المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس والسبعون - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٩

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إمامة العبد والمولى

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إمامة المفتون والمبتدع

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه لم تفسد صلاتهما

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تخفيف الإِمام في القيام وإتمام الركوع والسجود

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا صلي لنفسه فليطول ما شاء

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من شكا إمامه إذا طول

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا صلى ثم أمّ قومًا

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب من أسمع الناس تكبير الإمام

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الرجل يأتم بالِإمام ويأتم الناس بالمأموم

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا بكى الإمام في الصلاة

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجالة خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصف الأول

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إقامة الصف من تمام الصلاة

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إثم من لم يتم الصفوف

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المرأة وحدها تكون صفا

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ميمنة المسجد والإمام

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صلاة الليل

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌خاتمة

- ‌أبواب صفة الصلاة

- ‌ باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌ورجاله خمسة:

- ‌باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إلى أين يرفع يديه

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب الخشوع في الصلاة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما يقول بعد التكبير

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف الإسناد:

- ‌باب رفع البصر إلى الإِمام في الصلاة

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الالتفات في الصلاة

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئاً أو بصاقًا في القبلة

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يُجهر فيها وما يُخافَت

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب القراءة في الظهر

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب القراءة في العصر

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب القراءة في المغرب

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجهر في المغرب

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجهر في العشاء

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب القراءة في العشاء بالسجدة

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب القراءة في العشاء

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب يطول في الأوليين ويحذف في الأخريين

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب القراءة في الفجر

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجهر بقراءة صلاة الصبح

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجمع بين السورتين في ركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وبأول سورة

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله ثلاثة:

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب مَنْ خافت القراءة في الظهر والعصر

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا سمع الإِمام الآية

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب يطول في الركعة الأولى

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب جهر الإِمام بالتأمين

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل التأمين

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب جهر المأموم بالتأمين

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله ثلاثة:

- ‌باب إذا ركع دون الصف

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إتمام التكبير في الركوع

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إتمام التكبير في السجود

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التكبير إذا قام من السجود

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب وضع الأكف على الركب في الركوع

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا لم يتم الركوع

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب استواء الظهر في الركوع

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الدعاء في الركوع

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقول الإِمام ومَنْ خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب فضل اللهم ربنا لك الحمد

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌ باب

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب يهوى بالتكبير حين يسجد

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل السجود

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يُبْدي ضَبْعيه ويجافي في السجود

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه قاله أبو حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب إذا لم يتم سجوده

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السجود على سبعة أعظم

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السجود على الأنف

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السجود على الأنف في الطين

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب عقد الثياب وشدها ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب لا يكف شعرًا

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يكف ثوبه في الصلاة

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب التسبيح والدعاء في السجود

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب المكث بين السجدتين

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب لا يفترش ذراعيه في السجود

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب مَنْ استوى قاعدًا في وتر من صلاته ثم نهض

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب يُكَبِّر وهو ينهض من السجدتين

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب سنة الجلوس في التشهد

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مَنْ لم يرَ التشهد الأول واجبًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الركعتين ولم يرجع

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التشهد في الأولى

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب التشهد في الآخرة

- ‌الحديث المئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الدعاء قبل السلام

- ‌الحديث الحادي والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب

- ‌الحديث الثالث والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب مَنْ لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب التسليم

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يُسلِّم حين يُسلِّم الإِمام

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مَنْ لم يرد السلام على الإِمام واكتفى بتسليم الصلاة

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الذكر بعد الصلاة

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث العاشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب يستقبل الإِمام الناس إذا سلَّم

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب مكث الإِمام في مصلاه بعد السلام

- ‌الحديث الخامس عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب مَنْ صلَّي بالناس فذكر حاجة فتخطاهم

- ‌الحديث السابع عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

- ‌الحديث الثامن عشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في الثوم النِّيء والبصل والكُرَّاث

- ‌الحديث التاسع عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث العشرون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والعشرون والمئة

- ‌ورجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور، وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم

- ‌الحديث الرابع والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثامن والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع والعشرون بعد المئة

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحديث الثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس

- ‌الحديث الحادي والثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجال المتابعة أربعة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صلاة النساء خلف الرجال

- ‌الحديث السابع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب سرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مقامهن في المسجد

- ‌الحديث التاسع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد

- ‌الحديث الأربعون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌الحديث السادس والسبعون

‌الحديث السادس والسبعون

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟. قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟. قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْه. فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَاّ الرُّسُلُ، وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِى جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَاّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَاّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَقُولُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِى اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ

ص: 311

قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِى كُنْتَ سَأَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَقُولُ فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِى أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عز وجل تَمَنَّ كَذَا وَكَذَا. أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.

قوله: "هل تمارون في القمر" بضم التاء والراء من المماراة من باب المفاعلة وهي المجادلة على وجه الشك والريبة وفي رواية الأصيلي بفتح التاء والراء وأصله تتمارون من التماري من باب التفاعل فحذفت إحدى التاءين كما في تلظى أصله تتظلى ومعنى التماري الشك من المُرية بكسر الميم وضمها وبها قرىء قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} وفي الرواية الاتية في كتاب الرقاق في باب الصراط جسر جهنم هل تضارون في القمر ليلة البدر وهو بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضُر، وقدْ مرّ هذا الطرف من الحديث في باب فضل صلاة العصر ومرّ الكلام عليه هناك.

وقوله: "يحشر الله الناس يوم القيامة" وفي رواية الرقاق يجمع الله الناس والحشر والجمع بمعنى وزاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر قال النووي: الصعيد الأرض الواسعة المستوية وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم قال أبو عبيدة معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم وقال غيره المراد بصر الناظرين وهو أولى وقال القرطبي معناه أنهم يجمعون في مكان واحد جتى لا يخفى منهم أحد لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم إلى العرض والحساب لقوله يوم يدع الداعي وزاد العلاء بن عبد الرحمن في روايته فيطلع عليهم رب العالمين قال ابن العربي لم يزل الله مطلعًا على خلقه وإنما المراد علامة باطلاعه عليهم

ص: 312

حينئذ وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي وأصله عند النسائي إذا حشر الناس قاموا أربعين عامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم والشمس على رؤوسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر وفي حديث أبي سعيد عند أحمد أنه يخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة وسنده حسن ولأبي يعلى عن أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب وللطبراني عن عبد الله بن عمر ويكون ذلك اليوم أقصر على المؤمن من ساعة من نهار.

وقوله: "مَنْ كان يعبد شيئًا فليتبع" أي: بحذف هاء الضمير وفي بعض النسخ إثباته. وقوله: "فمنهم مَنْ يتبع الشمس ومنهم يتبع القمر ومنهم يتبع الطواغيت" ورواية الرقاق فيتبع مَنْ كان يعبد الشمس ويتبع مَنْ كان يعبد القمر ويتبع مَنْ كان يعبد الطواغيت أي: بحذف المفعول في الثلاثة أي: يتبع الشمس مَنْ كان يعبد الشمس إلخ. قال ابن أبي جمرة في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما وفي حديث ابن مسعود ثم ينادي مناد من السماء أيها الناس أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان تولى قال: فيقولون: بلى ثم يقول لتنطلق كل أُمة إلى مَنْ كانت تعبد وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد وفي رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة في مسند أحمد وصحيح ابن خزيمة وأصله في مسلم بعد قوله: إلا كما تضارون في رؤيتهما فيلقي العبد فيقول ألم أكرمك وأزوجك وأُسخر لك؟ فيقول: بلى، أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني الحديث. وفيه ويلقي الثالث فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت فيقول: ألا نبعث عليك شاهدًا فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق ثم ينادي مناد ألا ليتبع كل أُمة ما كانت تعبد.

