الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حدّثنا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لَا أَطْعَمَتْهَا، وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ. قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ.
قوله: صلّى صلاة الكسوف: اختلف العلماء في الكسوف والخسوف هل هما مترادفان أم لا؟ قال البخاري في أبواب الكسوف: باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟ قال الزين بن المنير: أتي بلفظ الاستفهام اشعارًا منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء ولعلّه أشار به إلى ما رواه سعيد بن منصور عن عروة: لا تقولوا كسفت الشمس، ولكن قولوا خسفت، هو صحيح موقوف. وأخرجه مسلم عن يحيى.
لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.
وقال ثعلب: إنه أفصح، وقيل: إنه يتعين ذلك، وحكى عياض عن بعضهم عكسهُ وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن في قوله تعالى:{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وقيل: يقال بهما في كل منهما، وبه جاءت الأحاديث. ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف: التغير إلى سواد، والخسوف: النقصان أو الزوال، فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنها تتغير، ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان، والمراد به في كل منهما ذهاب ضوئه كله أو بعضه. وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء
في الانتهاء. وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه. وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف لتغيره.
ومشروعيتها أمرٌ متفق عليه، لكن اختلف في الحكم وفي الصفة. فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرّح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وحكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، وأوجبها بعض الحنفية. قالوا للأمر بها في حديث: فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وقد دلّ عليها الكتاب في قوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} والكسوف آية من آيات الله يخوّف الله به عباده، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى قريبًا.
وأمّا صفتها فهي عند الجمهور على ما هو مصرّح به في حديث الباب من زيادة قيامين وركوعين، وقد وافقت عائشة أسماء فيما يأتي في أبواب الكسوف، وكذلك عبد الله بن عباس وابن عمر فيما اتفقا عليه، وكذلك جابر عند مسلم، وعلي عند أحمد، وأبو هريرة عند النَّسائي، وابن عمر عند البزّار، وأم سفيان عند الطبراني. ففي رواياتهم زيادة رواها الحفّاظ الثقات، فالأخذ بها أولى من إلغائها، وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا.
وقالت الحنفية إنها كهيئة النافلة بغير أذان ولا إقامة مثل: صلاة الفجر والجمعة في كل ركعة ركوع واحد. وبه قال النخعي والثوري وابن أبي ليلى وغيرهم. واحتجّوا بما أخرجه أبو داود والنَّسائي والترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عمر. وقال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع، ثم ركع، فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. وبما أخرجه النسائي وأحمد والحاكم، وقال على شرطهما عن النعمان بن بشير قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خسفت الشمس والقمر فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة.
ورواه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه بلفظ: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يصلّي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت، لكن قال البيهقي أنه مرسل لأنه عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير وأبو قلابة لم يسمع من النعمان وصرّح في الكمال بأنه سمع منه.
وقال ابن حزم: أبو قلابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه، وصرّح ابن عبد البر بصحّة هذا الحديث، وقال: من أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان، وتأوّله بعضهم بأن قوله في ركعتين أي: ركوعين، وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن: خسف القمر وابن عبّاس بالبصرة، فصلّى ركعتين: في كل ركعة ركوعان. أخرجه الشافعي.
وتحتمل أن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كلّما ركع ركعة أرسل رجلًا ينظر هل انجلت، فتعين الاحتمال المذكور، وإن ثبت تعدد القصة زال الأشكال أصلًا، واستدلّوا أيضًا بما أخرجه البخاري عن أبي بكرة قال:
خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس فصلّى ركعتين، فانجلت الشمس.
وأجيب عن هذا: بأن النَّسائي زاد فيه كما تصلّون، فحمله ابن حبّان والبيهقي على أن المعنى كما تصلّون في الكسوف؛ لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عبّاس علّمهم أنها ركعتان: في كل ركعة ركوعان، كما روى ذلك الشافعي وابن شيبة وغيرهما، ويؤيد هذا أن في رواية يونس الآتية في الكسوف أن ذلك وقع يوم موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله، وقال فيه أن في كل ركعة ركوعين، فدل ذلك على اتحاد القصة، وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة.
