الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والمئة
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.
قوله: "من عذاب القبر" فيه رد على مَنْ أنكره من المعتزلة وغيرهم وقد مرّ استيفاء الكلام عليه في باب الفتيا بإشارة اليد والرأس من كتاب العلم. وقوله: "من فتنة المسيح الدجال" قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار. قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما يكره، وتطلق على القتل والإِحراق والنميمة وغير ذلك. والمَسيح بفتح الميم وتخفيف المهملة المسكورة وآخره حاء مهملة يطلق على (الدَّجَّال) وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قُيّد به. وقال أبو داود في "السنن":"المسيح" مثقل الدجال ومخفف عيسى، والمشهور الأول وأما ما نقل الفربري في رواية المستملي وحده عنه عما خلف بن عامر الهمداني أحد الحفاظ أن "المسيح" بالتشديد والتخفيف واحد يقال لعيسى عليه السلام وللدّجال وأنه لا فرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين، فهو رأي ثالث. وقال الجوهري: مَنْ قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض، ومَنْ قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين، وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدّجال ونسب قائله إلى التصحيف في تلقيب الدّجال بذلك فقيل: لأنه ممسوح العين وقيل: لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحًا لا عين فيه ولا حاجب، وقيل: لأنه يمسح الأرض إذا خرج. وقيل: لأن الخير مُسح منه فهو مسيح الضلالة، وسمي الدّجال لأنه خدّاع ملبس من الدجل وهو الخلط، ويقال الطلي والتغطية ومنه البعير المدجل أي: المدهون بالقطران، ودجلة نهر ببغداد سميت بذلك؛ لأنها تغطي الأرض بمائها وهذا المعنى أيضًا في الدّجال؛ لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه أو يغطي الحق بباطله. وقيل: لأنه مطموس العين من قولهم دجل الأثر إذا عفا ودرس، وقيل من
دجل أي: كذب والدّجال الكذاب. وأما عيسى فقيل سمي المسيح لأنه خرج من بطن أُمه ممسوحًا بالدهن، وقيل لأن زكرياء مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل للبسه المسوح وهو بالعبرانية ما شيخا فعرب المسيح، وقيل المسيح الصديق. وذكر مجد الدين صاحب "القاموس" أنه جمع في سبب تسمية عيسى بذلك خمسين قولًا أوردها في "شرح المشارق".
وقول: "فتنة المحيا وفتنة الممات" قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإِنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت. وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح في حديث أسماء الماضي في كتاب العلم:"أنكم تفتنونَ في قبورِكم مثلَ أو قريبًا من فتنةِ الدَّجالِ". ولا يكون مع هذا متكررًا مع قوله عذاب القبر؛ لأن العذاب مرتب على الفتنة والسبب غير المسبب، وقيل أراد "بفتنة المحيا" الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، وهذا من العام بعد الخاص؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدَّجال داخلة تحت فتنة المحيا.
وأخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأُصول" عن سفيان الثوري: "أنَّ الميتَ إذا سُئِلَ مَنْ ربُّكَ تراءى له الشيطانُ فيشيرُ إلى نفسِهِ أنّي أنا ربُّك"؛ فلهذا ورد سؤال التثبيت حين يسأل. ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان.
وقوله: "والمغرم" أي: الدين يقال غرِم بكسر الراء أي: أدان. قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقال القرطبي: المغرم الغرم وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم، وإنما استعاذ منه لأنه يشين في الدنيا والآخرة. وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدينُ رايةُ اللهِ في الأرض، فإذا أرادَ اللهُ أنْ يذلَ عبدًا وضعَهُ في عُنقِهِ". رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. وما في الحديث من التعوذ من المغرم يعارضه ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر يرفعه أن الله تعالى مع المدين حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما يكرهه الله تعالى. وكان ابن جعفر يقول لخادمه: اذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيتَ الليلة إلا والله معي. قال الطبراني: وكلا الحديثين صحيح ويجمع بينهما بأن يكون الحديث فيمن استدان من غير حاجة طمعًا في مال أخيه ونحو ذلك. وحديث جعفر فيمن يستدين لاحتياجه احتياجًا شرعيًا ونيته القضاء، وإن لم يكن له سبيل إلى القضاء في ذلك الوقت؛ لأن الأعمال بالنيّات ونيّة المؤمن خيرٌ من عمله.