الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم استجيب لسعد إذا دعاك.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدّم أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول، ويأتي الكلام على ذلك في حديث أبي قتادة في الباب الذي بعد هذا لأنه هو المحل لذلك، وفيه جواز عزل الإِمام بعض عمّاله إذا شكي إليه، وان لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة. قال مالك: قد عزل عمر سعدًا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة. والذي يظهر أن عمر عزله حسمًا لحالة الفتنة. ففي رواية سيف قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقى من أمير مثل سعد لما عزلته. وقيل عزله إيثارًا لقربه منه لكونه من أهل الشورى. وقيل: لأن مذهب عمر أنه لا يستمر العامل أكثر من أربع سنين.
وقال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين، أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه وفيه استفسار العامل عما قيل فيه والسؤال عمّن شكى في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل لأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يسأل عنه في المسجد أهل ملازمة الصلاة فيها، وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممّن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال. وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوءه. وفيه الفرق بين الافتراء والقول الذي يقصد به دفع الضرر فيعزّر قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقّه منهم أو عفا عنهم، واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره، فإنه صار كالمنفرد بأذيته.
وقد جاء في الخبر: من دعا على ظالمه فقد انتصر. فلعلّه أراد الشفقة عليه بأن عجّل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه، وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة.
ويقال: إنّما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكان قد انتصر لصاحب الشريعة وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكنّه من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة، وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم، ومن الأول قول موسى عليه السلام:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} الآية، وفيه سلوك الورع في الدعاء.
رجاله أربعة:
قد مرّوا إلَاّ جابر، وفي ذكر سعد وه وابن أبي وقّاص وعمر وعمّار بن ياسر، وذكر أسامة بن قتادة. وفيه فأرسل معه رجلًا أو رجالًا بالإِبهام.
قد مرّ موسى بن إسماعيل المنقري، وأبو عوانة في الخامس من بدء الوحي، ومرّ عمر في الأول منه، ومرَّ سعد في العشرين من الإِيمان، ومرّ عمّار في التعليقال في بعده، ومرّ عبد الملك بن عمير في الحادي والثلاثين من أبواب الجماعة والإمامة، وأمّا جابر فهو ابن سمرة بن جنادة بن
جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة العامري السوائي يكنى أبا عبد الله. وقيل: أبا خالد حليف بني زهرة وأمّه خالدة بنت أبي وقّاص أخت سعد بن أبي وقاص له ولأبيه صحبة. أخرج له أصحاب الصحيح، أخرج الطبراني عنه قال: جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرّة، وفي الصحيح عنه: صلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي مرّة، نزل الكوفة وابتنى بها دارًا له مائة وستة وأربعون حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين منها. قوله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة وعليه حلّة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر فلهو في عيني أحسن من القمر. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: المستشار مؤتمن. روى عنه الشعبي وتميم بن طرفة، توفي بالكوفة في إمارة بشر بن مروان على العراق سنة أربع وسبعين، وقيل سنة ست وسبعين أيام المختار. وأمّا أسامة بن قتادة أبو سعدة المفتون بدعوة سعد بن أبي وقاص، فليس له من التعريف إلا أنه -أعوذ بالله- أصابته دعوة سعد. قال عبد الملك بن عمير كما عند الطبراني وأبي يعلى فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال: كبير فقير مفتون. وفي رواية إسحاق عن جرير: فافتقر وافتتن. وفي رواية سيف فعمي. واجتمع عنده عشر بنات، وكان إذا سمع بحس المرأة تعلق بها، فإذا أنكر عليه قال: دعوة المبارك سعد. وفي رواية ابن عيينة: ولا تكون فتنة إلا هو فيها، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها.
وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم، وكانت سنة ثلاث وثمانين، وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين.
والرجل أو الرجال الذين أرسل عمر رضي الله تعالى عنه قال: في الفتح ذكر الطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال: هو الذي كان يقتص آثار من شكي من العمّال في زمن عمر. وحكى ابن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم، وروى ابن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال: بعث عمر محمد بن مسلمة، وأمرني بالمسير معه، وكنت دليلًا بالبلاد، فذكر القصة، وها أنا أذكر تعريف الصحابين الأول: محمّد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عبد الرحمن المدني حليف بني عبد الأشهل. ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي وهو ممن سمّي في الجاهلية محمدًا. وقيل: يكنى أبا عبد الله أو أبا سعيد، والأول أصح.