وفي رواية جابر زيادة بيان صفة الركوع والأخذ بها، وعند ابن خزيمة عن عائشة أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام، وفي حديثها كما مرَّ أن في كل ركعة ركوعين.
وقد قال الطحاوي أن قول أصحابه أجري على القياس في صلاة النافلة. واعترض هذا بأن القياس مع وجود النص يضمحل، وبأن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعًا؛ لأنها أصل برأسها، وبأنها أيضًا أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيد بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة.
فلذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالأخذ به جامع بين العمل بالنصّ والقياس، بخلاف من لم يعمل به.
وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى. فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات، وبه قال قتادة وعطاء وإسحاق وابن المنذر، وعند مسلم من وجه آخر عن ابن عبّاس أنّ في كل ركعة أربع ركوعات، وبه قال طاووس، وحبيب بن أبي ثابت، وابن جريج، ولأبي داود عن أبيّ بن كعب والبزار عن علي أن في كل ركعة خمس ركوعات، ولا يخلو إسناد منها.
ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدّون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطًا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن ردّ بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام.
وإذا اتّحدت القصة تعين الأخذ بالراجح، وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة، وأن الكسوف وقع مرارًا، فيكون كل من هذه الأوجه جائزًا. وإلى هذا نحا إسحاق، لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات.
وقال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية: يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك، وهو من الاختلاف المباح، وقوّاه النووي في شرح مسلم، وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه. فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة. وحين أبطأ زاد ركوعًا، وحين زاد في الإبطاء زاد ثالثًا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى.
وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال، وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى، وأمّا الثانية فهي تبع لها. فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء، يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما.
ومن ثم قال أصبغ من المالكية: إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلّي الثانية كالعادة، وعلى هذا يدخل المصلّي فيها على نية مطلق الصلاة، ويزيد في الركوع بحسب الكسوف، ولا مانع من ذلك، والقول الثاني عند المالكية أنه يتمّها على هيئتها.
وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا؟ فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرّة أو مرتين أو مرارًا، فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعاً زائدًا وتعقّب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين، ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل، ولاسيّما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة، فكل ذلك يرد هذا العمل ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراجٌ لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه إثبات هيئة في الصلاة لا عهد لها، وهذا هو ما فسرّ منه.
وقد اختلف في الجهر فيها والإصرار أيهما أفضل؟ فقد وردت طرق كثيرة يعضد بعضها بعضًا، يفيد مجموعها الجزم بالجهر، وورد الجهر عن علي مرفوعاً وموقوفًا. أخرجه ابن خزيمة وغيره، وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من محدثي الشافعية، وابن العربي من المالكية.
وقال الطبري: يخيّر بين الجهر والإسرار. وقال الأئمة الثلاثة: يسرّ في الشمس ويجهر في القمر، واحتجوا بقول ابن عبّاس عند البخاري: قرأ نحوًا من سورة البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى الحزر، وتعقْب بأنه يحتمل أن يكون بعيدًا منه.
لكن ذكر الشافعي تعليقًا عن ابن عبّاس أنه صلّى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع حرفًا منه، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائد، فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك ليان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة، والترمذي لم يسمع له صوتًا أنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر.
قال ابن العربي: الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها وتخطب، فأشبهت العيد والاستسقاء.
والمحل الذي تصلّى فيه: قالت الحنفية: تصلّى في المسجد الجامع، أو في مصلّى. وقالت المالكية والشافعية والحنابلة: السنّة في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فيه، ولأن وقت الكسوف يضيق عن الخروج إلى المصلّى.
وقوله: فأطال القيام. وفي رواية ابن شهاب في حديث عائشة الآتي في الكسوف فقرأ قراءة طويلة، وفي آخر الصلاة عنه من وجه آخر فقرأ سورة طويلة. وفي حديث ابن عبّاس في الكسوف: فقرأ نحواً من سورة البقرة في الركعة الأولى، ونحوه لأبي داود عن عروة، وزاد فيه أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوًا من آل عمران.
