الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر والمئة
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ" جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا" ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَاّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ. فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ.
قوله: "جاء الفقراء" سمّي في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري أخرجه أبو داود وجعفر الفريابي في كتاب "الذكر" له عن أبي ذرٍ نفسه، وسمي منهم أبو الدرداء عند النَّسائيّ وغيره من طرق عنه ولمسلم من رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنهم قالوا:"يا رسول الله" فذكر الحديث، والظاهر أن أبا هريرة منهم وفي رواية النَّسائيّ عن زيد بن ثابت قال:"أمرنا أن نسبّح" الحديث كما سيأتي لفظه. وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت كان منهم ولا يعارضه قوله في رواية ابن عجلان عن سمي عند مسلم "جاء فقراء المهاجرين" لكن زيد بن ثابت أنصاري من الأنصار لاحتمال التغليب، والمذكورون قد مرّوا مرَّ أبو ذرٍّ الغفاري في الثالث والعشرين من الإِيمان، ومرّ أبو الدرداء في باب "مَنْ حمل معه الماء لطهوره"، ومرّ أبو هريرة في الثاني من الإِيمان، ومرّ زيد بن ثابت في تعليق بعد الثاني والعشرين من كتاب الصلاة.
وقوله: "الدُثور" بضم المهملة والمثلثة جمع دَثْر بفتح ثم سكون وهو المال العظيم، ومن في قوله من الأموال للبيان وعند الخطابي:"ذهب أهل الدور من الأموال". وقال كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور. وذكر صاحب "المطالع" من رواية أبي زيد المروزي أيضًا الدور.
وقوله: "بالدرجات العُلا بضم العين جمع العلياء تأنيث الأعلى يحتمل أن تكون حسيّة، والمراد درجات الجنات أو معنوية والمراد علو القدر عند الله تعالى. قلت: المعنوية لازمة عليها الحسيّة.
وقوله: "والنعيم المقيم" وصفه بالإِقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قلَّ ما يصفو وإن صفا فهو بصدد الزوال. وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة:"ذهب أصحاب الدثور بالأجور" وكذا لمسلم عن أبي ذرٍّ، وزاد المصنف في "الدعوات" من رواية ورقاء عن سمي قال: كيف ذلك؟ ونحوه لمسلم من رواية ابن عجلان عن سمي. وقوله: "ويصومون كما نصوم" زاد في حديث أبي الدرداء المذكور "ويذكرون كما نذكر"، وللبزار عن ابن عمر "صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا".
وقوله: "ولهم فضل أموال" كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الأصيلي "فضل الأموال" وللكشميهنيّ "فضل من أموال". وقوله: "ويحجون" أي: ولا نحج يشكل عليه ما في رواية جعفر الفريابي عن أبي الدرداء: "ويحجون كما نحج". ونظيره ما وقع هنا "ويجاهدون وفي الدعوات" من رواية ورقاء عن سمي: "وجاهدوا كما جاهدنا" لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي، فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع، فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبًا ويمكن أن يقال مثله في الحج، ويحتمل أن يقرأ "يُحجون" بها بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال.
وقوله: "ويتصدقون" عند مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي: "يتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق". وقوله: فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به" في رواية الأصيلي بأمر "إن أخذتم به"، وكذا للإسماعيلي. وسقط قوله بما من أكثر الروايات وكذا قوله به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى. وفي رواية مسلم: "أفلا أعلمكم شيئًا"، وفي رواية أبي داود فقال: "يا أبا ذر ألا أعلمك كلماتٍ تقولُهنَّ".
وقوله: "أدركتم من سبقكم" أي: من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة، والسبقية هنا تحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسيّة. قال الشيخ تقي الدين والأول أقرب، قلت: قد مرّ أن المعنوية تستلزم الحسيّة، وسقط قوله من سبقكم من رواية الأصيلي. وقوله:"وكنتم خير من أنتم بين ظهرانَيهم" بفتح النون وسكون التحتانية، وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالإفراد وكذا للإسماعيلي. وعند مسلم "ولا يكون أحد أفضل منكم" قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإِدراك ظاهره المساواة، وهذا ظاهره الأفضلية. قلت: هذا اللفظ لا يقتضي الأفضلية تعيينًا، بل يحتمل المساواة والأفضلية وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة، فقد يدرك ثم يفوق، وعلى هذا، فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال ويحتمل أن يقال الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك، وكذا قوله:"إلا من عمل مثل عملكم" أي: من الفقراء فقال الذكر أو من الأغنياء فتصدق، أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة، فيكون كل من الصنفين خيرًا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة، ويشهد له قوله في حديث ابن عمر عند البزار أدركتم مثل فضلهم. ولمسلم عن أبي ذرٍّ: "أوليس قد جعلَ لكم ما تتصدقون أنّ بكلِّ تسبيحةٍ
صدقة، وبكلِّ تكبيرةٍ صدقة" الحديث واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه. وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة.