وقوله: "ومَنْ كان يعبد الطواغيت" جمع طاغوت يكون جمعًا ومفردًا ومذكرًا ومؤنثًا وفيه خلاف قيل هو الشيطان والصنم وقال الطبري الصواب عندي أن كل طاغ طغى على الله تعالى يعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبد وإما بطاعة ممن عبد إنسانًا كان أو شيطانًا أو حيوانًا أو جمادًا قال: فاتباعهم لهم حينئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم ويحتمل أن يتبعوهم بأن يساقوا إلى النار قهرًا وفي حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم وفيه إشارة إلى أن كل مَنْ كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان داخلون في ذلك وأما مَنْ كان يعبد مَنْ لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا يكن في حديث ابن مسعود فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون، وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره فأفادت هذه الزيادة تعميم مَنْ كان يعبد غير الله إلا مَنْ سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص من عموم ذلك بدليله الآتي ذكره وأما التعبير بالتمثيل فقال ابن العربي: يحتمل

ص: 313

أن يكون التمثيل تلبيسًا عليهم ويستحق أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب وأما مَنْ سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} ، وقال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إِليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان وفي هلال واحد وقال عمر: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال مجاهد: الطاغوت الشيطان في صورة إِنسان يتحاكمون إِليه، وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن وروى العوفي عن ابن عباس قال: الجبت الأصنام والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب قال وزعم رجال أن الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف وعن ابن عباس أيضًا قال: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف وفي الصحاح هو كل رأس في الضلال وقال الزجاج: الطاغوت مردة أهل الكتاب ووزنه فعلوت وأصله طغيوت قدمت الياء قبل الغين وقبلها فتحة فقُلبت ألفًا وقيل هو فاعول من طغوت وأصله طاغوه فحذفوا وجعلوا التاء كأنها عوض عن المحذوف فقالوا: طاغوت وإنما جاز فيه التذكير والتأنيث؛ لأن العرب تسمى الكاهن والكاهنة طاغوتًا قال تعالى في التذكير: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} . وقال تعالى في التأنيث: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} .

وقوله: "وتبقى هذه الأُمة" قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بالأُمة أُمة محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يحمل على أعم من ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن ويدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى مَنْ كان يعبد الله من بر أو فاجر ويؤخذ أيضًا من قوله في بقية هذا الحديث فأكون أوّل مَنْ يجيز فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أُممهم.

وقوله: "فيها منافقوها" كذا للأكثر وفي رواية إبراهيم بن سعد فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم والأول المعتمد وزاد في حديث أبي سعيد في التوحيد حتى يبقى مَنْ كان يعبد الله من بر أو فاجر وغُبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة وفي رواية مسلم وغبر وكلاهما جمع غابر أو الغبرات جمع غبر وغبر جمع غابر ويجمع أيضًا على أغبار وغبر الشيء بقيته وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا مَنْ كان يوحد الله منهم وصحفه بعضهم في مسلم بلَفظ غير التي للاستثناء وجزم عياض وغيره بأنه وهم قال ابن أبي جمرة لم يذكر في الخبر مآل المذكورين لكن لما كان من المعلوم أن استقرار الطواغيت في النار علم بذلك أنهم معهم في النار كما قال تعالى: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} .

وفي رواية سهيل المشار إليها قريبًا عند فيتبع مَنْ كان يعبد الشمس فتتبع الشياطين والصليب أولياءهم إلى جهنم وفي حديث أبي سعيد من الزيادة ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب بمهملة ثم بموحدة فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون الحديث، وفيه ذكر النصارى فيتساقطون في جهنم حتى يبقى مَنْ كان يعبد الله مَنْ بر أو فاجر وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن أسلم

ص: 314

عند ابن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم فلا يبقى أحد كان يعبد صنمًا ولا وثنًا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطرح منهم فيها فوج ويقال: هل امتلأت فتقول: هل من مزيد الحديث، وكان اليهود والنصارى ممن كان لا يعبد الصلبان لما كانوا يدعون أنهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين فلما حققوا على عبادة مَنْ ذكر من الأنبياء ألحقوا بأصحاب الأوثان ويؤيده قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} الآية، فأما مَنْ كان متمسكًا بدينه الأصلي فخرج بقوله الذين كفروا وعلى ما ذكر أيضًا من حديث أبي سعيد يبقى أيضًا مَنْ كان يظهر الإيمان من مخلص ومنافق قال ابن بطال في هذا الحديث: إن المنافقين يتأخرون مع المؤمنين رجاء أن ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا فظنوا أن ذلك يستمر لهم فميز الله المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة ولا تحجيل للمنافق فقد ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأُمة المحمدية فهم يتميزون بعدم السجود وبإطفاء نورهم بعد أن حصل لهم ويحتمل أن يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند إطفاء النور وقال القرطبي ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة كما كان نفعهم في الدنيا جهلًا منهم فتستروا بهم حتى ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ويحتمل أنهم لما سمعوا التتبع كل أُمة مَنْ كانت تعبد والمنافق لم يكن يعبد شيئًا بقي حائرًا حتى ميز وهذا ضعيف لأنه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئًا وأكثر المنافقين كانوا يعبدون غير الله تعالى من وثن وغيره.

وفي رواية أبي سعيد الآتية بعد قوله: كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون قالوا: نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد قدم اليهود بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى.

وقوله: "فيقال لهم" قال في "الفتح": لم أقف على تسمية قائل ذلك لهم والظاهر أنه الملك الموكل بذلك.

وقوله: "كنا نعبد عزير ابن الله" فيه إشكال؛ لأن المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك ويمكن أن يجاب بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفًا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم بذكر مَنْ كفروا به كما وقع في النصارى فإن منهم مَنْ أجاب بالمسيح ابن الله مع أن فيهم مَنْ كان بزعمه يعبد الله وحده وهم الاتحادية الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وفي الحديث المذكور ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد ويقال فيه ما قيل في الذي قبله.

وقوله: "في الموضعين كذبتم" قال فيه الكرماني التصديق والتكذيب لا يرجعان إلى الحكم الذي أشار إليه فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن كذبه أنكر مجيئه بذلك الشيء

ص: 315

لا أنه ابن عمرو وهنا لم ينكر عليهم أنهم عبدوا وإنما أنكر عليهم أن عزيرًا أو المسيح ابن الله قال: والجواب عن هذا أن فيه نفي اللازم وهي كونه ابن الله ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله قال: ويجوز أن يكون الأول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام تقتضي الرجوع إليهما جميعًا أو إلى المشار إليه فقط.

قلت: مراد الكرماني أن مورد الصدق والكذب في الخبر النسبة الإِسنادية كقام زيد وعبدت الله لا التقييدية كغلام عمرو وهنا وقع رجوع الكذب للنسبة التقييدية وهذا خلاف المعروف وأجاب هو عنه بما أجاب به وأسهل مما أجاب به أن كون مورد الكذب والصدق الإسنادية هو المشهور عند أهل البلاغة وقيل إنهما يردان في التقييدية أيضًا واستدل القائل بذلك بهذا الحديث الذي فيه ورود الكذب على النسبة التقييدية دون الإِسنادية التي هي ثبوت عبادتهم لعيسى عليه السلام بدليل آخر الحديث لم يكن لله صاحبة ولا ولد.

وقوله: "فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا فإذا جاء ربنا عرفناه" وفي رواية الرقاق فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه وفي حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة ويأتي في حديث أبي سعيد من الزيادة ما يجلسكم من الجلوس أي يقعدكم عن الذهاب أو ما يحبسكم من الحبس أي يمنعكم وقد ذهب الناس فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وأنا سمعنا مناديًا ينادي ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون وأننا ننتظر ربنا وفي رواية مسلم هنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ورجح عياض رواية البخاري وقال غيره: الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا أي إنا محتاجون إليه وقال عياض: بل أحوج على بابها لأنهم كانوا محتاجين إليه في الدنيا فهم في الآخرة أحوج إليه وقال النووي: إنكاره لرواية مسلم معترض بل معناه التضرع إلى الله تعالى في كشف الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عنها من أقاربهم مع حاجتهم إليهم في معاشهم ومصالح دنياهم كما جرى لمؤمني الصحابة حين قطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه وأما نسبة الاتيان إليه تعالى فالمراد بالإتيان في حقه كشف الحجب التي بين أبصارنا وبين رؤيته تعالى لأن الحركة والانتقال لا تجوز على الله تعالى لأنها صفات الأجسام والله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك فلم يكن معنى الإتيان إلا ظهوره عز وجل لأَبصار لم تكن تراه ولا تدركه والعادة أن مَنْ غاب عن غيره لا تمكنه رؤيته إلا بالإِتيان فعبّر به عن الرؤية مجازًا لأن الإتيان مستلزم للظهور على المأتي عليه وقال القرطبي: التسليم الذي كان عليه السلف أسلم وقال عياض: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات

ص: 316

الحدوث وقيل فيه حذف تقديره فيأتيهم بعض ملائكة الله ورجحه عياض قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك؛ لأنه مخلوق ويحتمل وجهًا رابعًا وهو أن المعني يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصورة المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا ربكم ورأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك.

وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطلع عليهم رب العالمين وهو يقوي الاحتمال الأول وقال الخطابي الرؤية التي هي ثواب الأولياء وكرامات لهم في الجنة غير هذه الرؤية وإنما تعريضهم هذه الرؤية امتحان من الله تعالى ليقع التمييز بين مَنْ عبد الله ومَنْ عبد الشمس ونحوها فيتبع كل من الفريقين معبوده وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك قائمًا وحكمه علي الخلق جارياً حتى يفرغ من الحساب ويقع الجزاء بالثواب والعقاب ثم ينقطع إذا حققت الحقائق واستقرت أمور المعاد وأما ذكر الصورة فإنها تقتضي الكيفية والله منزه عن ذلك بما مرّ من كون المراد بها صورة ملك أو صورة من الصور المخلوقة يظهرها الله تعالى للامتحان.

وقوله: "نعوذ بالله منك" قال الخطابي: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال عياض: وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به قال النووي: ما قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه ورجحه القرطبي في التذكرة وقال: إنه من الامتحان الثاني بتحقق ذلك فقد جاء في حديث أبي سعيد حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب وقال ابن العربي: إنما استعاذوا منه أولًا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج لأن الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي: جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال ابن الجوزي: معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيام ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه أي: إذا أتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي عبّر عنها بقوله: يكشف عن ساق أي: عن شدة وقال القرطبي: هو مقام هائل يمتحن الله عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك أنه لما بقى المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة فلهذا قالوا: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين قال: وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة.

وقوله: "هذا مكاننا" جملة من المبتدأ والخبر وإنما قالوا هذا مكاننا لأن معهم المنافقين

ص: 317

الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون فلما تميزوا عنهم ارتفع الحجب فقالوا عندما رأوه: أنت ربنا.

وقوله: فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها المراد بالصورة الصفة والمعنى فيتجلى لهم الله بالصفة التي يعلمونه بها وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته لأنهم يرون حينئذ شيئًا لا يشبه المخلوقين وقد علموا أنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وعبّر عن الصورة بالصفة لمجانسته الكلام لتقدم ذكر الصورة.

وفي رواية العلاء فيعرفهم نفسه أي يلقي في قلوبهم علمًا قطعيًا يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى. وقال الكلاباذي: عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه ويحتمل أن يكون أشار بقوله الصورة التي يعرفونها إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم في الآخرة ونقل ابن التين أن معنى الصورة الاعتقاد واستدل ابن قتيبة بذكر الصورة على أن لله صورة لا كالصور كما ثبت أنه شيء لا كالأشياء وتعقبوه وقال ابن بطال: تمسك به المجسمة فأثبتوا لله صورة ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعني العلامة وضعها الله لهم دليلًا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة.

وقوله: "فإذا رأينا ربنا عرفناه" قال المهلب: إن الله يبعث لهم ملكًا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء فإذا قال لهم أنا ربكم ردوا عليه لما رأوا عليه من صفات المخلوق فقوله: فإذا جاء ربنا عرفناه إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه شيئًا من مخلوقاته فحينئذ يقولون أنت ربنا قال الطيبي: لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحدة منهما ما يخص بالأخرى فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر والموقف هي آثار ذلك وفي حديث أبي سعيد زيادة هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى مَنْ كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا أي: يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى مَنْ كان يسجد من تلقاء نفسه إلا أذن له في السجود أي سهل له وهوّن عليه ولا يبقى مَنْ كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقًا واحدًا كلما أراد أن يسجد خرَّ لقفاه.

وفي حديث ابن مسعود ومثله لكن قال: فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه قال: فيكشف عن ساق فيقعون سجودًا وتبقى أصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر وفي رواية الزعراء عنه عند الحاكم وتبقى ظهور المنافقين طبقًا واحدًا كأنما فيها السفافيد بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يجعل في الشاة إذا أريد أن تشوى.

ص: 318

وقوله: "فيعود ظهره طبقًا واحدًا" قال ابن بطال: تمسك به مَنْ أجاز تكليف ما لا يطاق من الأشاعرة واحتجوا أيضًا بقصة أبي لهب وأن الله كلفه الإِيمان به مع إعلامه بأنه يموت كافرًا ويصلى نارًا ذات لهب قال ومنع الفقهاء من ذلك وتمسكوا بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وأجابوا عن السجود بأنهم يدعون إليه تبكيتاً إذا دخلوا أنفسهم في المؤمنين الساجدين في الدنيا فدعوا مع المؤمنين إلى السجود فتعذر عليهم فأظهر الله بذلك نفاقهم وأخزاهم. قال: ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا وليس في هذا تكليف ما لا يطاق بل إظهار خزيهم ومثله كلف أن يعقد شعيرة فإنها للزيادة في التوبيخ والعقوبة ولم يجب عن قصة أبي لهب وقد ادعى بعضهم أن مسألة تكليف ما لا يطاق لم تقع إلا بالإِيمان فقط وهي مسألة طويلة ليس هذا محل ذكرها ومحل بسطها أُصول الفقه وأُصول الدين.

ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم وفي رواية هشام بن سعد ثم نرفع رؤوسنا وقد عادلنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فنقول: نعم أنت ربنا قال في "الفتح": وهذا فيه إشعار بأنهم رأوه في أوّل ما حشروا قلت: هذا غير ظاهر بل الظاهر أن المراد برؤيته أولًا الرؤية الواقعة لهم عندما أخرج ذرية آدم من صلبه كما مرّ وقد جاء عن ابن عباس في قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق قال عن شدة من إلا والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت ومنه:

قد سن أصحابك ضرب الأعناق

وقامت الحراب بنا على ساق

وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها عن نور عظيم قال ابن فورك معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف وقال المهلب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة وقال الخطابي: تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق ومعنى قول ابن عباس إن الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن وزاد إذا خفي عليكم شيء من القرآن فاتبعوه من الشعر وذكر الرجز المشار إليه وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد: في سنة قد كشفت عن ساقها. وأسند البيهقي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال: يريد يوم القيامة قال الخطابي: وقد يطلق ويراد النفس.

وقوله: "فيقولون الساق" هذا يحتمل إن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الأنبياء أو الملائكة إن الله جعل لهم علامة تجلية الساق وذلك أنه يمتحنهم بإرسال مَنْ يقول لهم أنا ربكم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} وهذا وإن كان واردًا في عذاب القبر فلا يبعد أن يتناول يوم الموقف أيضًا وفي حديث ابن مسعود من الزيادة

ص: 319

ثم يقال للمسلمين ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم وفي لفظ فيعطون نورهم بقدر أعمالهم فمنهم مَنْ يعطى نوره مثل الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون آخرهم مَنْ يعطى نوره على إبهام قدمه وفي رواية مسلم عن جابر: ويعطى كل إنسان منهم نورًا إلى أن قال: ثم يُطفأ نور المنافقين وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه فيعطى كل إنسان منهم نورًا ثم يوجهوا إلى الصراط فما كان من منافق طفىء نوره وفي لفظ فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية. وفي حديث أبي أُمامة عند ابن حاتم وإنكم يوم القيامة في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم ينتقلون إلى منزل آخر فتغشى الناس الظلمة فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه شيئًا فيقول المنافقون للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئًا فيضرب بينهم بسور.

وقوله: "فيدعوهم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم" وفي رواية الرقاق فيتبعونه ويضرب جسر جهنم وفي رواية أبي هريرة في التوحيد فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم.

