الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والعشرون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا. فَقَالَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي. فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا.
قال في الفتح: موضع الحاجة منه هنا قوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، وكأنه أشار بإيراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها، وأن من لم يحسنها يقرأ بما تيسر عليه. وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيدة بالفاتحة كما في حديث عبادة. قلت: كان الأولى له الاقتصار على أن مناسبة الحديث للترجمة في قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن فإن الترجمة إنما فيها وجوب القراءة للإمام والمأموم، وقد مرّ أن المنفرد حكمه حكم الإِمام والحديث دال على وجوب القراءة على المنفرد واعترضه العيني من وجه آخر وقال: إن مناسبته للترجمة بالاستيناس في قوله وما يخافت لأنه عليه الصلاة والسلام أمر الرجل المذكور في هذا الحديث بالقراءة في صلاته وكانت نهارية، وأصل صلاة النهار على الإسرار إلا ما خرج بدليل كالجمعة والعيدين. والأولى عندي في المناسبة الوجه الأول.
قوله: عن أبيه قال الدارقطني خالفه يحيى القطّان وأصحاب عبيد الله كلّهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ فيشبه أن يكون عبيد الله حدّث به على الوجهين.
وقال البزار: لم يتابع يحيى عليه ورجح الترمذي رواية يحيى ولكل من الروايتين وجه مرجح، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدًا لم يوصف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين. فأخرج البخاري طريق يحيى هنا، وفي باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة الآتي، وأخرج في الاستيذان طريق عبيد الله بن نمير، وفي الأيمان والنذور عن أبي أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه.
وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي عن إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلّهم عن عليّ بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمّه رفاعة بن رافع، فمنهم من لم يسمّ رفاعة وقال عن عم له بدري ومنهم من لم يقل عن أبيه.
ورواه الترمذي والنَّسائي عن يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جدّه عن رفاعة، لكن لم يقل الترمذي عن أبيه، وفيه اختلاف آخر سيذكر قريبًا.
وقوله: فدخل رجل في رواية ابن نمير ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله، وهذا الرجل هو خلاد بن رافع ويأتي في السند ذكر محل تعريفه، وجعل أبو موسى في الذيل عن ابن عيينة الحديث من رواية خلاد بن رافع والمحفوظ أنه من رواية رفاعة كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر، وأمّا ما وقع عند الترمذي إذ جاء رجل كالبدوي فصلّى فأخف صلاته فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك.
وقوله: فصلّى زاد النَّسائي من رواية داود بن قيس ركعتين، وفيه إشعار بأنه صلّى نفلًا، والأقرب أنها تحية المسجد، وفي الرواية المذكورة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة: ولا ندري ما يعيب منها، وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد يرمقه ونحن لا نشعر، وهذا محمول على حالهم في المرّة الأولى وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال: ولا يشعر بما يعيب منها.
وقوله: ثم جاء فسلّم في رواية أبي أسامة، فجاء وسلّم وهي أولى لأنه لم يكن بين صلانه ومجيئه تراخ قلت: هذا يحتاج إلى ما يدل عليه صريحًا حتى تكون هذه هي الأولى.
وقوله: فرد النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم ورواية ابن نمير في الاستيذان فقال: وعليك السلام، وفي تعقّب على ابن المنير حيث قال: إن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام، ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد عليه السلام تأديبًا له على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام، والذي في نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره إلا الذي في الأيمان والنذور، وقد ساق صاحب العمدة الحديث بلفظ الباب إلا أنه حذف منه الرد فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة.
وقوله: ارجع في رواية ابن عجلان أعد صلاتك.
وقوله: فإنك لم تصل قال عياض: فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزىء وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على اجزائها والإلزام تأخير البيان كذا قاله المهلب ومن تبعه من المالكية وفيه نظر لأنه عليه الصلاة والسلام قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم
فعلّمه، فكأنّه قال له: أعد صلاتك على هذه الكيفية.
قال ابن المنير: وقوله ثلاثًا في رواية ابن نمير، فقال في الثالثة أو في التي بعدها، وفي رواية أبي أسامة فقال في الثانية أو الثالثة وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها، ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبًا.
وقوله: فعلمني في رواية يحيى بن علي، فقال الرجل فأرني وعلّمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطىء. فقال أجل.
