الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخمسون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: آمِينَ.
قوله: "عن ابن شهاب" في التِّرمِذِيّ عن مالك. أخبرنا ابن شهاب. وقوله: "أنهما أخبراه" ظاهره أن لفظهما واحد لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة يسيغ للفظ الزهري تأتي قريبًا في متابعة بعد باب وقوله: "إذا أمَّن الإِمام فأمنوا" ظاهر في أن الإمام يؤمن. وقيل معناه إذا دعا والمراد دعاء الفاتحة من قوله: "إهدنا الصراط" إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء. وقيل معناه: إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله: "ولا الضالين" ويرد هذا التصريح الآتي بالمراد في حديث الباب واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، وفيه نظر لكونها قضية شرطية. وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه وهي رواية ابن القاسم فقال: لا يؤمن الإِمام في الجهرية، وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقًا وحاصل مشهور مذهبه هو أن الفذَّ يؤمن مطلقًا في الجهرية والسرية، ويؤمن الإمام في السرية دون الجهرية، والمأموم في السرية وفي الجهرية أن سمع قراءة الإِمام لأنه مؤمن حينئذ على دعائه فإن لم يسمعه فلا على الأظهر عند ابن رشد لأنه ليس معه دعاء يؤمن عليه لا لنفسه لأنه لا يقرأ ولا لإمامه لعدم سماعه، والتأمين إجابة، وهي فرع السماع.
وقال ابن عبدوس: يتحرى وعلى قوله إذا تحرى ربما أوقعه في غير موضعه، وربما صادف آية عذاب، وكل مَن طلب منه التأمين إمامًا كان أو غيره يستحب له الإسرار به لأنه دعاء. والأصل فيه الإخفاء لقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وأجاب المالكية عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يروه في حديث غيره، وهي علة غير قادحة، فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد مع ما سيذكر أن ذلك جاء في حديث غيره، ورجح بعض المالكية كون الإِمام لا يؤمن من جهة المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم بالتأمين وهذا يجيىء على قولهم: إنه لا قراءة على المأموم وأما من أوجبها فله أن يقول كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين. ومنهم من أول قوله: إذا
أمَّن الإِمام فقال معناه: دعا. قال: وتسمية الداعي مؤمنًا سائغًا لأن المؤمن يسمى داعيًا جاء في قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وكان موسى داعيًا وهارون مؤمنًا كما رواه ابن مردويه عن أنس وتعقب بعدم الملازمة، فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيًا عكسه. قاله ابن عبد البر قلت: كيف يعقل هذا مع ما مرَّ عن عطاء من أن آمين دعاء وأجيب عن هذا بأن الحديث على تقدير صحته فإطلاق كون هارون داعيًا إنما هو للتغليب، وقال بعضهم: معنى قوله: إذا أمَّن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدًا وإن لم يدخلها.
قال ابن العربي هذا بعيد لغة وشرعًا قلت: لم أدر ما قال فإن كونه سائغ لغة هو قول العرب: أنجد وكونه سائغ شرعًا هو العمل على المجاز ليوافق الحديث الآتي قريبًا. وقد قال ابن دقيق العيد: هذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأصل عدمه، والدليل هو رواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ إذا قال الإِمام: ولا الضالين فقولوا: آمين، فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: إذا أمَّن على المجاز وأجاب الجمهور على تسليم المجاز المذكور بأن المراد بقوله: إذا أمَّن أي: أراد التأمين ليتوافق تأمين الإِمام والمأموم معًا. ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإِمام، وقد ورد التصريح بأن الإِمام يقولها في رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: إذا قال الإِمام: "ولا الضالين" فقولوا آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإِمام يقول: آمين. الحديث أخرجه أبو داود والنَّسائيّ، والسراج، وهو صريح في كون الإِمام يؤمن وهذا غير وارد علينا. معاشر المالكية لأنّا قائلون بأن الإِمام يؤمّن في السرية وليس في هذا تصريح بالجهرية، وقيل في الجمع بينهما أن المراد بقوله:"إذا قال: "ولا الضالين" فقولوا: آمين، أي: ولو لم يقل الإِمام آمين. وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإِمام، أو بعده. وقيل الأول لمن قرب من الإِمام، والثاني لمن تباعد عنه لأن جهر الإِمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه فمن سمع تامينه أمَّن معه وإلا يؤمن إذا سمعه يقول: "ولا الضالين" لأنه وقت تأمينه وهذه الوجوه كلها محتملة، وليست بدون الوجه الذي ذكرناه، وقد قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين كأنه استشعر التأويل المذكور، فبين أن المراد بقوله: إذا أمَّن حقيقة التأمين قال في "الفتح": وهو وإن كان مرسلًا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه كما يأتي بعد باب. قلت: ليس في الحديث المذكور دلالة على ما قال. قال: وإذا ترجح أن الإِمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المؤلف فيما يأتي عنه قريبًا، وهو قول الجمهور خلافًا للكوفيين أبي حنيفة وغيره، ورواية عن مالك، وهي المشهورة في أنه يسر به مطلقًا.
وذهب الشافعي في القديم إلى أن الجهر للمأموم، وعليه الفتوى، وقال الرافعي: قال الأكثر: في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر، ووجه الدلالة عند القائلين بالجهر من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه. وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به، وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن
مالك في هذا الحديث عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:"ولا الضالين" جهر بآمين.