وقوله: "فيتبعونه" قال عياض: أي: فيتبعون أمره أو ملائكته الذي وكلوا بذلك. وقوله: "ويضرب جسر جهنم" حذف من هذا السياق ما جاء في حديث أنس في الرقاق في ذكر الشفاعة لفصل القضاء كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الأُمور التي يقع في الموقف فينتظم من الحديثين أنهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار في النار ويبقى مَنْ عداهم في كرب الموقف فيستشفعون فيقع الإذن بنصب الصراط فيقع الامتحان بالسجود وليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط والجسر هو الصراط وفي حديث أبي سعيد قلنا: وما الجسر؟ قال: مَدحضة مَزلة بفتح الميم فيهما وكسر الزاي ويجوز فتحها وبتشديد اللام أي موضع الزلل ويقال بالكسر في المكان وبالفتح في المقال وفي رواية أبي ذر الدحض الزلق ليدحضوا ليزلقوا زلقًا لا يثبت فيه قدم والصراط جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف عليه ملائكة يحبسون العباد في سبع مواطن ويسألونهم عن سبع خصال في الأول عن الإيمان وفي الثاني عن الصلاة وفي الثالث عن الزكاة وفي الرابع عن شهر رمضان وفي الخامس عن الحج والعمرة وفي السادس عن الوضوء وفي السابع عن الغُسل من الجنابة وعند مسلم قال أبو سعيد بلغني أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة وفي رواية ابن منده من هذا الوجه قال سعيد بن أبي هلال: بلغني ووصله البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزومًا به وفي سنده لين ولابن المبارك عن مرسل عبيد بن عمر أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب أنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر وأخرجه ابن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه والملائكة على جنبتيه يقولون: رب سلم سلم وجاء عن الفضيل ابن عياض

ص: 320

قال: بلغني أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله أخرجه ابن عساكر في ترجمته وهذا معضل لا يثبت وعن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس ولبعض الناس مثل الوادي الواسع أخرجه ابن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل وأخرج الطبري عن غنيم بن قيس أحد التابعين قال: تمثل النار للناس ثم يناديها مناد امسكي أصحابك ودعي أصحابي فتخسف بكل ولي لها فهي أعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم.

رجاله ثقات مع كونه مقطوعًا. وقوله: "بين ظهراني جهنم أو بين ظهري جهنم" قال ابن الجوزي أي: على وسطها يقال نزلت بين ظهريهم وظهرانيهم بفتح النون أي: في وسطهم متمسكًا بينهم لا في أطرافهم والألف والنون زيدتا للمبالغة وقيل لفظ الظهر مقحم ومعناه يمد الصراط عليها.

وقوله: "وأكون أول مَنْ يجوز من الرسال بأُمته" وفي رواية فأكون أنا وأُمتي أوّل من يجيز وفي رواية إبراهيم بن سعد يجيزها قال الأصمعي: جاز الوادي مشى فيه وأجازه قطعه وقال غيره جاز وأجاز بمعنى واحد وقال النووي: أكون أنا وأُمتي أوّل مَنْ يمضي على الصراط ويقطعه يقال: جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه وقال القرطبي: يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية لأنه لما كان هو وأُمته أوّل مَنْ يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز فإذا جاز هو وأُمته فكأنه أجاز بقية الناس وعند الحاكم عن عبد الله بن سلام ينادي مناد أين محمد وأُمته فيقوم فتتبعه أُمته برها وفاجرها فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار أعدائه فيتهافتون من يمين وشمال وينجو النبي والصالحون وفي حديث ابن عباس يرفعه نحن آخر الأُمم وأول مَنْ يحاسب وفيه فيفرج لنا الأُمم عن طريقنا فنمر غُرًا محجلين من آثار الطهور فتقول الأُمم كادت هذه الأُمة أن يكونوا أنبياء.

وقوله: "ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم" وفي رواية إبراهيم بن سعد ولا يكلمه إلَاّ الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي رواية العلاء وقولهم: اللهم سلم سلم والضمير للرسل وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمى ذلك شعارًا لهم فبهذا تجتمع الأخبار ويؤيده قوله في رواية سهيل فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم وفي حديث أبي سعيد من الزيادة فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معًا فيمر أولهم كمر البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم أعمالهم وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وفي

ص: 321

حديث ابن مسعود ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم فمنهم مَنْ يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم السحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم كشد الرجل حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص وعند ابن أبي حاتم في التفسير عن أبي الزعراء عن ابن مسعود عمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم أجود الإبل ثم كعدو الرجل حتى أن اخرهم رجل نوره على موضع إبهامي قدميه ثم يتكفا به الصراط.

وعند هناد بن السري عن السري عن ابن مسعود بعد الريح ثم كأسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيًا ثم مشيًا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فيقول: يا ربِّ لم أبطأت بي فيقول أبطأ بك عملك ولابن المبارك من مرسل عبد الله بن شقيق فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد المضمر ويجوز الرجل يعدو عدوًا ويمشي مشيًا حتى يكون آخر مَنْ ينجو يحبو.

وقوله: "وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم" وفي رواية وبه كلاليب والضمير للصراط وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معًا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ مَنْ أمرت به وفي رواية سهيل وعليه كلاليب النار وفي حديث أبي سعيد عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة تكون بنجد يقال لها السعدان والكلاليب جمع كَلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة قال في المحكم الكلاب والكلوب السفود لأنه يعلق الشواء ويتخلله وقيل الكلاب والكلوب حديدة مقطوفة كالخطاف ولأبي المعالي الكلوب والكلاب المنشال والخطاف قال أبو بكر بن العربي هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في حديث حفت النار بالشهوات قال: فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطا طيفها وفي حديث حذيفة وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينًا وشمالًا أي: يقفان في ناحيتي الصراط وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون والمعنى أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للأمين والخائن والمواصل والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل قال الطيبي: ويمكن أن يكون المراد بالأمانة ما في قوله تعالى: {عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، وبصلة الرحم ما في قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فكأنهما اكتنفتا جنبتي الإِسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطر في الإِيمان والدين القويم.

وقوله: "وحَسَكة" بفتح الحاء والسين المهملتين قال صاحب التهذيب: الحسك نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب.

وقوله: "مُفَلْطحة" بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام بعدها طاء ثم حاء مهملتان كذا

ص: 322

عند الأكثر وللكشميهني مطلفحة بتقديم الطاء ثم اللام ثم الفاء ولبعضهم فيه اتساع وهو عريض يقال فلطح القرص أي: بسطه وعرضه.

وقوله: "شوكة عقيفة" بالقاف ثم الفاء وزن عظيمة وهي الملوية كالصنارة ولبعضهم عقيفاء بصيغة التصغير ممدود.

وقوله: "مثل شوك السعدان" بالسين والعين المهملة بلفظ التثنية والسعدان جمع سعدانة وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه قالوا: مرعى ولا كالسعدان وهي غبراء اللون يأكلها كل شيء وليست كبيرة ولها إذا يبست شوكة مفلطحة كأنها درهم وهي شوكه ضعيفة ومنابت السعدان السهول قال الكرماني: هو نبت له شوك عظيم من كل الجوانب مثل الحَسَك وهو أفضل مراعي الإبل.

وقوله: "هل رأيتم شوك السعدان" وفي رواية أما رأيتم شوك السعدان وهو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة.

وقوله: "غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله" أي: الشوكة والضمير للشان وفي رواية الكشميهني غير أنه وفي رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله قال القرطبي قيدناه أي: لفظ قدر عن مشائخنا بضم الراء على أن ما يكون استفهامًا وقدر مبتدأ خبره ما مقدم وينصبها على أن يكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم وقال الزين بن المنير تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصون تمثيلًا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما.

وقوله: "فتخطِف الناس بأعمالهم" بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب: خطِف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع وحكى عكسه والكسر في المضارع أفصح وفي الواعي الخطف الأخذ بسرعة على قدر ذنوبهم وفي رواية السدي وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس.

وقوله: "فمنهم مَنْ يوبق بعمله ومنه مَنْ يخردل ثم ينجو" وفي رواية منهم الموبق بعمله ومنهم المخردل ثم ينجو والموبق بالموحدة بمعنى الهلاك وفي رواية لمسلم الموثق بالمثلثة من الوثاق وفي رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر في التوحيد بالشك وللأصيلي ومنهم المؤمن مَنْ يقي بعمله من الوقاية أي يستره عمله والمخردل بالخاء المعجمة وللأصيلي بالجيم وكذا لأبي أحمد الجرجاني ووهاه عياض والدال مهملة للجميع والذي بالجيم معناه المشرف على السقوط والهلاك وحكى أبو عبيدة فيه إعجام الذال ورجح ابن قرقول الخاء المعجمة والدال المهملة قال الهروي: المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوى في النار قال كعب بن زهير:

يعدو فيلمم ضرغامين عيشهما

لحم من القوم معفور خراديل

ص: 323

فقوله: معفور بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب وخراديل أي: هو قطع ويحتمل أن يكون من الخردل أي: جعلت أعضاؤه كالخردل وقيل معناه أنها تقطعهم عن لحوقهم بمن تجي وقيل: المخردل المصروع ورجحه ابن التين فقال: هو أنسب لسياق الخبر وفي رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر فمنهم المخردل أو المجازى أو نحوه ولمسلم عنه المجازى من غير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء.

