الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة، وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها، وقد قال ابن بزيزة: استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ، وهو مذهب ردىء مبنيّ على دعاوى بغير برهان، والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث. والقول بتناسخ الأرواح معدود من أنواع الردة أعاذنا الله تعالى من جميع أنواعها.
قلت: حقيقة تناسخ الأرواح عند القائلين به هو انتقالها في الآدميين أو غيرهم، وأن تعذيبها وتنعيمها بحسب زكاتها وخبثها، فإن كانت شريرة أخرجت من قالبها الذي هي فيه، وألبست قالبًا يناسب شرها من كلب أو خنزير أو نحو ذلك، فإن أخذت جزاء شرها بقيت في ذلك القالب تنتقل من فرد إلى فرد، وإن لم تأخذه انتقلت إلى قالب أشر منه، وهكذا حتى تستوفي جزاء الشر. وفي الخير تنتقل إلى أعلى، وهكذا، حتى تستوفي جزاء خيرها. والقائل بهذا مُنْكِر للجنة والنار والنشر والحشر والصراط والحساب، مكذب للقرآن والرسل والإجماع. واختار ابن مرزوق، قتله بلا استتابة.
رجاله أربعة:
مروا كلهم، ومرَّ حَجّاج بن مِنْهال في الثامن والأربعين من الإيمان، ومرَّ شُعْبَة في الثالث منه، وأبو هُرَيْرة في الثاني منه، ومحمد بن زياد الجمحيّ في الثلاثين من العلم.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة والسماع والقول، وهو من رباعيات البخاريّ. أخرجه الأئمة الستة. ثم قال المصنف:
باب إمامة العبد والمولى
أي العتيق. قال الزين بن المنير: لم يفصح بالجواز، لكن لوح به لإيراده أدلته.
ثم قال: وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ. وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلَامِ الَّذِى لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ". ولا يُمنعُ العبدُ منَ الجماعةِ بغيرِ علَّة.
وهذا التعليق وصله أبو داود في كتاب المصاحف عن أبي مَليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف، ووصله ابن أبي شَيْبَةَ عن ابن أبي مَليكة عن عائشة أنها أعتقت غلامًا لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف، ووصله الشافعي وعبد الرّزّاق عن ابن أبي مَليكة أيضًا أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعُبَيْد بن عُمَيْر والمسور بن مَخْرَمَةَ وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مَوْلى عائشة، وهو يومئذ غلام لم يعتق.
وأبو عَمْرو المذكور هو ذكوان، وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور، وقال مالك: لا تصح
إمامته في الجمعة، وتبطل صلاته وصلاة من صلى خلفه، لأنها لا تجب عليه، وخالف أشْهَب واحتج بانها تُجْزئه إذا حضرها، وتكره إمامته راتباً، وتجوز إذا كان غير راتب، وكذا تكره عند الحَنَفِية. وقيل: جَائزة، وغيره أحب. وقوله: في المصحف، استدل به على جواز قراءة المصلي في المصحف، ومنع منه آخرون لكونه عملًا كثيرًا في الصلاة، ومذهب مالك كراهة القراءة فيه في صلاة الفرض، ولو دخل على ذلك من أوله، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة في المصحف لا في الأثناء فيكره، وعند أبي حَنِيفَة القراءة فيه مُفْسدة للصلاة، وعند صاحبيه تجوزمع الكراهة، وعائشة مرت في الثاني من بدء الوحي.
وذكوان مولى عائشة أبو عمرو المَدَنيّ. قال أبو زُرْعَة: ثقة، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال البُخاريّ في تاريخه من طريق ابن أبي مليكة: إنه أحسن على ذَكوان الثناء، وقال العِجْليّ: مدنيّ تابعيّ ثقة. وقال ابن أبي مُلَيكة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يؤم عائشة، ففتاها ذَكوان إذا لم يوجد، وقال الواقِديّ: كانت عائشة دبرته، وله أحاديث قليلة، ومات ليالي الحرة. وقال الهَيثم بن عَدِيّ: أحسبه قتل بالحرة سنة ثلاث وستين. روى عن عائشة، وروى عنه عبد الرحمن بن الحارث، وهوأكبر منه، وابن أبي مُلَيكة وعليّ بن الحُسَين وغيرهم.
وقوله: وولد البغيّ، وهذا معطوف على قوله "والمولى" ولكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة، وغفل القُرْطبيّ في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور، والبغِي، بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد المثناة، أي الزانية. ونقل ابن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف، والأول أولى، وإلى صحة إمامة ولد الزنى ذهب الجمهور أيضًا، وكان مالك يكره أن يتخذ إمامًا راتبًا، وعلته عنده أنه يصير معرضًا لكلام الناس فيأثمون بسببه. وقيل: لأنه ليس له في الغالب من يفقهه، فيغلب عليه الجهل، وكذا تكره إمامته عند الحَنَفِية.
وقوله: والأعرابيّ، أي بفتح الهمزة، ساكن البادية. وإلى صحة إمامته ذهب لجمهور أيضًا وخالف مالك فقال بكراهة إمامته للحاضر ولو كان أقرأ منه. علته عنده غلبة الجهل على سكان البادية، وقيل: لأنهم يديمون نقص السنن ترك حضور الجماعة غالبًا، وكذا تكره عند الحَنَفِية أيضًا. وقوله: والغلام الذي لم يحتلم، ظاهر أنه أراد المراهق، وتحتمل الأعم، لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر، ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك، وهو فيما رواه عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا "لا يؤم الغلام حتى يحتلم" إسناده ضعيف، وأخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سَلِمَة بكسر اللام، أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين. وقيل: إنما لم يستدل به هنا، لأن أحمد بن حنبل توقف فيه، فقيل: لأنه ليس فيه اطلاع النبي -صلى الله عليه سلم- على ذلك وقيل: لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة، وأجيب عن الأول بأن زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العَزْل، بأنهم كانوا يَعْزِلون والقرآن ينزل، كما يأتي، وأيضًا فالوفد الذين
قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم، وعن الثاني بأن سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض، لقوله فيه "صلوا كذا، فإذا حضرت الصلاة" الحديث وفي رواية أبي داود قال عمرو" فما شهدت مشهدًا في حرم إلا كنت إمامهم" وهذا يعم الفرائض والنوافل.
واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم. قال: فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور، لأن القلم رفع عنه فلا يؤم، ولا يخفى فساد ما قال، لأنا نقول المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا، فبطل ما احتج به. ومذهب الشافعية جواز إمامة الصبي في الفرض، وعندهم قولان في الجمعة. وقال الحنفية: لا تصح إمامته للرجال في فرض ولا نفل، وتصح لمثله. وقال المالكية: لا تصح في فرض وبغيره تصح، وإن لم تجز. وقال المرداويّ من الحنابلة: وتصح إمامة صبي بالغ وغيره في نفل، وفي فرض بمثله فقط، ولا تصح خلفه صلاة فرض للبالغ.
وقوله: لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يَؤمُّهم أقْرَؤُهم لكتاب الله" أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرهما. وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في باب "إذا استووا في القراءة" وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ "يؤم أقرؤهم لكتاب الله" الحديث. وفي حديث عمرو بن سَلِمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وليؤمكم أكثركم قرآنًا" وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضًا "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم" واستدل بقوله "أقرؤهم" على أن إمامة الكافر لا تصح، لأنه لا قراءة له.
وقوله: ولا يمنع من الجماعة بغير علة، هذا من كلام المصنف، وليس من الحديث المعلق. وقوله: بغير علة، أي بغير ضرورة لسيده، فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك، وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثي الباب.