الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الستون
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لَمِنْ حَمِدَهُ. حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
كذا قال عقيل وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند مسلم وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما مرّ قبل بباب مختصرًا وكذا أخرجه مسلم والنَّسائيّ مطولًا من رواية يونس عن ابن شهاب وتابعه معمر عن ابن شهاب عند السراج وليس هذا الاختلاف قادحًا بل الحديث عند ابن شهاب عنهما معًا كما يأتي في باب: (يهوي بالتكبير) من رواية شعيب عنه عنهما جميعًا عن أبي هريرة.
وقوله: "يكبَّرُ حين يقوم" فيه التكبير قائمًا وهو بالاتفاق في حق القادر. وقوله: "ثم يكبِّرُ حين يركع" قال النووي: فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى حد الراكع وهذا هو مذهب المالكية والشافعية. وقالت الحنفية: إنه يكبِّر عند الخفض والرفع سواء لا يتقدمه ولا يتأخره متعلقين بقوله في الحديث السابق كلما رفع وكلما خفض لكن دلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكروه غير ظاهرة.
وقوله: "حين يرفع" فيه أن التسميع ذكر النهوض وأن التحميد ذكر الاعتدال وفيه دليل على أن الإِمام يجمع بينهما خلافًا لمالك؛ لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لأن ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله وقد استوفى الكلام على هذه المسألة عند حديث عائشة في ياب إنما جعل الإِمام ليؤتم به من أبواب الجماعة.
رجاله ستة:
مرّت الأربعة الأولى متتابعة بهذا النسق في الثالث من بدء الوحي، ومرّ بو هريرة في الثاني من الإيمان. وأتى لهذا الحديث بسند آخر فقال:"وقال عبد الله بن صالح عن الليث ولك الحمد ثم يكبِّر حين يهوي ثم يكبِّر حين يرفع رأسه ثم يكبِّر حين يسجد ثم يكبِّر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك وفي الصلاة لمحلها حتى يقضيها ويكبِّر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" يعني أن ابن صالح زاد في
روايته عن الليث الواو في قوله:"ولك الحمد" وأما باقي الحديث فاتفقا فيه وإنما لم يسقه عنهما معًا وهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول وابن صالح إنما يورد في المتابعات.
وقوله: "ثم يكبّر حين يهوى" يعني ساجدًا وكذا هو في رواية شعيب ويَهوي بفتح أوله أي: يسقط. وقوله: "ويكبِّر حين يقوم من الثنتين" أي: الركعتين الأوليين. وقوله: "بعد الجلوس" أي: في التشهد الأول وهذا مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها: كان يكبِّر في كل خفض ورفع وقد مرّ أن المالكية التكبير عندهم في حالة الرفع والخفض واختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة من التشهد الأول فروى في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم، وروى ابن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى وفي "المدونة" لا يكبِّر حتى يستوى قائمًا وهذا هو مشهور مذهبه ووجهه بعض أصحابه بأن تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث أن الصلاة فرضت أولًا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه. قال في "الفتح": وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة ولا قائل منهم به قلت: الأولى في المناسبة ما قالوه من عدم الرفع ليمتاز الأصل عن الفرع بزيادة الرفع في الأصل دون الفرع ويأتي مزيد الكلام على هذا المقام في باب: (يكبِّر وهو ينهض من السجدتين) وعبد الله بن صالح والليث قد مرّا، مرَّ عبد الله في متابعة بعد الرابع من الوحي فلم يبق من السند إلاّ أبو بكر وهو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي المخزومي المدني أحد فقهاء المدينة السبعة قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن والصحيح أن اسمه وكنتيه واحد قال الواقدي: اسمه كنيته وكان استصقر يوم الجمل فرد هو وعروة بن الزبير وكان ثقة فقيهًا عالماً شيخًا كثير الحديث، وكان يقال له: واهب قريش لكثرة صلاته، وكان مكفوفًا.
وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. وقال خراش: هو أحد أئمة المسلمين، وقال أيضًا أبو بكر وعكرمة وعبد الله وعمر بنو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كلهم أجلة ثقات يضرب بهم المثل. وقال أبو داود: كان أعمى وكان إذا سجد يضع يده في طست ماء من علة كانت به وذكره ابن حِبّان في "الثقات"، وقال الزبير بن بكار: كان قد كف بصره وكان يسمى الراهب وكان من سادات قريش. وقال أبو الزناد: أدركت من فقهاء المدينة وعلمائها مَنْ يرتضي وينتهي إلى قوله منهم ابن المسيب وعزوة بن قاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة من نظرائهم أهل فقه وفضل. وقال الشعبي عن عمر بن عبد الرحمن: أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر.
روى عن أبيه وأبي هريرة وعمّار بن ياسر وعائشة وأُم سلمة وغيرهم، وروى عنه أولاده عبد الملك وعمر وعبد الله ومولاه سمى والزهري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، ولد في خلافة عمر ومات سنة ثلاث وتسعين وقيل أربع وقيل خمس. قال الواقدي: كانت تسمى سنة الفقهاء أي: موتهم.