الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والمئة
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو.
وقوله: "ثم ليخترْ من الدعاءِ أعجبه إليه فيدعو" زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فيدعو به. ونحوه للنَّسائيّ بلفظ: "فليدعُ به". ولإسحاق عن الأعمش: "ثم ليتخيرْ من الدعاءِ ما أحبَّ". وفي رواية منصور عند المصنف في "الدعوات": "ثم ليتخيرْ من الثناءِ". ونحوه لمسلم بلفظ: "من المسألة".
قال ابن المنير قوله: "ثم ليتخيرْ" وإن كانت بصيغة الأمر لكنها كثيرًا ما ترد للندب، ثم إن قوله:"ثم ليتخيرْ من الدعاء أعجبَهُ" شامل لكل دعاء مأثور وغيره مما يتعلق بالآخرة كقوله: "اللهمَّ أدخلني الجنةَ"، أو الدنيا مما يشبه كلام الناس كقوله:"اللَّهمَّ ارزقني زوجةً جميلةً ودراهمَ جزيلةً"، وبهذا أخذت المالكية والشافعية ما لم يكن إثمًا. وعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة أو الموافقة للقرآن العظيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ صلاتَنا هذه لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلام الناسِ إنّما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآنِ" رواه مسلم وذكره ابن أبي شيبة عن أبي هريرةَ وطاووس ومحمد بن سيرين. واحتج الأولون بقوله عليه الصلاة والسلام: "سلوا الله تعالى حوائجَكُمْ حتى الشِّسْع لنعالِكُم والملحَ لقدورِكُم". وقال ابن عمر: "لأدعو في صلاتي حتى بشعير حماري وملحِ بيتي". ويمكن أن يُجاب عن حديث: "إنّ صلاتنا هذه" إلخ بأن المراد بالصلاحية لها ما يكون مطلوبًا فيها من فرائض أو سنن أو آداب كما يشعر به آخر الحديث. وقد استثنت الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا قال في "الفتح": فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز، وهذا الاستثناء ذكره أبو عبد الله الأبي وعبارته: واستثنى بعض الشافعية من مصالح الدنيا ما فيه سوء أدب كقوله: "اللَّهمَّ أعطني امرأةً جميلةً ههنا كذا" ثم
يذكر أوصاف أعضائها. وقال ابن المنير الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة خطر، وذلك أنه قد تلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة فيدعو بالمحظورة فيكون عاصيًا متكلمًا في الصلاة فتبطل صلاته وهو لا يشعر، ألا ترى أن العامة يلتبس عليها الحق بالباطل، فلو حكم حاكم على عامي بحق فظنه باطلًا فدعا على الحاكم باطلًا بطلت صلاته. وتمييز الحظوظ الجائزة من المحرمة عسر جدًا، فالصواب أن لا يدعو بدنياه إلا على تثبت من الجواز، قلت: ابن المنير مالكي وظاهر كلامه هذا الجزم بأن المالكية تبطل عندهم الصلاة بالدعاء المحرم فيها، ومشهور مذهبهم هو أن الدعاء في الصلاة بالممتنع شرعًا أو عادة فنظر فيه عندهم، هل تبطل الصلاة به مطلقًا أو تبطل بالممتنع شرعًا لا عادة؟ والظاهر كما في "العدوي" صحة الصلاة مطلقًا سواء كان ممتنعًا عقلًا كالجمع بين الضدين أو عادة أو شرعًا، وقد يجوز الدعاء على الظالم بعزله كان ظالمًا له أو لغيره والأولى عدم الدعاء على مَنْ لم يعم ظلمه، فإن عمّ فالأولى الدعاء، وينهى عن الدعاء عليه بذهاب أولاده وأهله أو بالوقوع في معصية؛ لأن إرادة الوقوع في المعصية معصية أو بمؤلمات تحصل له فوق ما يستحقه. وفي جواز الدعاء بسوء الخاتمة قولان الراجح كما قاله ابن ناجي وغيره المنع خلافًا للبرزلي. قلت: المنع هو مقتضى ما مرّ من حرمة الدعاء بالوقوع في المعصية، فإن سوء الخاتمة أشد المعاصي؛ لأنه كفر فلا يجوز الدعاء به قطعًا، لكن التقييد بمن لم يعم ظلمه لا يحتاج إليه في هذا الزمان؛ لأن الحكام في هذا الزمان ابتداء تحكيمهم مبني على الظلم والقوانين الكفرية، فكل مَنْ دخل في حكم كان ظلمه عامًا.