وقوله: ثم قام فأطال القيام في رواية ابن شهاب. ثم قال سمع الله لمن حمده وزاد من وجه آخر عنه في آخر الكسوف ربنا ولك الحمد، واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة، واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال، بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه، وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه.
وأجيب بما مرَّ في الرد على الحنفية من أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة، فلا مدخل للقياس فيها .. الخ، وقوله فأطال الركوع قال في الفتح: لم أر في شيء من الطرق بيان ما قال فيه، إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة، وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما، ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع السجود بعده، ولا تطويل الجلوس بين السجدتين.
وقد جاء في حديث جابر عن مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود ولفظه: ثم ركع فأطال، ثم سجد. وقال النووي: هي رواية شاذّة مخالفة، فلا يعمل بها، أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع، وتعقب بما رواه النَّسائي واين خزيمة وغيرهما عن عبد الله بن عمر، وأيضًا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ثم ريع فأطال حتّى قيل لا يسجد، ثم سجد فأطال حتّى قيل لا يرفع، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد، واللفظ لابن خزيمة عن الثوري عن عطاء بن السائب، والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط، فالحديث صحيح.
قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام، وإلا فهو محجوج بهذه الرواية. قلت: الرواية إذا لم يثبت أخْذُ أحد من العلماء بها لا تكون ردًا عليه لأن الاتفاق اتفاق العلماء لا اتفاق روايات الحديث. ولم أر من أخذ بها، بل حكت المالكية الإجماع على ترك إطالته أيضًا.
وقوله: فأطال السجود، كل الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع، وأبدى بعض المالكية فيه بحثًا فقال: لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد
الإطالة في الركوع، وكأنه غفل عمّا رواه مسلم عن جابر بلفظ: وسجوده نحو من ركوعه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي. وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي.
وتعقّبه صاحب المهذب بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي، وردّ عليه في الأمرين معًا، فإن الشافعي نصّ عليه في البويطي ولفظه: ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوًا مما قام في ركوعه.
وقد مرّ في حديث جابر قريبًا، وقوله ثم انصرف أي: من الصلاة. وفي رواية عائشة الآتية في الكسوف: ثم انصرف وقد تجلّت الشمس، فخطب النّاس، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا. وفي رواية أبي مسعود الآتية فيه: فإذا رايتموها فقدموا فصلّوا. وفي رواية أبي بكرة فيه: ولكن الله يخوّف بهما عباده.
وها أنا أتكلم على الزيادات حصرًا للكلام في محل واحد. قوله: وقد تجلّت الشمس في رواية ابن شهاب: انجلت الشمس، قبل أن ينصرف. وللنسائي ثم تشهّد وسلّم. وقوله: فخطب الناس فيه مشروعية الخطبة لكسوف، والعجب أن مالكًا روى هذا الحديث عن هشام وفيه التصريح بالخطبة، ولم يقل به أصحابه. وقد اختلف فيها فاستحبّها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث، وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحمد ذلك.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل، وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه، وهي ذات كثرة. والمشهور عن المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكًا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة. وأجاب بعضهم بأنه عليه الصلاة والسلام لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنّما أراد أن يبيّن لهم الردّ على من زعم أن الكسوف لموت بعض الناس.
وتعقّب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث. فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف. والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل.
واستضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور. وقال إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.
وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسّي بالنبيّ عليه الصلاة والسلام. فيذكر ذلك الإِمام في خطبة الكسوف.
نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبة الجمعة والعيدين، إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك. وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته، وردّ على من أنكر أصل الخطبة
لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث. وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع.
