الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والعنعنة، والقول، ورواته ما بين بصريّ وكوفيّ ومدنيّ وهذا الحديث من أفراد البخاري. ثم قال المصنف:
باب الجمع بين السورتين في ركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وبأول سورة
اشتمل هذا الباب على أربع مسائل: الجمع بين السورتين، وهو ظاهر من حديث ابن مسعود وحديث أنس أيضًا، والقراءة بالخواتيم وفي رواية بالخواتم بغير ياء، وهي مأخوذة من الإلحاق بالقراءة بالأوائل والجامع بينهما أن كلاً منهما بعض سورة ويمكن أن يؤخذ من قوله: قرأ عمر بمئة من البقرة ويتأيد بقول قتادة: كلٌّ كتاب الله قلت: أما الأخذ من قراءة عمر فغير ظاهر إذ ليس فيها تعيين الخواتم والمتبادر من العبارة الأوائل وأخذ ذلك من قول قتادة ظاهر وتقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف العثماني وذلك مأخوذ من حديث أنس ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه والقراءة بأول سورة وهي مأخوذ من حديث عبد الله بن السائب وحديث ابن مسعود.
ثم قال: ويذكر عن عبد الله بن السائب قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع، وحديثه هذا وصله مسلم عن ابن جريج ولفظه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى شك محمد بن عباد وشيخ ابن جريج أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع، وفي رواية بحذف فركع والسَعْلة بفتح السين وسكون العين من السعال. وعند ابن ماجه فلما بلغ ذكر عيسى وأُمه أخذته سعلة أو قال: شهقة وفي رواية شَرقة بفتح المعجمة وسكون ما بعدها، ورواية مسلم الصبح بمكة وفي رواية الطبراني يوم الفتح وإنما علقه البخاري بصيغة ويذكر مع أن إسناده مما تقوم به الحجة للاختلاف في سنده على ابن جريج فقال ابن عُيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجه، وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة ورواية لمسلم فحذف أي: ترك القراءة وفسره بعضهم برمي النخامة الناشئة عن السَعْلة والأول أظهر لقوله: فركع. ولو كان أزال ما عاقه عن القراءة لتمادى.
وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة وكرهه مالك وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارًا والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه وكذا ير على مَنْ استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض الآية أخذًا من قوله: حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى لأن كلا من الموضعين يقع في وسط آية وفيه ما مرَّ. وجه الكراهة عند مالك للفاعل اختيارًا هو أن السورة مرتبط بعضها ببعض فإن موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة فإنه إن قطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة وإن قطع في وقف تام، فلا يخفى أنه خلاف الأولى، وقد مرّ في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم، فلم يقطع صلاته وقال:
كنت في سورة فكرهت أن أقطعها وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. مرّ في باب مَنْ لم ير الوضوء إلا من المخرجين قال في "الفتح" الكراهة لا تثبت إلابدليل، وأدلة الجواز كثيرة، وقد تقدم حديث زيد بن ثابت أنه قرأ الأعراف في الركعتين قلت: لعله تقدم في الشرح مع أني لم أطلع عليه وأما الذي تقدم في المتن عن زيد بن ثابت فإنما فيه أنه قرأ بطولى الطوليين، ثم قال: وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أمَّ الصحابة في صلاة الصبح بسورة فقرأها في الركعتين وهذا إجماع منهم، وروى محمد بن عبد السلام الخُشَني بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة أيضًا عن الحسن البصري قال: غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الآيات من السورة ثم يركع. أخرجه ابن حزم محتجًا به.
وروى الدارقطني بإسناد قوي عن ابن عباس أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة، وما قاله مالك من الكراهة ذكرنا لك دليله العقلي والنقلي. فقدله: لا تثبت إلا بدليل جوابه أنها ثبتت بالدليل واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة وهو واضح فيما إذا غلبه. وإن قطع القراءة لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال أو التنحنح، ولو استلزم تخفيف القراءة فيما استحب فيه تطويلها وقال الرافعي في "شرح المسند" قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر قال: ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله: بمكة أي: في الفتح أو في حجة الوداع، وقد صرّح بالاحتمال المذكور النَّسائي في روايته فقال: في فتح مكة وقد مرّت أول الحديث رواية الطبراني يوم الفتح.
وعبد الله بن السائب هو ابن أبي السائب واسم أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي يكنى أبا عبد الرحمن وقيل أبا السائب يعرت بالقارىء وعليه قرأ مجاهد وغيره منْ قراء مكة قال ابن الكلبي كان شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية عبد الله بن السائب. وأخرج البغوي عن مجاهد عن عبد الله بن السائب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت له: أتعرفني قال: نعم، ألم تكن شريكًا لي مرة؟ قال ابن حجر: والمحفوظ أن هذا الحديث لأبيه السائب، وقال الواقدي: الذي كان شريكًا للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية السائب بن أبي السائب، وقال غيرهما الذي كان شريكه صلى الله عليه وسلم قيس بن السائب قال ابن عبد البر: وقد جاء بذلك كله الأثر.
له سبعة أحاديث انفرد له مسلم بحديث روى عنه عطاء وابن أبي مليكة، توفي بمكة قبل ابن الزبير بيسير، أخرج له أبو داو والنَّسائيّ من رواية عطاء عنه شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} الآية.
ثم قال: وقرأ عمر في الركعة الأولى بمئة وعشرين آية من البقرة، وفي الثانية بسورة من المثاني والمثاني قيل ما لم يبلغ مئة آية أو بلغها وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل قيل: سميت مثاني لأنها ثنت السبع وسميت الفاتحة السبع المثاني لأنها تثنى في كل صلاة. وأما قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك وهذا التعليق وصله ابن أبي
شيبة في مصنفه عن أبي رافع قال: كان عمر رضي الله تعالى عنه يقرأ في الصبح بمئة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني، أو من صدور المفصل ويقرأ بمئة من آل عمران ويتبعها بسورة من المثاني، أو من صدور المفصل. وما ذكره البخاري فصل فيه بقوله: في الركعة الأولى وفي الثانية، وفي رواية ابن أبي شيبة لم يفصل فيحتمل أن تكون قراءته بمئة من البقرة واتباعها بسورة من المفصل في الركعة الأولى وحدها، وفي الثانية كذلك ويحتمل أن يكون هذا في الركعتين جميعًا فعلى الاحتمال تظهر المطابقة بينه وبين الجزء الأول من الترجمة فإن قيل الجزء الأول من الترجمة الجمع بين السورتين وهذا على ما ذكر جمع بين سورة ويعض سورة فالجواب أن المقصود من الجمع بين السورتين أعمّ من أن يكون بين سورتين كاملتين، أو بين سورة كلاملة، وبين شيء من سورة أخرى. وعمر مرّ في الأول من بدء الوحي.
ثم قال: وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، أو يونس وذكر أنه صلّى مع عمر رضي الله تعالى عنه الصبح بهما. وفي رواية وقال في الثانية: يونس ولم يشك وما روي عن الأحنف هنا من قراءة سورة في الركعة الأخيرة قبل السورة المقروءة في الأولى مكروه في مشهور مذهب مالك وعند أبي حنيفة وأحمد وكأنهم نظروا إلى أن رعاية الترتيب العثماني مستحبة واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، أو باجتهاد منهم. قال القاضي أبو بكر الباقلاني: الثاني الصحيح. وأما ترتيب الآي فتوقيفي اتفاقًا.
