سنًا منه وأحدث سماعًا. وقد شاركه في كثير من مشايخه البَصريين القدماء. وما صرح به ابن حجر فيما مرّ عنه من أن الحديث على رواية إسماعيل بن أبي أويس يكون مرسلًا هو الوجه الثاني من وجهي الإعلال. وإذا قيل إن رواية القعنبي
مقدمة على رواية إسماعيل لكونه أوثق منه، فالجواب أن رواية إسماعيل اعتضدت برواية سويد بن سعيد.
وعلى كل حال احتمال الإرسال لا يزيله تقديم رواية القعنبي على رواية إسماعيل والدليل إذا تطرَّقهُ الاحتمال سقط به الاستدلال. والقبض هو مذهب الجمهور، أخذ به الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري وغيرهم.
وقال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره. وقال القائلون به إن الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهي أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع. وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع.
ومن اللطائف قولُ بعضهم: القلب موضع النيّة، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
ومن القائلين بالإرسال كما حكاه ابن المنذر عبد الله بن الزبير والحسن البصري وابن سِيرين وابن المسيّب وسعيد بن جبير، وهو رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، وعليه أكثرُ أصحابه، وهو مشهور مذهبه. ورويت عنه التفرقة بين الفريضة والنافلة فكره القبض في الفرض وأجازه في النافلة.
فقد قال في المدونة وأنا أكرهه في الفرض. وهذه رواية ابن القاسم في المدونة عنه، وروايته في المدونة عنه مقدمة على جميع الروايات عند المالكية. قلت: لعل تفرقته بين الفرض والنفل حملا منه لما روي من القبض على النفل، ولما روي من تركه على الفرض. ولم يأت التصريح في أحاديث القبض بأنه في الفرض وإن كان هو المتبادر من الإطلاق.
وقال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى. وكلامه هذا صريح في أن القبض ليس من السنة، وإنما هو من باب الاستراحة. وهذا هو عين ما علّل به مالك كراهيته لما فيه من الاعتماد.
وقال الأوزاعي: غير بين الوضع والإرسال. وقد قال بعض علماء المالكية إن الإرسال أقرب إلى العبودية والذل من القبض، لأنه حالة الميت المكفن وحالة المصلوب.
ولا شيء أشد في الذل من هذين، فالأول فعل له ذلك لوضعه بين يدي ربّه مرجوًا منه أن يتجاوز عن ذنبه. والثاني فعل له ذلك اهانة وإذلالاً له وزجرًا لغيره. وإنما رجح مالك الإرسال مع كونه عمل أهل المدينة لموافقته للأصل، ولما فيه من تقليل الأعمال.
وقد استدل القائلون بالقبض بأحاديث كثيرة تتبعناها بالطعن وأبدينا أنها ليس فيها حديث