قلت: الجواب الحق عن مالك في تركه الخطبة بعد صلاة الكسوف وجعله بدل الخطبة وعظًا غير منظّم على هيئة الخطبة مع روايته لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المصرّح فيه بلفظ الخطبة هو: أنه لما رأى جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي والنعمان بن بشير وابن عبّاس وأبو هريرة وغيرهم نقلوا صفة صلاة الكسوف ولم يذكر أحد منهم أنه عليه الصلاة والسلام خطب فيها، ولا يجوز أن يكون خطب وأغفل هؤلاء كلّهم ذلك مع نقل كل واحد منهم ما تعلق بتلك الحال، مع أنه لم ينقل عن عائشة ولا غيرها صفة لها كخطبة الجمعة والعيدين كما مرّ، فوجب حمل تسمية عائشة رضي الله تعالى عنها لها خطبة أو غيرها ممن نقل عنه ذلك على المجاز لكونه أتى بكلام منظوم فيه حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الخطبة، فلذلك سمّتها خطبة.
ولعلّ مالكًا أدرك عمل المدنية على ما ذكر من الوعظ، فحمل الخطبة المذكورة في الحديث الذي روي على ذلك، وعمل أهل المدنية عنده كما مرَّ كالمتواتر. واستدل بقوله: فخطب بعد قوله. وقد تجلّت من قال بالخطبة على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف انجلت قبل أن يشرع في الصلاة، فإنه يسقط الصلاة والخطبة.
وقد مرّ حكم ما إذا انجلت في أثنائها عند المالكية. وظاهر كلام صاحب الفتح أنه يتمّها عندهم على الهيئة المذكورة.
وقوله: آيتان من آيات الله أي: علامتان من آيات الله الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} وقد قال في الرواية المتقدمة: يخوّفُ الله بهما عباده. وفي قوله يخوّف الله بهما عباده ردٌ على من زعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمدّ في البحر.
وقد ردّ ذلك عليهم ابن العربي وغيره من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي في الكسوف حيث قال: فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة. قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف.
وممّا نقض ابن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة، وإنما يجول القمر بينهما وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين. فقال: هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا
سيّما وهو من جنسه، وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفًا.
وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره سبب آخر للكسوف غير ما يزعمه أهل الهيئة، وهو ما أخرجه أحمد والنَّسائي وابن ماجه وصحّحه ابن خزيمة والحاكم بلفظ أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله وأن الله إذا تجلّى لشيء من خلقه خشع له، وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال: إنها لم تثبت، فيجب تكذيب ناقلها ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلًا من أصول الشريعة.
قال ابن بزيزة: هذا عجيب منه، كيف يسلّم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة مع أنّها مبنية على أن العالم كرويّ الشكل، وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك، والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء. والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب.
والحديث الذي ردّه الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضًا لأن النورية والاضاءة من عالم الجمال الحسّي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيّده قوله تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} ويؤيد هذا الحديث ما روي عن طاووس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى، حتّى كاد أن يموت. وقال: هي أخوف لله منّا.
وقال ابن دقيق العيد: ربّما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} وليس بشيء، لأن لله أفعالًا على حسب العادة، وأفعالًا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض. وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن تكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها، وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقًا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد الله تعالى (1).
وقوله: لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته قد جاء في رواية عبد الوارث الآتية في الكسوف بيان سبب هذا القول ولفظه: أن ابنًا للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له إبراهيم مات، فقال الناس في ذلك.
وفي رواية مبارك بن فضالة عند ابن حبّان، فقال الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم. ولأحمد والنَّسائي وابن ماجه وصحّحه ابن خزيمة وابن حبّان عن النعمان بن بشير قال: انكسفت
(1) يقول مصححه: ثبت علميًا قطعياً صحة قول الفلكيين في معرفة أوقات الكسوف والخسوف سلفًا. فقول ابن دقبق العيد والغزالى هو الأقرب للصواب، والله أعلم.
الشمس على عهد رسول صلى الله عليه وسلم فخرج فزعًا يجر ثوبه حتّى أتى المسجد، فلم يزل يصلّي حتى انجلت، فلمّا انجلت قال: إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك. الحديث.