وقوله: "تسبّحون وتحمّدون وتكبّرون" كذا وقع في أكثر الروايات تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير، وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه أيضًا قول أبي صالح يقول:"الله أكبر وسبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ"، ومثله لأبي داود من حديث أُم الحكم. وله من حديث أبي هريرة "تكبّر وتحمّد وتسبّح" وكذا في حديث ابن عمر وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديثه:"الباقياتُ الصالحاتُ لا يضرّكَ بأيهِنَّ بدأتَ" لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح؛ لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد؛ لأنه يتضمن إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر، ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك.
وقوله: "خلف كل صلاة" هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله: "دُبُر كل صلاة" ولجعفر الفريابي عن أبي ذرٍّ "إثر كل صلاة" ورواية "دبر" بضمتين قال الأزهري: "دُبُر الأمر" بضمتين، و"دَبْره" بفتح ثم سكون، وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة، ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دُبُر.
وقوله: "كل صلاة" يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا فهل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فصلًا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل اختلاف بين العلماء فمقتضى الحديث أن الذكر المذكور يكون عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي، فلا يضر. وتقديم الذكر المأثور قبل النافلة هو الذي عليه الجمهور.
وعند الحنفية يبدأ بالتطوع ويكره عندهم تأخيره عن أداء الفريضة فيتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينًا أو شمالًا، وعن الحلواني من الحنفية جواز تأخير السنن بعد المكتوبة والنص: أن التأخير مكروه، وحجة الجمهور في تقديمه تقييده في الأخبار الصحيحة بدُبُر الصلاة، وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدُبُر الصلاة ما قبل السلام، وتعقب بحديث:"ذهب أهل الدثور" فإن فيه تسبّحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزمًا فكذلك ما شابهه. واستدلوا أيضًا بما أخرجه مسلم عن السائب بن يزيد: "أنه صلَّى مع معاويةَ الجمعةَ فتنفَّلَ بعدها، فقال له معاويةُ: إذا صلَّيتَ الجمعةَ فلا تصلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرجَ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلكَ أنْ لا نوصل صلاة حتى نتكلَم أو نخرج". وقال البعض يمكن أن يقال لا يتعيّن الفصل بين الفريضة والنافلة بالذَّكر، بل إذا تنحى من
مكانه كفى، فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي قلنا قد ثبت في حديث معاوية أو تخرج ونصت المالكية على أنه يكره للمصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا القيام للنافلة بعد السلام من غير فصل بالمعقبات وآية الكرسي. واحتجوا بما ورد:"أن رجلًا قامَ يتنفلُ بعدَ الفريضةِ غيرَ فصلٍ فَأمسكَ عمرَ بيدهِ وجذبَهُ بالأرض، وقالَ لهُ: ما أهْلَكَ مَنْ كان قبلَكُم مِنَ الأُمم إلا أنهُم كانوا لا يفصلُونَ بين الفرضِ والنفلِ، فقاَل له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أصبتَ يا عمرُ، أصابَ اللهُ بك".
وقوله: "ثلاثًا وثلاثين" يحتمل أن يكون المجموع للجميع، فإذا وزع كان بكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم عنه، لكنه لم يتابع على ذلك وليس في شيء من الطرق التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار وإسناده ضعيف، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف وهو خلف ومفعول مطلق، وهو ثلاثًا وثلاثين والتقدير (تسبّحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمّدون كذلك، وتكبّرون كذلك).
وقوله: "فاختلفنا بيننا" ظاهره أن أبا هريرة هو القائل. وكذا قوله: "فرجعت إليه" وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا، فالخلاف واقع بين الصحابة لكن بين مسلم عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه قال سمي: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث فقال: وهمت. فذكر كلامه قال: فرجعت إلى أبي صالح لكن مسلم لم يوصل هذه الزيادة، وتبين بهذا أن في حديث عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجًا. ورواه ابن حِبّان عن معتمر بن سليمان بالإسناد المذكور، فلم يذكر قوله:"فاختلفنا" إلخ.