وقوله: "ثم ينجو" في رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي أي: يتبين ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي: يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبًا قال ابن أبي جمرة يؤخذ منه أن المارين على الصراط ثلاثة أصناف: ناج بلا خدش، وهالك من أول وهلة، ومتوسط بينهما، ثم ينجو وكل قسم منها ينقسم أقسامًا تعرف بقوله: بقدر أعمالهم في ضبط مكدوس ففي رواية مسلم بالمهملة ومعناه الراكب بعضه على بعض ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد وقيل: مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها والمراد أنه يكفأُ في قعرها وعند ابن ماجه عن أبي سعيد رفعه يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها.

وقوله: "حتى إذا أراد الله رحمة مَنْ أراد من أهل النار" وفي رواية حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده قال الزين بن المنير الفراغ إذا أضيف إلى الله تعالى معناه القضاء وحلوله بالمقضى عليه والمراد إخراج الموحدين من النار وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار وحاصله أن المعنى يفرغ الله من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومَنْ لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها.

وقال ابن أبي جمرة: معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله أنه يرحمهم وفي حديث عمران بن حصين في الرقاق أن الإِخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حِبّان في حديث حذيفة يقول إبراهيم: يا رباه حرقت بنيّ فيقول اخرجوا، وعند الحاكم عن عبد الله بن سلام أن قائل ذلك آدم وفي حديث أبى سعيد فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد يتبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهمّ قد نجوا في إخوانهم المؤمنين يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا الحديث الآتي في التوحيد وعند مسلم اختلاف في سياقه ويحمل على أن الجميع شفعوا وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك وعند الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رفعه يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم إلَاّ الله بما عصوا الله واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته فيوذن لي في الشفاعة فأثنى على الله ساجدًا كما أثنى عليه قائمًا فيقال لي: ارفع رأسك الحديث، ويؤيده أن في حديث أبي سعيد تشفع الأنبياء

ص: 324

والملائكة والمؤمنون وعند النسائي عن أنس ذكر سبب آخر لإِخراج الموحدين من النار ولفظه وفرغ من حساب الناس وأدخل مَنْ بقي من أُمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئًا فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار فيرسل إليهم فيخرجون وعند ابن أبي عاصم والبزار عن أبي موسى رفعه إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم مَنْ شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ فقالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيأمر الله مَنْ كان من أهل القبلة فأُخرجوا فيقول الكفار: يا ليتنا كنّا مسلمين وفي حديث أبي بكر الصديق ثم يقال ادعوا الأنبياء فيشفعون ثم يقال: ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال: ادعوا الشهداء فيشفعون وعند ابن أبي عاصم والبيهقي عن أبي بكرة مرفوعًا يحمل الناس على الصراط فينجي الله مَنْ شاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون ويخرجون.

وقوله: "أمر الله الملائكة أن يخرجوا مَنْ كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود" وفي "الرقاق" قبل هذا ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله قال القرطبي: لم يذكر الرسالة إما لأنهما لما تلازما في النطق غالبًا وشرعًا أكتفي بذكر الأولى أو لأن الكلام في حق جميع المؤمنين هذه الأُمة وغيرها ولو ذكرت الرسالة لتعدد ذكر الرسل كثيرًا والأول أولى ويرد الثاني أنه يكتفي بلفظ جامع كأن يقول مثلًا: ونؤمن برسله وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة ممن زعم أن مَنْ وحَّد الله من أهل الكتاب يخرج من النار ولو لم يؤمن بغير مَنْ أرسل إليه وهو قول في غاية البطلان فإن مَنْ جحد الرسالة كذّب الله ومَنْ كذب الله لم يوحده.

وقوله: "أمر الملائكة أن يخرجوهم" في حديث أبي سعيد اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه، وفي حديث أنس في الشفاعة في "الرقاق" فيحد لي حدًا فأخرجهم ويجمع بأن الملائكة يؤمرون على ألسنة الرسل بذلك فالذين يباشرون الإخراج هم الملائكة. وفي حديث أبي سعيد أيضًا بعد قوله: ذرة فيخرجون خلقًا كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا، وفيه فيقول الله: شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلَاّ أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط وتمسك بعضهم بهذه الزيادة في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار وهذا قول يخاف على صاحبه من الكفر أو هو مرتد حقيقة لمخالفته لصريح القرآن في أن الكافر مخلّد في النار والحديث معنى الخبر المنفي فيه هو ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين كما تدل عليه بقية الأحاديث وفي حديث معبد عن الحسن البصري عن أنس فأقول: يا رب ايذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال: ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله. وسيأتي بطوله في التوحيد، وفي حديث جابر عند مسلم ثم يقول الله أنا أخرج بعلمي وبرحمتي.

ص: 325

وفي حديث أبي بكر أنا أرحم الراحمين أَدخِلوا جنتي مَنْ كان لا يشرك بي شيئًا قال الطيبي: هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة، ثم حبَّة ثم خردلة، ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان، وهو على وجهين: أحدهما: ازدياد اليقين وطمأنينة النفس؛ لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه. والثاني: أن يراد العمل، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد "لم يعملوا خيرًا". قال البيضاوي: وقوله: "ليس ذلك لك" أي: أنا أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي وإجلالًا لتوحيدي، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة المار في باب الحرص على الحديث من كتاب العلم "أسعد الناس بشفاعتي مَنْ قال: لا إله إلَاّ الله مخلصًا". قال: ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر. قال الطيبي: إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازياد اليقين، أو العمل الصالح، حصل الجمع. ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن المراد بقوله: ليس ذلك لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة، وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين. فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث "أسعد الناس" لكونه ابتدأ بطلب ذلك.

وقد استوفى الكلام عليه في الباب المذكور آنفًا. وقوله: "فيعرفونهم بآثارِ السجودِ" وفي رواية إبراهيم بن سعد "فيعرفونهم في النار بأثر السجود". قال الزين بن المنير تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية. وقال غيره: بل يعرفونهم بالغرة والتحجيل، وفي هذا نظر؛ لأنها مختصة بهذه الأُمة، والذين يخرجون أكثر من ذلك. وقوله: وحرم الله على النار أن تأكل أثمر السجود، فكل ابن آدم تأكله النار إلَاّ أثر السجود هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن الله بالشفاعة أي: فإذا صاروا فحمًا كيف يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف أثره، وحاصل الحديث تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دلّ عليها هذا الخبر، وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن. وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي سجد أو المراد من سجد؟ في ذلك نظر، والثاني أظهر. قال عياض: فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار، وأنها لا تأتي على جميع أعضائهم إما إكرامًا لمواضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى، أو لكرامة تلك الصورة التي خلق آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلائق.

قال في "الفتح" الأول: منصوص، والثاني: محتمل، لكن يشكل عليه أن الصورة لا تختص بالمؤمنين فلو كان الإكرام لأجلها لشاركهم الكفار، وليس كذلك. قال النووي: وظاهر الحديث أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة: وهي الجبهة، واليدان، والركبتان، والقدمان، التي ورد الحديث الآتي قريبًا بالسجود عليها، وبهذا جزم بعض العلماء، وقال عياض: ذكر الصورة

ص: 326

ودارات الوجوه يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة خلافًا لمن قال يشمل الأعضاء السبعة ويؤيد اختصاص الوجه أن في بقية الحديث أن منهم مَنْ غاب في النار إلى نصف ساقيه، وفي حديث سمرة عند مسلم: وإلى ركبتيه، وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد وإلى حقويه، قال النووي: وما أنكره هو المختار، ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الآخر في مسلم أن قومًا يخرجون من النار يحرقون فيها إلَاّ دارات وجوههم فإنه يحتمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار، فيكون الحديث خاصًا بهم وغيره عامًا، فيحمل على عمومه إلا ما خصّ منه. قال في "الفتح": إن أراد أن هؤلاء يخصون بأن النار لا تأكل وجوههم كلها وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة وهو الجبهة سلم من الاعتراض وإلا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع إلا هؤلاء. وإن كانت علامتهم الغرة كما مرّ النقل عمن قاله، وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأُمة فيضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء فيكون أشمل مما قال النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين لا خصوص الكفين والقدمين، ولكن ينقص منه الركبتان وما استدل به عياض من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا. ودلّ التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار إكرامًا لمحل السجود ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها. وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن مَنْ كان مسلمًا ولكنه كان لا يصلّي لا يخرج إذ لا علامة له، لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعملوا خيرًا قط، وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد وهل المراد بمن يسلم من الإحراق من كان يسجد أو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة الثاني أظهر ليدخل فيه مَنْ أسلم مثلًا وأخلص فبغتة الموت قبل أن يسجد ولوالد صاحب "فتح الباري" علي بن محمد بن حجر ما يوافق مختار النووي.