واستشكل قوله: ولا لحياته بأن السياق إنما ورد في حقّ من ظنّ ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة. والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهّم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد، فعمّم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض. وهو كقوله الآتي في الاستسقاء. يقولون مطرنا بنوء كذا.
قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغيّر في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخّران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما. وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمّته وشدة الخوف من ربّه.
وقوله: فقوموا فصلّوا استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين؛ لأن الصلاة علّقت برؤيته، وهي ممكنة في كل وقت من النهار، وبهذا قال الشافعي ومن تبعه، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أنها لا تصلّى في أوقات الكراهة، وابتداؤها عندهم من حل النفل وآخرها عند مالك الزوال. وإذا طلعت مكسوفة لا يصلّى حتى يدخل وقت الجواز.
واحتجت الشافعية بأن المقصود لإيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء. وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود.
واعترفوا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلّها إلَاّ ضحى ولكن قالوا: إن ذلك وقع اتفاقًا ولا يدل على منع ما عداه، واحتج الباقون بما رواه ابن عبد البر في الاستنكار عن الليث بن سعد قال: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وعلى الموسم سليمان بن هشام، وبمكة شرّفها الله تعالى عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن شعيب، وأيوب بن موسى، وكسفت الشمس بعد فقاموا قيامًا يدعون الله في المسجد فقلت لأيوب: مالهم لا يصلّون؟! فقال: النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر، فلذلك لا يصلّون، إنّما يذكرون حتى تنجلي الشمس.
وقال إسحاق: يصلّون بعد العصر ما لم تصفرّ الشمس، وبعد صلاة الصبح، ولا يصلّون في الأوقات الثلاثة، فلو كسفت عند الغروب لم يصلّ إجماعًا. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم من المبادرة بالصلاة. وسائر ما ذكر عند الكسوف من صدقة وذكر وعتق وفيه تقديم الإِمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة والرد على من زعم أن للكواكب
تاثيرًا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر. فكيف بما دونهما؟ وفيه بيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها.
ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيمة وصورة عقاب من لم يذنب والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرَّجاء لوقوع الكسوف بالكوكب. ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربّه على رجاء وخوف. وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي من يعبد الشمس أو القمر. وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغير والنقص المنزّه عنه المعبود جلّ وعلا.
وقوله: دنت منيّ الجنة .. الخ، مرّ الكلام عليه مستوفى في باب كفران العشير من كتاب الإيمان.
وقوله: أنا أوَ أنا معهم؟ كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة على مقدر. وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة.
وقوله: فإذا امرأة. وفي رواية ابن عمر عند المصنّف في آخر بدء الخلق: دخلت امرأة النار في هرّة، والمرأة لم تسمّ، وفي رواية أنّها حميْرية. وفي أخرى أنّها من بني إسرائيل وكذا عند مسلم، ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى. وفي كتاب البعث للبيهقي ما يدلّ على ذلك. وأبداه عيّاض احتمالًا. وأغرب النووي فأنكره.
وقوله: حسبت أنه قال: تخدشها هرّة. قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث بينه الإسماعيلي، فالضمير في أنّه لابن أبي مليكة وتخدشها من الخدش، وهو خدش الجلد وقشره بعود ونحوه، وهو من باب ضرب.
وقوله في الرواية السابقة في هرّة أي: بسبب هرّة، فالفاء سببيّة. وفي رواية أبى هريرة عند مسلم من جَرّا هرّة وهو بمعناه، وجَرّا بفتح الجيم وتشديد الراء مقصور ويجوز فيه المدّ. والهرّة أنثى السنّور، والهرّ الذكر، ويجمع الهرّ على هررة، كقرد وقردة، وتجمع الهرّة على هرر، كقربة وقرب.
وفي حديث جابر الآتي في الكسوف: وعرضت عليّ النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها.
وقوله: لا هي أطعمتها: سقط لفظ هي من رواية الكشميهني والحموي.
وقوله: تأكل من خشيش أو خشاش كذا في هذه الرواية على الشك. وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول. وأنكر الخطابي رواية خشيش وضبطها بعضهم بضم أوّله على التصغير من