وقوله: "ونكبّر أربعًا وثلاثين" هذا قول بعض أهل سمي كما مرّ التنبيه عليه من رواية مسلم. وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة، وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النَّسائيّ وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي، ومثله لمسلم عن كعب بن عجرة، ونحوه لابن ماجه عن أبي ذرٍّ، لكن شك بعض رواته في أنهنّ أربع وثلاثون، ويخالف هذا ما عند أبي داود من رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة ففيه:"وتختم المائةَ بلا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ" إلخ. وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ومثله لأبي داود عن أُم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذرٍّ. قال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبّر أربعًا وثلاثين ويقول معها: "لا إله إلا الله وحده" إلخ. وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بزيادة لا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث.
وقوله: "حتى يكون منهنّ كلهنّ" بكسر اللام تأكيد للضمير المجرور. وقوله: "ثلاث وثلاثون" بالرفع وهو اسم كان. وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثًا وثلاثين وتوجه بأن اسم كان محذوف والتقدير: (حتى يكون العدد منهنّ كلهنّ ثلاثًا وثلاثين). وفي قوله: "منهنّ كلهنّ"
الاحتمال السابق هل العدد للجميع والمجموع. وفي رواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، لكن يقول ذلك مجموعًا وهذا اختيار أبي صالح، لكن الرواية الثانية عن غيره الإفراد قال عياض: وهو أولى، ورجح بعضهم الجمع للإتيان فيه بواو العطف، والذي يظهر أن كلًا من الأمرين حسن إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث. وفي رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في "الدعوات" في هذا الحديث:"تسبّحون عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبّرون عشرًا" وليس في شيء من طرق حديث أبي هريرة من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره، ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع، ثم ألغى الكسر ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولرواية العشر شواهد منها عن علي عند أحمد وعن سعد بن أبي وقاص عند النَّسائيّ، وعن عبد الله بن عمرو عنده، وعند أبي داود والترمذِيّ، وعن أُم سلمة عند البزار، وعن أُم مالك الأنصارية عند الطبراني.
ويجمع بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أولها عشرًا عشرًا، ثم إحدى عشرةَ إحدى عشرةَ، ثم ثلاثًا وثلاثين، ثلاثًا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال. وقد جاء عن زيد بن ثابت وابن عمر أنه "عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يقولوا كلَّ ذِكرٍ منها خمسًا وعشرينَ، ويزيدوا فيها لا إلهَ إلَاّ اللهُ خمسًا وعشرينَ". ولفظ زيد بن ثابت "أُمرنا أن نسبِّحَ في دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ ونحمدَ ثلاثًا وثلاثينَ ونكبِّرَ أربعًا وثلاثينَ، فأتي رجلٌ في المنام فقيلَ لهُ أَمرَكم محمدٌ أنْ تسبِّحُوا فذكرهُ قال: نعم، قال: اجعلُوها خمسًا وعشرينَ، واجعلوا فيها التهليلَ، فلّما أَصبحَ أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأخبَرهُ. فقال: فافعلُوه". أخرجه النَّسائي وابن خزيمة وابن حِبّان. ولفظ ابن عمر: "رأى رجلٌ منَ الأنصارِ فيما يرى النائمُ فذكَر نحوَهُ، وفيه فقيل له: سبِّحْ خمسًا وعشرينَ، واحمدْ خمسًا وعشرينَ وكبِّرْ خمسًا وعشرينَ وهللْ خمسًا وعشرينَ فتلكَ مائةٌ فأمرهمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما قال" أخرجه النَّسائيّ وجعفر الفريابي. واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة، وإلا لكان يمكن أن يقال لهم أضيفوا لها التهليل ثلاثًا وثلاثين. وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذِكر عقب الصلواتِ إذا رتب عليها ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد.
قال الحافظ زين الدين العراقي: وفيه نظر؛ لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به، فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله؟ ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال العراقي، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلًا، فرتبه هو على مائة مثلًا فيتجه القول الماضي. وقد قال العراقي في "القواعد" من البِدع المكروهة الزيادة في