قال ابن سعد: أسلم قديمًا على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، وشهد بدرًا وما بعدها إلّا تبوك فإنه تخلّف بإذن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يقيم بالمدينة، وكان ممّن ذهب إلى قتل كعب بن الأشرف وإلى ابن أبي الحُقَيق. وقال ابن عبد البر: كان من فضلاء الصّحابة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وكان ممن اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفّين. وأخرج ابن شاهين أن محمد بن مسلمة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفًا فقال: قاتل به المشركين، ما قوتلوا فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضًا فائت به أحدًا فاضرب به حتى
ينكسر ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منيّة قاضية ففعل. قال ابن عبد البر: اتخذ سيفًا من خشب وجعله في جفن، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. وقال حذيفة في حقّه: إني لأعلم رجلًا لا تضره الفتنة فذكره وصرّح بسماع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البغوي وغيره.
وقال ابن الكلبي: ولاّه عمر على صدقات جهينة. وقال غيره كان عند عمر معدًا لكشف الأمور المعضلة في البلاد. وكان هو رسوله في الكشف عن سعد بن أبي وقاص حين بني القصر بالكوفة. قال ابن المبارك في الزهد بسنده: بلغ عمر أن سعدًا بني قصراً وجعل عليه بابًا وقال: انقطع الصوت فأرسل محمد بن مسلمة، وكان عمر إذا أحبّ أن يعلى بالأمر كما يريد بعثه فقال له أئت سعدًا فأحرق عليه بابه. فقدم الكوفة فلمّا وصل الباب أخرج زنده فاستورى نارًا، ثم أحرق الباب فأخبر سعد فخرج إليه. فذكر القصة وقال محمد بن الربيع في صحابة مصر: بعثه عمر إلى عمرو بمصر فقاسمه ماله، وأسند ذلك في حديث.
وقال ابن شاهين: كان من قدماء الصحابة سكن المدينة، ثم سكن الرَّبَذَة بعد قتل عثمان. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنه ابنه والمسور بن مخرمة، وعروة، والأعرج، وأبو بردة بن أبي موسى، وقبيصة بن حصن وغيرهم.
قال الواقدي: مات بالمدينة في صفر سنة ست وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وأرّخه المدائني سنة ثلاث وأربعين. وقال ابن أبي داود: قتله أهل الشام وكذا قال يعقوب بن سفيان في تاريخه. دخل عليه رجل من أهل الشام من أهل الأردن وهو في داره فقتله.
والثاني: عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. قال البخاري: عبد يغوث جدّه، وكان خال النبي صلى الله عليه وسلم أسلم يوم الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر، وكان على بيت المال أيّام عمر، وكان أمينًا عنده. حدّثت حفصة أنه قال لها: لولا أن ينكر علي قومك لاستخلفت عبد الله بن الأرقم. وقال السائب بن يزيد: ما رأيت أخشى لله منه، وأخرج البغوي عن عبد الله بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويختم، ولا يقرؤه لأمانته عنده، واستكتب أيضًا زيد بن ثابت، وكان يكتب الوحي، وكان إذا غاب ابن الأرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إلى أحد أمر من حضو أن يكتب. فمن هؤلاء عمر وعلي وخالد بن سعيد والمغيرة ومعاوية.
ومن طريق محمد بن صدقة الفديكي عن مالك أن أسلم قال قال عمر: كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لعبد الله بن الأرقم أجب هؤلاء عنّي، فأخذ عبد الله الكتاب فأجابهم، ثم جاء به فعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت. فقال عمر: قلت رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتبت، فما زالت في نفسي حتى جعلته على بيت المال. وقال مالك: بلغني أن عثمان أجاز عبد الله بن الأرقم ثلاثين ألفًا فأبى
أن يقبلها وقال: إنما عملت لله وأجري عليه.
وأخرج البغوي أن عثمان استعمل عبد الله بن الأرقم على بيت المال، فأعطاه عمالة ثلاثمائة ألف دينار فأبى أن يقبلها. له أحاديث، وعندهم فرد حديث.
روى عنه عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأسلم مولى عمر ويزيد بن قتادة وعروة. قال ابن السكن: توفي في خلافة عثمان وهو مقتضى صنيع البخاري. ووقع في ثقات ابن حبّان أنه توفي سنة أربع وستين وهو وهم. قال في الإصابة: وأمّا مليح بن عوف فلم أطّلع على ترجمة له فيما وقفت من كتب الرجال إلَاّ ما في الإصابة من قوله له إدراك. وكان دليلًا في زمن عمر وساق حديث ابن سعد المار في ذهابه مع محمّد بن مسلمة.
أخرجه البخاري في الصلاة أيضًا عن سليمان بن حرب، وأخرجه مسلم فيها أيضًا وأبو داود والنَّسائي.