يا ربِّ أعضاءَ السجودِ عتقتَها

مِنْ عبدِكَ الجاني وأنت الواقي

والعتقُ يسري بالغنى يا ذا الغنى

فامننْ على الفاني بعتقِ الباقي

وقوله: "فيخرجون من النار قد امْتَحشوا" وفي رواية "الرقاق" فيخرجونهم قد امتحشوا، وعند أبي نعيم: فيخرجون من عرفوا ليس فيه قد امْتَحشوا، وإنما ذكرها بعد قوله فيقبض قبضة، وكذا أخرجه البيهقي وابن منده. قال عياض: ولا يبعد أن الامْتِحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار تأكل صورة الخارجين أولًا قبلهم ممن عمل الخير على التفصيل السابق، وامتَحَشُوا بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة أي: احترقوا وزنه ومعناه. والمحش احتراق الجلد وظهور العظم، وعند بعضهم بضم المثناة وكسر الحاء، ولا يعرف في اللغة امْتَحَشة متعديًا وإنما سمع لازمًا مطاوع محشة. يقال: مَحَشْتُه وأَمْحَشْتُهُ وأنكر ابن السكيت الثلاثي وقال غيره: أمْحَشتُه فامْتَحش، وأَمْحَشه الحر أحرقه، والنار أحرقته وامْتَحش هو غضبًا. وقال الداووي: امْتَحشوا انقبضوا واسودوا، وقوله: فيصب عليهم ماء الحياة. وفي "الرقاق" ماء يقال له ماء الحياة في حديث أبي سعيد فيلقون في

ص: 327

نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة، والأفواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الأوائل، ومرّ في "الإيمان" عن أبي سعيد في نهر الحياة أو الحياء بالشك، وفي رواية أبي نضرة عند مسلم على نهر يقال له الحيوان أو الحياة، وفي أخرى له فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، وفي تسمية ذلك النهر به إشارة إلى أنهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك. وقوله: فينبتون كما تنبت الحبة. وفي "الرقاق" نبات الحِبّة بكسر المهملة وتشديد الموحدة وقد مرّ في "كتاب الإيمان" أنها بذور الصحراء والجمع حِبَبَ بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها مثلها. وأما الحَبّة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حُبُوب بضمتين. وفي حديث أبي سعيد فينبتون في حافتيه، وفي رواية لمسلم كما تنبت الغُثاءةُ بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة، وبعد الألف همزة ثم هاء تأنيث هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبذور وغيرها، والمراد به هنا ما حمله من البذور خاصة. وقوله في حَمِيل السيل بالحاء المفتوحة والميم المكسورة أي: ما يحمله السيل، وفي رواية يحيى بن عمارة إلى جانب السيل، والمراد أن الغُثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحِبَّة فيقع في جانب الوادي، فتصبح من يومها نابتة، وفي رواية لمسلم في حمئة السيل بعد الميم همزة ثم هاء، وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة وهو ما تغير لونه من الطين؛ وخصّ بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبًا. قال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى سرعة نباتهم لأن الحِبَّة أسرع في النبات من غيرها، وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه. قال: ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفًا بجميع أمور الدنيا بتعليم الله تعالى له وإن لم يباشر ذلك.

وقال القرطبي: اقتصر المازري على أن موقع التشبيه السرعة، وبقي عليه نوع آخر دلّ عليه قوله في الطريق الأخرى إلا ترونها تكون في الحجر ما يكون منها إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، وفيه تنبيه على أن ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن، وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن. والنور ونضارة النعمة عليهم. وقال: ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع نصوعه، وأن غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه، وقد مرَّ الكلام على هذه الجملة في (باب تفاضل الإِيمان) من "كتاب الإِيمان". وقوله: ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولًا الجنة مقبلًا بوجهه قِبَل النار. وفي وصف هذا الرجل أنه كان نبّاشًا، وذلك في حديث حذيفة الآتي في أخبار بني إسرائيل أن رجلًا كان يسيء الظن بعمله فقال لأهله:"أحرقوني" الحديث، وفي آخره كان نباشًا. وفي حديث أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما ثم يقول الله:"انظروا هل بقيَ في النار أحدٌ عملَ خيرًا قط، فيجدونَ رجلًا، فيقولون له: هل عملتَ خيرًا قطُ؟ فيقول: لا، غير أني كنتُ أسامحُ الناسَ في البيعِ .. " الحديث، وفيه "ثمَّ يُخْرجون منَ النارِ رجلًا آخرَ فيقالُ لهُ: هلْ عملتَ خيرًا قطُ؟

ص: 328

فيقولُ: لا، غير أني أمرتُ ولدي إذا مِتُ فاحرقوني .. " الحديث. وجاء من وجه آخر أنه كان يسأل الله أن يجيره من النار، ولا يقول ادخلني الجنة، أخرجه الحسين المروزي في "زيادات الزهد" لابن المبارك عن عوف الأشجعي رفعه قد علمت آخر أهل الجنة دخولًا الجنة رجلٌ كانَ يسألُ الله أن يجيرَهُ مِن النارِ ولا يقول أدخلني الجنةَ فإذا دخلَ أهلُ الجنَّة الجنَّة، وأهلُ النارِ النارَ بقيَ بينَ ذلكَ، فيقولُ: يا ربِّ قرِّبني منْ باب الجنّةِ أَنظرُ إليها وأجدُ منْ ريحها، فيقرِّبهُ، فيرى الشجرة

الحديث، وهو عند ابن أبي شيبة أيضًا، وهو يقوي التعدد لكن الإسناد ضعيف.

قال عياض: جاء هذا في آخر من يجوز على الصراط، وجاء في حديث ابن مسعود في "الرقاق":"إني لأَعلمُ آخرَ أهل النَّارِ خروجًا منها، وآخرَ أَهل الجنَّةِ دخولًا فيها"، فيحتمل أنهما اثنان: إما شخصان، وإما نوعان أو جنسان، وعبّر فيه بالواحد عن الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك. ويحتمل أن يكون الخروج هنا بمعنى الورود، وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى إما في شخص واحد أكثر. وعند مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود ما يقوي الاحتمال الثاني ولفظه "آخرُ مَنْ يدخل الجنَّةَ رجلٌ فهو يمشي مرةً ويكبو مرةً وتسفعهُ النارُ مرةً، فإذا جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ". وعند الحاكم عن مسروق عن ابن مسعود ما يقتضي الجمع. وفي "نوادر الأُصول" للحكيم الترمِذِيّ عن أبي هريرة: "أنَّ أطولَ أهلَ النارِ مكثًا مَنْ يمكثُ سبعةَ الآفِ سنة" وسنده واهٍ، وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر مَنْ يخرج من النار وهو المذكور في حديث ابن مسعود الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة، وبين آخر مَنْ يخرج ممن يبقى مارًا على الصراط، فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز؛ لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض مَنْ دخلها، وفي "غرائب مالك" للدارقطني عن عبد الملك بن الحكم وهو واهٍ عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه أن آخر مَنْ يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين، وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد وجوّز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين، والآخر للآخر.

وقوله: فيقول: "يا ربِّ اصرف وجهي عن النار، فقد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها". وفي رواية "الرقاق" تأخير فاصرف وجهي عن النار عن الجملتين، وقوله: فيقول: "يا ربِّ" في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد أي ربِّ، وقوله:"اصرفْ وجهي عن النار" استشكل وجهه إلى جهة النار، والحال أنه ممن يمرّ على الصراط طالبًا إلى الجنة، فوجهه إلى الجنة لكن في حديث أبي أُمامة أنه يتقلب على الصراط ظهرًا لبطن، فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار، ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل ربّه في ذلك.