أخرجه السراج ولابن حِبّان عن الزبيدي عن ابن شهاب في حديث الباب كان إذا فرغ من قراءة أُم القرآن رفع صوته وقال: آمين. وللحميدي عن أبي هريرة نحوه بلفظ إذا قال: "ولا الضالين" ولأبي داود عن أبي هريرة مثله، وزاد حتى يسمع من يليه من الصف الأول، ولأبي داود وصححه ابن حِبّان عن وائل بن حجر صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين، وفيه رد على مَنْ أومأ إلى النسخ فقال: إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإِسلام ليعلمهم، فإن وائل بن حُجْر إنما أسلم في أواخر الأمر واستدل القائلون بالإسرار بقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} مع ما مرّ عن عطاء وابن مردويه من أن التأمين دعاء فتتركب قضيته من الشكل الأول التأمين دعاء، والدعاء يسر به ينتج التأمين يسر به، دليل الصغرى ما روي عن عطاء وغيره، ودليل الكبرى الآية، والآية قطعية الدلالة فتقدم على غيرها.
واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى والطبراني والدارقطني في سننه، والحاكم في مستدركه عن وائل بن حجر مما يخالف ما مرّ عنه من رواية شعبة ففي هذه الرواية أنه صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ "ولا الضالين" قال: آمين وأخفى بها صوته. قال بعض العلماء: الصواب أن الخبرين بالجهر بها وبالمخافتة صحيحان، وعمل بكل منهما جماعة من العلماء، واحتجوا أيضًا بما رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخفيهن الإِمام التعوذ وبسم الله الرحمن الرحيم وسبحانك اللهم وآمين. ورواه عبد الرزاق في مصنفه إلا أنه قال: عوض قوله سبحانك اللهم. اللهم ربنا لك الحمد، وبما رواه الطبراني في تهذيب الآثار عن أبي وائل قال: لم يكن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ولا بآمين وقوله: "فأمنوا" استدل به بعض على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإِمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء لكن مرّ في الجمع بين الروايتين عند معارضة المالكية أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور. وقال أبو محمد الجويني: لا تستحب مقارنة الإِمام في شيء من الصلاة غيره قال إمام الحرمين: يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإِمام لا لتأمينه فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح. وظاهر قوله: إذا أمَّن الإِمام فأمنوا إن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإِمام لا إذا ترك. وبه قال بعض الشافعية، وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف، وادعى النووي الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في "الأم" على أن المأموم يؤمن ولو ترك الإِمام عمدًا أو سهوًا، والمستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة من غير زيادة عليه اتباعًا للحديث.
وأما ما رواه البيهقي عن وائل بن حجر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ولا الضالين" قال رب اغفر لي آمين فإن في إسناده أبا بكر النهشلي، وهو ضعيف، وقال الإِمام الشافعي في "الأم" فإن قال: آمين رب العالمين كان حسنًا ونقله النووي في "زوائد الروضة".
ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزه عن بعض أهل العلم: وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر قال: وأوجبه الظاهرية على كل فصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلًا بقراءة الفاتحة ويه قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟ على وجهين أصحهما لا تنقطع؛ لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس. وقوله: فإنه من وافق زاد مسلم عن ابن شهاب فإن الملائكة تؤمن قبل قوله، فمن وافق، وكذا لابن عُيينة عن ابن شهاب كما يأتي في الدعوات وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان خلافًا لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حِبّان، فإنه لما ذكر الحديث قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال: نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.
وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظًا، ثم إن ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم. واختاره ابن بزيزة، وقيل الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا: إنهم غير الحفظة. والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض، أو في السماء وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب: وقالت الملائكة في السماء: آمين، وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضًا فوافق ذلك قول أهل السماء، ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد. ومثله لا يقال من جهة الرأي فالأولى المصير إليه وقوله: غفر له ما تقدم من ذنبه وقع في أمالي الجرجاني عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث، وما تأخر وهي زيادة شاذة لرواية مسلم وابن الجارود للحديث عن ابن وهب بدونها، وفي بعض النسخ عن ابن ماجه عن ابن عُيينة إثباتها ولا يصح؛ لأن حفاظ أصحاب ابن عُيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما قد رووه عنه بدونها، وظاهر قوله: غفر له غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد مرّت مباحثه مستوفاة، ومباحث تلك الزيادة في باب قيام ليلة القدر من كتاب الإيمان، وفي باب الوضوء ثلاثًا عند حديث عثمان رضي الله تعالى عنه.
وقوله: "قال ابن شهاب" هو متصل إليه برواية مالك عنه وأخطأ مَنْ زعم أنه معلق ثم هو من مراسيل ابن شهاب وأخرجه الدارقطني في "الغرائب" موصولًا، وفي الحديث الرد على الإمامية في قولهم: إن التأمين يبطل الصلاة؛ لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معى آمين أي: قاصدين إليك وبه تمسك من قال: إنه بالمد والتشديد، وقد مرّ هذا، وصرّح المتولي من الشافعية بأن مَنْ قاله هكذا بطلت صلاته، وقد مرّ ما قيل في ذلك في أول الباب. وفيه فضيلة الإِمام لأن تامين الإِمام يوافق تامين الملائكة ولهذا شرعت للمأموم موافقته