وقد استدل البيهقي على جواز الدعاء بغير المأثور بقوله في حديث الباب المتفق عليه "ثم ليتخيرْ من الدعاءِ أعجبَهُ إليه فيدعو به"، وبحديث أبي هريرة رفعه "إذا فرغَ أحدُكم من التشهدِ فليعوذْ باللهِ" الحديث وفي آخره "ثم ليدعو لنفسِهِ بما بدا له"، هكذا أخرجه البيهقي وأصل الحديث في "مسلم" وهذه الزيادة صحيحة؛ لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم، والحديث راد على ابن سيرين في قوله:"لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة" وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة عن عمر بن سعد قال: كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول: "إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ فليقلْ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ من الخير كلَّهِ ما علمتُ مِنْهُ وما لم أعلمْ وأعوذُ بكَ من الشر كلَّهِ ما علمتُ مِنْهُ وما لم أعلمْ. اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ مِنْهُ عبادُكَ الصالحونَ وأَعوذُ بكَ من شرّ ما استعاذَكَ منه عبادُكَ الصالحونَ. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً" الآية. قال ويقول: لم يدع نبي ولا صالح بشيء إِلا دخل في هذا الدعاء، وهذا من المأثور غير مرفوع وليس هو مما ورد في القرآن. وقد قال الشافعي بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد وادعى أبو الطيب الطبري من اتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك، واستدلوا على نّدبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر؛ لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على الوجوب، وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي
الحديث ما يقتضيه، فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة والحاكم بإسناد صحيح عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد، قلت: ليس فيما ذكر دلالة على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث إنما يدل على مطلق الطلب، ومن لم يوجبها من العلماء تطلب عنده.
فعند المالكية فيها قولان: هل تسن، أو تندب؟ وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض المالكية، فقد ذكر ابن الحاجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في سنن الصلاة ثم قال على الصحيح فقال شارحه ابن عبد السلام يريد أن في وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام ابن المواز منهم. وقال إسحاق بن راهويه بالوجوب أيضًا، لكن قال: إن تركها ناسيًا رجوت أن يجزئه. فقيل: إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطًا وألزم بعض الشافعية من قال من الحنفية بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر كالطحاوي. ونقله السروجي في "شرح الهداية" عن أصحاب "المحيط" و"العقد" و"التحفة" و"المغيث" من كتبهم أن يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره في آخر التشهد، لكن لهم أن يلتزموا ذلك لكن لا يجعلونه شرطًا في صحة الصلاة، ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عيّنها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء التشهد لم يجزىء عنده. فقد روى الطحاوي أن حرملة انفرد عن الشافعي بإيجاب ذلك بعد التشهد وقبل سلام التحلل. قال: لكن أصحابه قبلوا ذلك وانتصروا له وناظروا عليه. واستدل له ابن خزيمة ومن معه بما أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ والتِّرمِذِيّ وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حِبّان والحاكم عن فضالة بن عبيد قال:"سمعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاتهِ لمْ يحمدِ اللهَ، ولم يصلِّ على النَّبيِّ فقال: عجل هذا ثم دعاه، فقال: إذا صلَّى أحدُكُم فليبدأ بتحميد ربِّهِ والثناءِ عليه، ثم يصلي على النَّبيِّ ثم يدعو بما شاء". وهذا يدل على أن قول ابن مسعود المار قريبًا مرفوع، فإنه بلفظه وقد طعن ابن عبد البر في الاستدلال بحديث فضالة للوجوب فقال: لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته، وكذا أشار إليه ابن حزم وأجيب باحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه، ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب.