وقوله: "قد قَشَبني ريحها" بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففًا وحكي التشديد. قال الخطابي: قشبه الدخان إذا ملأ خياشمه، وجعل يكظمه، وأصل القَشْب خلط السم بالطعام.

ص: 329

يقال: قَشَبه إذا سمَّه، ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته. وقال النووي: معنى قَشَبني سمّني، وآذاني وأهلكني، هكذا عند جماهير أهل اللغة. وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي، والأحسن فيه ما قاله الخطابي، وما قاله الداودي تفسير باللازم، وهو كثير فيه قال ابن أبي جمرة: إذا فسّرنا القَشَب بالنتن والمستقذر، كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة، وهي من أعظم نعيمها وعكسها النار في جميع ذلك. قال ابن القطاع: قَشَب الشيء، خلطه بما يفسد من سم أو غيره، وقَشَب الإنسان، لطخه بسوء كاغتابه وأعابه، وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده، أو غيّره أو أزال عقله، أو تقذره هو، وقوله: وأحرقني ذكاؤها كذا للأصيلي وكريمة بالمد وفتح الذال وفي رواية أبي ذرٍّ ذكاها بالقصر، وهو الأشهر في اللغة.

قال ابن القطاع: يقال: ذكت النار تذكو ذَكَاً بالقصر وذُكوًّا بالضم وتشديد الواو أي: كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها وأما ذكا الغلام ذَكَاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته. قال النووي: المد والقصر لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لمن يوجد عن أحد من أهل اللغة المصنفين فيها حكاية المد إلا عن أبي حنيفة الدينوري، وتعقبه عليه علي بن حمزة الأصبهاني فقال: إن الذكاء بالمد لم يأتِ عنهم في النار، وإنما جاء في "الفهم" وفي "مسلم":"فقد أحرقني ذَكَاؤُها" بالمد. قال ابن قرقول: والمعروف في شدة حرّ النار القصر إلا أن الدينوري ذكر فيه المد، وخطأه علي بن حمزة فقال: الذَكَاء بالمد تمام الشيء، ومنه ذكاء القلب. وقال صاحب "الأفعال": ذَكَا الغلام والعقل أسرع في الفطنة، وذَكَا الرجل ذكاءً من حدة فكره، وذَكَت النار ذكًا بالقصر توقدت، وقوله:"فَيُصْرَف وجهُهُ عن النارِ" أي: بضم أوله على البناء للمفعول، وفي رواية الباب "فَيَصْرِف اللهُ وجهَهُ". وفي رواية أنَس عن ابن مسعود عند مسلم.

وفي حديث أبى سعيد عند أحمد والبزار نحوه أنه يرفع له شجرة فيقول: "ربِّ أَدنُني من هذه الشجرةِ لأستظَلَّ بظلها، وأشربَ مِنْ مائِهَا، فيقولُ الله: لعلي إنْ أعطيتُكَ تسألْنِي غيرهَا، فيقولُ: لا يا ربِّ، ويعاهدُهُ أنْ لا يسألَ غيرَها، وربُّهُ يعذرُهُ لأنَّهُ يرى ما لا صبرَ عليه، ومنه أنّهُ يدنو منها، وأنّهُ ترْفَع له شجرةٌ أُخرى أحسنُ من الأُولى عند باب الجنةِ، ويقول في الثالثة: "ائذن لي في دخول الجنة". وكذا وقع في حديث أنس الآتي في "التوحيد" رفعه آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة، ونحوه لمسلم عن أبي سعيد بلفظ: "أن أدنى أهلِ الجنّةِ منزلةً رجلٌ صرفَ اللهُ وجهَهُ عن النَّار قِبَلَ الجنَّةِ، ومَثُلَتْ لهُ شجرةٌ". ويجمع بأنه سقط من حديث أبي هريرة ذكر الشجرات كما سقطَ من حديث ابن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة.

وقوله: "ثم قال: يا ربِّ قدَّمني عندَ باب الجنَّةِ". وفي رواية "الرقاق": "يا ربِّ قرِّبني إلى بابِ الجنَّةِ"، وقوله:"فيقولُ اللهُ: أليسَ قَدْ أعطيتَ العهدَ والميثاق"، وفي "الرقاق":"أليسَ قَدْ زعمت" وقوله: "فيقول: يا ربِّ لا أكونُ أشقى خلقك" وفي "الرقاق": "لا تجعلني أشقى خلقك" المراد "بالخلق" هنا مَنْ دخل الجنة، فهو لفظ عام أُريد به خاص، ومراده أنه يصير إذا استمر خارجًا عن

ص: 330

الجنة أشقاهم، وكونه أشقاهم ظاهر لو استمر خارج الجنة وهم من داخلها.

قال الطيبي: معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق، ولكن تفكرت رحمتك وكرمك فسألت، وللقابسي "لأكونن"، قال ابن التين: معناه لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن، قال: والألف في رواية "لا أكون" زائدة، وقال الكرماني: معناه لا أكون كافرًا، وقوله:"لا أكون" لَفْظُهُ لَفْظُ الخبرِ ومعناه الطلب، ودلّ عليه قوله: لا تجعلني، ووجه كونه "أشقى" أن الذي يشاهد ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهده، وقوله:"خلقك" مخصوص بمن ليس من أهل النار، وقوله:"مما عسيت إنْ أعطيتَ ذلكَ أنْ لا تسألَ غيرَهُ" وفي رواية "التوحيد": "فهل عسيتَ إنْ فعلتُ بكَ أنْ تسألَني غيرَهُ"، وفي سين عسيت الفتح والكسر وجملة أن تسألني هي خبر عسى، والمعنى هل يتوقع منك سؤال شيء غير ذلك، وهو استفهام تقرير؛ لأن ذلك عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب، وهو من باب إرخاء العِنانِ إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكير في أمره والإنصاف من نفسه.

وقوله: "فيعطي ربَّهُ ما شاءَ من عهدٍ وميثاقٍ" يحتمل أن يكون فاعل شاء الرجل المذكور أو الله. قال ابن أبي جمرة: إنما بادر للحلف من غير استحلاف لما وقع له من قوة الفرح بقضاء حاجته، فوطّن نفسه على أن لا يطلب مزيدًا، وأكّده بالحلف، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، وفي رواية إبرهيم بن أسعد من الحَبْرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، ولمسلم الخير بمعجمة وتحتانيّة بلا هاء والمراد أنه يرى ما فيها من خارجها إما لأن جدارها شفّاف فيرى باطنها من ظاهرها لما جاء في وصف الغرف، وإما أن المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة لما كان يحصل له أذى لفح النار وهو خارجها، وقوله:"فيقول الله تعالى: ويحكَ يابنَ آدمَ ما أغيركَ" وفي رواية "الرقاق": "ويلكَ".

وقوله: "فيضحكُ اللهُ عز وجل ثمَّ يأذنُ لهُ في دخولِ الجنَّةِ". وفي "الرقاق": ولا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، وفي رواية ابن مسعود في "الرقاق" فيقول: أتسخرُ مني أو تضحكُ مني وأنتَ الملكُ فلقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحكَ حتى بدتْ نواجُذهُ". وفي رواية الأعمش: "أتسخرُ بي ولمْ يشكّ". وكذا لمسلم من رواية منصور، وله من رواية أنس عن ابن مسعود: "أتستهزىءُ بي وأنت ربُّ العالمين".

قال المازري: هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضى لا يتأتى هنا، ولكن لمّا كانت عادة المستهزىء أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه، وأما نسبة السخرية إلى الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وإنْ لم يذكره في الجانب الآخر لفظًا، لكنه لمّا ذكر أنّه عاهد مرارًا وغدر حلّ فعله فعل المستهزىء، وظنّ أنّ في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها ملأى نوعًا من السخرية به جزاء على فعله، فسمى الجزاء على السخرية سخرية، ونقل عياض عن بعضهم أن ألف أتسخر

ص: 331

مني ألف النفي كهي في قوله تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} على أحد الأقوال، قال: وهو كلام متدلل علم مكانه من ربه وبسطه له بالإِعطاء وجوّز عياض أن الرجل قال ذلك وهو غير ضابط لما قال إذ وَلَهُ عقله من السهر وربما لم يخطر بباله ويؤيده أنه قال في بعض طرقه عند مسلم لما خلص من النار: "لقد أعطاني اللهُ شيئًا ما أعطاهُ أحدًا من الأولينَ والآخرينَ". وقال القرطبي في "المفهم": أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه أنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك، وقيل: قال ذلك لكونه خاف أن يجازى على ما كان منه في الدنيا من التساهل في الطاعات وارتكاب المعاصي كفعل الساخرين، فكأنه قال: أتجازيني على ما كان مني، فهو كقوله: سخر الله منهم، وقوله: الله يستهزىء بهم أي: ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم، وقوله:"ضحك حتى بدتْ نواجذُهُ" بنون وجيم وذال معجمة جمع ناجذ، وفي رواية ابن مسعود فضحك ابن مسعود فقالوا: مِمّ تضحك؟ فقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحكِ ربِّ العالمينَ حينَ قالَ الرجلُ: أتستهزىءُ مني؟ قال: لا أستهزىءُ منْكَ، ولكنَّي على ما أشاءُ قادرٌ".