وقوله: إذا قمت إلى الصلاة فكبّر. في رواية ابن نمير إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر. وفي رواية يحيى بن علي فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد، وأقم، وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عند النسائي: إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبّر الله ويحمده ويمجده، وعند أبي داود ويثني عليه بدل ويمجده.
وقوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق المذكورة ويقرأ ما تيسر من القرآن ممّا علّمه الله. وفي رواية يحيى بن علي فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبّره وهلّله وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله. ولأحمد وابن حبّان من هذا الوجه ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت. ترجم له ابن حبَّان باب فرض المصلّي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة.
وقوله: حتى تطمئن راكعًا في رواية أحمد القريبة فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك. وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ثم يكبّر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي.
وقوله: حتى تعتدل قائمًا في رواية ابن نمير عند ابن ماجه حتى تطمئن قائمًا. وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكنه لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو نعيم في مستخرجه والسراج كلهم عن أبي أسامة. فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبّان. وفي لفظ أحمد: فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين: في القلب من إيجابها أي الطمأنينة في الرفع من الركوع شيء لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة.
وقوله: ثم اسجد في رواية إسحاق بن أبي طلحة ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي.
وقوله: ثم ارفع في رواية إسحاق المذكورة ثم يكبر فيرفع حتى يستوي قاعدًا على مقعدته ويقيم صلبه. وفي رواية محمد بن عمرو: فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى، وفي
رواية إسحاق فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسًا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد.
وقوله: ثم افعل ذلك في صلائك كلها في رواية محمد بن عمرو ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة، وفي رواية ابن نمير في الاستيذان بعد ذكر السجود الثاني، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا. وقد قال بعضهم: هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد. وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم فإنه عقبه بأن قال: قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائمًا، ويمكن أن يحمل إن كان محفوظًا على الجلوس للتشهد ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبًا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ: ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدًا ثم افعل ذلك في كل ركعة.
وأخرجه البيهقي من طريقه هكذا، والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد بن أبي قدامة ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة. وبه قال الجمهور، وقال أبو حنيفة ومحمد إن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض حتى قال في الخلاصة إنها سنة عندهما وقالا لأن الركوع هو الانحناء والسجود هو الانخفاض لغة، فتتعلق الركنية بالأدنى منهما، وقالا أيضًا قوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} أمر بالركوع والسجود وهما لفظان خاصان يراد بهما الانحناء والانخفاض فيتأدى ذلك بأدنى ما ينطلق عليه من ذلك وافتراض الطمأنينة فيهما بخبر الواحد زيادة على مطلق النص وهو نسخ، وذلك لا يجوز ويأتي الجواب عن هذا في آخر الكلام على الحديث، وأجابوا عن حديث الباب بأنه عليه الصلاة والسلام انما أمره بالإعادة على الكيفية الكاملة ولا يستلزم ذلك نفي ذات الصلاة، فالنفي راجع إلى الصفة لا إلى الذات والدليل عليه أن صلاته لو كانت فاسدة لكان الاشتغال بها عبثًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرر أحدًا على الاشتغال بالعبث، ويأتي في آخر الكلام على الحديث الجواب عن هذا، لكن الطحاوي جعل الخلاف في المقدار الذي يجزىء السجو والركوع بدونه، فإنه لما ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال أحدكم ني ركوعه سبحان ربي العظيم ثلالًا فقد تم ركوعه وذلك أدناه، وإذا قال في سجودة سبحان ري الأعلى ثلاثًا فقد تم سجوده وذلك أدناه، قال ذهب إلى هذا إسحاق وداود وأحمد في رواية مشهورة وخالفهم في ذلك الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي والثوري وأحمد في رواته، فإنهم قالوا مقدار الركوع الذي لا تتم الصلاة إلا به إن ركع حتى يستوي ومقدار السجود إن سجد حتى يطمئن ساجداً وقال ابن دقيق العيد تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر فيه أما الوجوب لتعلق الأمر به وأما عدمه فلكون الموضع موضع تعليم وييان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وعا لم يتعلق به فدل على أنه لم يقصر
المقصود على ما وقعت به الإساءة قال: فكل موضع اختلف العلماء في وجوبه وكان مذكورًا في هذا الحديث فلنا التمسك به في وجوبه وبالعكس.