وهذا التعليق وصله جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له وأبو نعيم في المستخرج وقد مرّ الأحنف في الرابع والعشرين من الإيمان وفيه ذكر عمر وقد مرّ محله الآن. ثم قال: وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الأنفال وقرأ في الثانية بسورة من المفصل وهذا مطابق للجزء الأخير من الترجمة وهو قوله بأول سورة ويجاب عن كون هذه الرواية لا تدل على أنه قرأ من أول الأنفال بأنه في رواية عبد الرزاق من وجه آخر بلفظ فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم النصير. وهذا الموضع هو رأس أربعين آية، فالروايتان متفقتان وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين من أولها فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل. قال ابن التين: إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر، أو أبن مسعود لم يأت البخاري بدليل على ذلك وفاته ما قدمناه عند الترجمة من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة.
وهذا التعليق وصله عبد الرزاق بلفظه عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه وابن مسعود مرّ في أثر في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه. ثم قال: وقال قتادة فيمن يقرأ بسورة واحدة يفرقها في ركعتين أو يردد سورة واحدة في ركعتين كلٌّ كتاب الله وصله عبد الرزاق. وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به وإنما أراد البخاري منه قوله: كل كتاب الله فإنه يستنبط منه جواز جميع ما ذكر في الترجمة وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره المصنف في الترجمة قال ابن رشيد: لعله لا يقول به لما روي فيه من الكراهة عن بعض العلماء وفيه نظر؛ لأنه لا يراعى هذا القدر إذا
صح له الدليل. وذكر هنا في هذا التعليق صورتين إحداهما أن يقرأ سورة واحده في ركعتين بأن يفرِّق السورة فيهما والثانية أن يكرر سورة واحده في ركعتين بأن يقرأ في الركعة الثانية السورة التي قرأ في الأولى أما الصورة الأولى فلما روى النسائي عن عائشة رضي اله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين وروى ابن أبى شيبة عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في ركعتين وعن أبى بكر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ بالبقرة في الفجر في الركعتين وقرأ عمر رضي الله تعالى عنه في الركعتين الأوليين من العشاء قطعهما فيهما، وأما الصورة الثانية فلما روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلًا من جهينة أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدًا، قال ابن المنير: ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر لكل سورة حظها من الركوع والسجود قال: ولا تقسم السورة في ركعتين ولا يقتصر على بعضها ويترك البعض ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف قال: فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته بل هو خلاف الأولى قال: وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك لأنه محمول على بيان الجواز وقد مرّ عند التعليق الأول من هذا الباب ما استدل به على كراهة تفريق السورة بين ركعتين.
قال ابن المنير: والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين، وقال في "الفتح": نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك أي: الجمع بين سورتين مستحب وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى هو مذهب الشافعي أيضًا وقالت الحنفية: إذا كرر سورة في ركعتين لا يكره، وقيل يكره، وفي "المبسوط" لا ينبغي أن يفعل وإن فعل فلا بأس به والأفضل أن يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة كاملة في المكتوية. وقد قال الشعبي وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبو العالية رفيع بن مهران: أنه لا ينبغي للرجل أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة مع فاتحة الكتاب، واحتج القائلون بالكراهة بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن لبيبة قال: قلت لابن عمر: أو قيل لابن عمر: إني قرأت المفصل في ركعة قال: أفعلتموها إن الله تعالى لو شاء لأنزله جملة واحدة فأعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود.
وأخرجه الطحاوي أيضًا عن ابن لبيبة ولفظه: إن الله تبارك وتعالى لو شاء لأنزله جملة واحدة ولكن فصّله ليعطى كل سورة حظها من الركوع والسجود وأجيب عن هذا بأن حديث الرجل الأنصاري وحديث ابن مسعود الآتيين قريبًا وحديث عائشة وحذيفة نخالف هذا وإذا ثبتت المخالفة يصار إلى أحاديث هؤلاء لقوتها واستقامة طرقها. أما حديث عائشة فرواه الطحاوي عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن السورة؟ قالت: المفصل أي: نعم يقرن المفصل. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا في مصنفه. وأما حديث حذيفة أخرجه النسائي عن صلة بن زفر عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة الحديث. وأخرجه الطحاوي وقد مرَّ قتادة في السادس من الإيمان.