وقال الجرجاني من الحنفية: لو كانت فرضًا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه علمهم التشهد، وقال:"فليتخيرْ من الدعاءِ ما شاءَ" ولم يذكر الصلاة عليه، وأجيب باحتمال أن لا تكون فرضت حينئذ. وقال البلقيني في "شرح الترمذي" قد ورد هذا في "الصحيح" بلفظ:"ثم ليتخيرْ" وثم للتراخي فدل على أنه كان هناك شيء بين الدعاء والتشهد، واستدل بعضهم بما وقع من الزيادة عن ابن مسعود فيما أخرجه أصحاب "السنن" وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم عن محمد بن إسحاق بلفظ:"فكيفَ نصلي عليكَ إذا نحنُ صلَّينا عليكَ في صلاتنا؟ " وقال الدارقطني: إسناده حسن متصل. وقال البيهقي: إسناده حسن صحيح، وتعقبه ابن التركماني بأنه قد قال الحفاظ: يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق وهذه الزيادة قد تفرد بها، لكن قال في "الفتح": ما ينفرد به وإن لم
يبلغ درجة الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرّح بالتحديث وهو هنا كذلك، وإنما يصححه من لا يفرق بين الصحيح والحسن ويجعل كلما يصلح للحجة صحيحًا.
وهذه طريقة ابن حِبّان ومن ذكر معه واستدلال ابن خزيمة والبيهقي بهذه الزيادة على إيجاب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد بعد التشهد وقبل السلام متعقب بأنه لا دلالة فيه على ذلك، بل إنما يفيد إيجاب الإتيان بهذه الألفاظ على مَنْ صلّى على النبيِّ عليه الصلاة والسلام في التشهد وعلى تقدير أن يدل على إيجاب أصل الصلاة، فلا يدل على هذا المحل المخصوص. قلت: هذه الزيادة ليس فيها شيء يدل على أصل الوجوب، بل غاية ما فيها أنها تدل على طلب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة. قال في "الفتح": وقرب البيهقي ذلك بأن الآية أي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} لما نزلت.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد، والتشهد داخل الصلاة فسألوا عن كيفية الصلاة فعلّمهم دل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم. وأما احتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة كما قال عياض وغيره فهو بعيد.
قلت: لم يظهر لي وجه بعده فإن اللفظ محتمل للأمرين على حد السواء. وقرر بعضهم الاستدلال بأن الصلاة عليه واجبة بالإِجماع وليست الصلاة عليه خارج الصلاة واجبة بالإِجماع فتعين أن تجب في الصلاة. وهذا ضعيف جدًا؛ لأن قوله لا تجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد به عينًا، فهو صحيح لكن لا يفيد المطلوب؛ لأنه يفيد أن تجب في أحد الموضعين لا بعينه، والذي قاله الشافعي في "الأُم": فرض الله الصلاة على رسوله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة.
قال: ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة أنه قال: "يا رسولَ اللهِ كيفَ نُصلِّي عليكَ -يعني في الصلاة- قال: تقولون: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ" الحديث. وفي حديث كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة: "اللَّهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد كما صليتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ" الحديث. قال: فلما روى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي عنه أنه علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يَجُزْ أن نقول التشهد في الصلاة واجب، والصلاة عليه فيه غير واجبة. وقد تعقب بعض المخالفين هذا الاستدلال من أوجه: أحدها: ضعف إبراهيم بن أبي يحيى الراوي عنه الحديثين. الثاني: على تقدير صحته فقوله في الأول يعني في الصلاة لم يصرح بقائل يعني فهو مجهول. الثالث: قوله في الثاني إنه كان يقول في الصلاة وإن كان ظاهره أن الصلاة المكتوبة، لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله في الصلاة أي في صفة الصلاة عليه وهو احتمال قوي؛ لأن أكثر الطرق عن كعب بن