قال في الفتح: لكن هذا يحتاج إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالترائد فالزائد ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت قال وقد جمعت طرقه القوية عن أبي هريرة ورفاعة، وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها قلت: قد اقتفيت أثره في ذلك فذكرت كل ما ذكره فمما لم يذكر فيه صريحًا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير، ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام في آخر الصلاة.
قال النووي: وهو محمول على أن ذلك كان معلومًا عند الرجل. قلت: هذا مخالف لما مرّ قريبًا من أنه عليه الصلاة والسلام علمه ما تعلقت به الإساءة وما لم تتعلق به، وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب وهو في معرض المنع لثبوت بعض ذكر في بعض الطرق كما مرّ بيانه فيحتاج من لم يقل بوجويه إلى دليل على عدم وجوبه كما مرّ تقريره واستدل به على تعين لفظ التكبير.
قال ابن دقيق العيد: ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى ونظيره الركوع، فإن المقصود به التعظيم بالخضوع فلو أبدل بالسجود لم يجزىء مع أنه في غاية الخضوع، وقد مرّت هذه المسألة في أول صفة الصلاة واستدل به الحنفية ومن وافقهم على أن قراءة الفاتحة لا تتعين في الصلاة، ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلاً فيخرج من العهدة، وأجاب الذين عينوها عن هذا الحديث بأجوبة منها: أن الدليل على تعينها تقييد المطلق في هذا الحديث وهو متعقب لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير، وإنما يكون مطلقًا لو قال اقرأ قرآناً ثم قال: اقرأ فاتحة الكتاب، وقال بعضهم: هو بيان للمجمل أي: حديث الفاتحة بيان لما أجمل في حديث اقرأ ما تيسر، وتعقب هذا بأن المجمل هو ما لم تتضح دلالته.
وقوله: ما تيسر متضح لأنه ظاهر في التخيير وإنما يقرب ذلك أن جعلت ما موصولة، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة وتعقب هذا بأن سورة الإخلاص ميسرة وهي أقصر من الفاتحة، فلم ينحصر التيسير في الفاتحة، وقيل محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة. ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر وقيل محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة ولا يخفى ضعفهما لكنه محتمل ومع الاحتمال لا يترك الصريح، وهو قوله: لا تجزىء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وقيل: إن قوله ما تيسر محمول
على ما زاد على الفاتحة جمعًا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبّان حيث قال فيها اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت وتعقب هذا بأنه ليس في ظاهر الحديث ما يدل على الفاتحة حتى يكون قوله ما تيسر وإلا على ما زاد على الفاتحة ومع هذا إِذا كان مأمورًا بما زاد على الفاتحة يجب أن تكون تلك الزيادة أيضًا فرضًا مثل الفاتحة ولم يقل بهذا من أوجب قراءة الفاتحة.
قال في الفتح: والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسيء صلاته تفسير ما تيسّر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود عن رفاعة بن رافع رفعه، وإذا قمت فتوجهت فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك .. الحديث. وفي بعض طرقه كما مرّ ثم اقرأ إن كان معك قرآن فإن لم يكن فاحمد الله وكبّر وهلّل فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن فإن عجز عن تعلّمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر وإلاّ انتقل للذكر ويحتمل في طريق الجمع أيضاً أن يقال المراد بقوله: فاقرأ ما تيسر معك من القرآن أي: بعد الفاتحة ويؤيده رواية أبي سعيد عند أبي داود وبسند قوي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر.
وقال الخطابي في قوله: وافعل ذلك في صلاتك كللها دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة، وقد مرَّ الكلام على هذا في حديث عبادة بن الصامت، واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان، واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر، وعورض بأنها ليست زيادة لكن لبيان المراد بالسجود وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبيّنت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدًا لوجوب السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه كانوا يصلّون قبل ذلك. ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يصلّي بغير طمأنينة، وفي الحديث أيضًا من الفوائد وجوب الإعادة على من أخلّ بشيء من واجبات الصلاة، وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن يحتمل أن تكون الصلاة فريضة فيقف الاستدلال، وقد مرّ أنها نافلة، ومرّ الكلام على هذه المسألة في كتاب الإيمان عند حديث الأعرابي السائل قال: لا إلا أن تطوع وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال، وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودًا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه، وفيه جلوس الإِمام في المسجد وجلوس أصحابه معه، وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ، وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة، وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته