الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والأربعون
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
قوله: "قرأت المفصل، قد مرّ في باب إذا طول الإِمام الخ حقيقة المفصل وما قيل فيه، ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم في أول حديثه عن أبي وائل قال: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف من ماء غير آسن، أو غير ياسين؟ فقال عبد الله: كل القرآن أحصيت غير هذا؟ قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة.
وقوله: هَذّا كهذ الشعر بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة أي: سردًا وإفراطًا في السرعة وهو منصوب على المصدر وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام وير ثابتة عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر وزاد فيه مسلم أن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وزاد أحمد وإسحاق عن الأعمش فيه ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع وهو في رواية مسلم دون قوله: نفع. قال المهلب: إنما أنكر عليه عدم التدبر وترك الترسل لا جواز الفعل.
وقوله: "لقد عرفت النظائر" جمع نظيرة وهي السور التي يشبه بعضها بعضًا في الطول والقصر. وقيل المراد المماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم، أو القصص لا المماثلة في عدد الآي كما سيظهر عند تعيينها.
قال المحب الطبري: كنت أظن أن المراد تساويها في العد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئًا متساويًا قلت: ما رجح به العيني المعنى الأول غير ظاهر؛ لأنه تقارب لا تساو والحديث إنما فيه النظائر، وهي المتساويات لا المتقاربات فتأمله.
وقوله: "يقرُن" أي: بضم الراء وكسرها وقوله: "عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حم في كل ركعة" وفي فضائل القرآن عن أبي وائل ثماني عثرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم وإنما سمعه أبو وائل عن علقمة عن عبد الله، وقال علقمة على تأليف ابن مسعود آخرهن حم الدخان
وعم يتساءلون، ولابن خزيمة عن الأعمش مثله، وزاد فيه فقال الأعمش: أولهن الرحمن وآخرهن الدخان، ثم سردها كما سردها أبو داود فقال بعد قوله: كان يقرأ النظائر السورتين في كل ركعة الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة هذا لفظ أبي داود. ولابن خزيمة مثله إلا أنه لم يقل في ركعة في شيء منها وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران.
وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل وسورتين من آل حم مشكل؛ لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب، أو فيه حذف كأنه قال: وسورتين إحداهما من آل حم وكذا قوله: آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون مشكل؛ لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات، وأما عمّ فهي في رواية أبي خالد الأحمر عند ابن خزيمة الثامنة عشرة وفي رواية أبي إسحاق عند أبي داود السابعة عشرة فكان فيه تجوز لأن عمّ وقعت في الركعتين في الجملة ويتبين بهذا أن في قوله: في حديث الباب عشرين سورة من المفصل تجوزًا لأن الدخان ليست منه ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما مرَّ في المحل المذكور آنفًا، وفيه من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني القراءة ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر، لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرًا، وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها وقد مرّ الكلام على هذا في باب القراءة في الظهر.
وهذا الحديث أوّل حديث موصول أورده في هذا الباب، فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه، وفيه ما ترجم له، وهو الجمع بين السور؛ لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدًا لعدم الفرق. وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور؟ قالت: نعم من المفصل. ولا يخالف هذا ما يأتي في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال لأنه يحمل على النادر، وقال عياض: حديث ابن مسعود هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبًا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر، والترتيل، وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة، وغيرها في ركعة فكان نادرًا. قال في "الفتح": لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعنيات إذا قرأ من المفصل قلت: لفظة كان المذكورة في الحديث مما يدل على الدوام والاستمرار فتغير ما قاله عياض. فلعل صاحب "الفتح" غفل عن ذلك، وفيه موافقة لقول عائشة، وابن عباس أن صلاته بالليل كانت عشر ركعات غير الوتر، وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر الباقلاني المار: إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان وسيأتي ذلك في باب