قال البيضاوي: نسبة الضحك إلى الله تعالى مجاز بمعنى الرضى، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته، وضحك ابن مسعود على سبيل التأسي.

وقوله: فيقول له: تمنَّ فيتمنّى، حتى إذا انقطعتْ أمنيتهُ إلى قوله قال اللهُ تعالى: لكَ ذلكَ ومثلُهُ معهُ. قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة: "رضي الله تعالى عنهم" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال اللهُ عز وجل لكَ ذلكَ وعشرةُ أمثالِه" وفي رواية إبراهيم بن سعد قال أبو سعيد: "وعشرةُ أمثالِ يا أبا هريرة" وفيه فقال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أنس عن ابن مسعود: "يرضيكَ أني أعطيتُكَ الدّنيَا ومثلَها معَها". وفي حديث حذيفة عن أبي بكر: "انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لكَ مثلَهُ وعشرَ أمثالِه، فيقولُ: أتسخرُ بي وأنتَ المَلِكُ؟ " وعند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعًا في هذا الحديث فقال أبو سعيد: "ومثلُهُ مَعُه" فقال أبو هريرة: "وعشرةُ أمثالِه"، فقال أحدهما لصاحبه: حَدِّثْ بما سمعتَ وأحدِّثُ بما سمعتُ وهذا مقلوب، فإن الذي في "الصحيح" هو المعتمد، وعند البزار من الوجه الذي أخرجه منه أحمد على وفق ما في "الصحيح". وفي حديث أبي سعيد الطويل الآتي في "التوحيد" بعد ذكر من يخرج من عصاة الموحدين فقال في آخره:"فيُقالُ لهم: لكم ما رأيتُم ومثلُهُ معَهُ"، فهذا موافق لحديث أبي هريرة في الاقتصار على المثل، ويمكن أن يجمع بأن يكون عشرة الأمثال إنما سمعه أبو سعيد في حق آخر أهل الجنة دخولًا، والمذكور هنا في حق جميع مَنْ يخرج بالقبضة. وجمع عياض بين حديثي أبي سعيد وأبي هريرة باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولًا قوله:"ومثلُهُ معهُ" فحدّث به، ثم حدّث النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة فسمعه أبو سعيد، وعلى هذا فيقال: سمعه أبو سعيد وأبو هريرة معًا أولًا، ثم سمع أبو سعيد الزيادة بعد، وظاهر قوله:"هذا لك وعشرةُ أمثالِه" أن العشرة زائدة على الأصل.

ص: 332

وفي رواية أنس عن ابن مسعود: "لَك الذي تمنيت وعشرةُ أضعافِ الدنيا" وحمل على أنه تمنى أن يكون له مثل الدنيا، فيطابق حديث أبي سعيد. وفي رواية لمسلم عن ابن مسعود:"لك مثلُ الدنيا وعشرةُ أمثالِها". قال الكلاباذي إمساكه أولًا عن السؤال حياء من ربه والله يحب أن يُسأل؛ لأنه يحب صوت عبده المؤمن، فيباسطه بقوله أولًا: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره، وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع؟ وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم عليه جهلًا منه ولا قلة مبالاة، بل علمًا منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به؛ لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حلفَ على يمينٍ فرأى خيرًا مِنْها فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يمينِهِ وَلْيَأتِ الذي هو خيرٌ". فيعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر، والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة. قال ابن أبي جمرة -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة الشخص بما لا تدرك حقيقته، وجواز التعبير عن ذلك بما يفهم، وأن الأُمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا إلَاّ في الأسماء. والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظم وأن الكلام إذا كان محتملًا لأمرين بات التكلم بشيء يتخصص به مراده عند السامع، وأن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار، وأن امتثال الأمر في الموقف يقع بالاضطرار وفيه فضيلة الإيمان؛ لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرًا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك، وأن الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة، وفيه أن النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أُمرت بإحراقه والآدمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة:{غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفيه إشارة إلى توبيخ العصاة والطغاة، وفيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلًا لذلك في ظاهر الحكم، لكن فضل الكريم واسع. وفي قوله في آخره في بعض طرقه "ما أغدرك" إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم إلا بعد أن يتكرر ذلك. وفيه إطلاق اليوم على جزء منه؛ لأن يوم القيامة في الأصل يوم واحد، وقد أطلق اسم اليوم على كثير من أجزائه، وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافًا لمن منع محتجًا بأنها لا تكون إلا لمذنب.

قال عياض وفات هذا القائل أنها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب وغير ذلك مما مرّ بيانه عند حديث: "حلّتْ شفاعتي" في الأذانِ مع أن كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره وكذا كل عامل يخشى أن لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله. قال: ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم، قلت: ومن أين لشخص غير نبي معصوم أنه لم يعص الله تعالى؟ وفي الحديث أيضًا تكليف ما لا يطاق؛ لأن المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه، كذا قيل وفيه نظر؛ لأن الأمر حينئذ للتعجيز والتبكيت وفيه إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة. قال الطيبي: وقول مَنْ أثبت الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق، وكذا قول مَنْ فسّر الإتيان بالتجلي هو الحق، لأن ذلك قد تقدمه قوله: هل تضارون

ص: 333

في رؤية الشمس والقمر وزِيدَ في تقدير ذلك وتأكيده، وكل ذلك يدفع المجاز عنه.

واستدل به بعض السالبة ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين وهو غلط فاحش، لأن في سياق حديث أي سعيد أن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رؤوسهم من السجود، وحينئذ يقولون:"أنت ربُّنا" ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم. وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل، فقد تقدم أنه صورة الملك أو غيره ولا مدخل أيضًا لبعض أهل الكتاب في ذلك؛ لأن في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الإِيمان، ويقال لهم ما كنتم تعبدون وأنهم يتساقطون في النار، وكل ذلك قبل الأمر بالسجود وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأُمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأُمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متظافرة متظاهرة بثبوت ذلك، وأن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلًا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها. على أن بعض أهل العلم أوّل ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله:"يموتون فيها إماتة" بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة.

وفي حديث أبي هريرة أنهم إذا دخلوا النار ماتوا، فإذا أراد الله إخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة. قلت: تأويل حديث أبي سعيد السابق بعيد لتأكيده بالمصدر التي يقصد التأكيد به لرفع المجاز، وفيه أيضًا ما طبع عليه الآدمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب أولًا أن يبعد من النار لتحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة، ثم طلب الدنو منهم وفي بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى أن طلب الدخول، ويؤخذ منه أن صفات الآدمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما.

تنبيه: في روايات أبي هريرة التي هنا والتي في "الرقاق" والتي في "التوحيد" تقديم "فيضحك الله عز وجل قبل الإذن له في دخول الجنّة" وفي رواية ابن مسعود المشار إليها سابقًا الآتية في "الرقاق" تقديم الإذن في دخول الجنّة ووجوده لها ملأى وقول الله تعالى: "لك مثلُ الدُّنيا وعشرة أمثالِها على قوله أتسخرُ مني أو تضحكُ مني وأنت المَلِكُ" فكيف يمكن الجمع بين هذه الروايات؟ لم أرَ مَنْ تعرض لهذا وَنبَّه عليه، والظاهر عندي أن يكون أحد الراويين قدم الضحك عن محله أو أخره، أو يكون الضحك وقع مرتين، وحذف كل واحد من الراويين أحد اللفظين في محل وأبقى واحدًا، أو يكونا متعددين صدر من أحدهما ما صدر قبل أن يأذن له في الدخول، وصدر من الآخر ما صدر بعد الإذن في الدخول، والله تعالى أعلم.

ص: 334