الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والخمسون
قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ ثَلَاثَ مِرَارٍ أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو: لَا أَحْفَظُهُمَا.
قوله: فصلى العشاء، كذا في معظم الروايات، وفي رواية لأبي عَوَانَةَ والطَّحَاويّ عن مُحارِب "صلى بأصحابه المغرب" وكذا لعبد الرَّزَّاق عن أبي الزُّبَير، فإن حمل على تعدد القصة كما يأتي، أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازًا تم، وإلا فما في الصبح أصح. قال الكِرْمَانيّ: الظاهر من قوله "فصلى العشاء" إلى آخره، داخل تحت الطريق الأُولى، وكأنّ الحامل له على ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول إن مراد البخاريّ بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأُولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية التصريح بسماع عمرو من جابر.
وقوله: فقرأ بالبقرة، استدل به على من يكره أن يقول البقرة، بل يقول سورة: البقرة، لكن في رواية الإسماعيليّ عن محمد بن بَشّار شَيْخ البُخاريّ فيه "فقرأ سورة البقرة" ولمسلم عن ابن عُيَيْنَةَ نحوه، وللمصنف في "الأدب""فقرأ بهم البقرة" فالظاهر أن ذلك من تصرفات الرواة، والمراد أنه ابتدأ في قراءتها، وبه صرح مسلم، ولفظه "فافتتح سورة البقرة" وفي رواية محارب "فقرأ بسورة البقرة أو النساء" على الشك، وللسراج عن محارب "فقرأ بالبقرة والنساء" فإن كان مضبوطًا احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة، وفي الثانية بالنساء. وعند أحمد عن بُريدة بإسناد قويّ "فقرأ اقتربت الساعة" وهي شاذة، إلا إن حمل على التعدد.
وقوله: فانصرف الرجل، اللام فيه للعهد الذهني، ويحتمل أن يراد به الجنس، فكأنّه قال واحد من الرجال، لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في مواده. وفي رواية الاسماعيلى "فقام رجل فانصرف" وفي رواية سَلِيم بن حَيّان "فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة" ولابن عُيَيْنَة عند مسلم "فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده" وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة، لكن ذكر البَيْهَقِيّ أن محمد بن عباد، شيخ مسلم، تَفَرَّد عن ابن عُيَيْنَة بقوله "ثم سلم" وأن الحفاظ من أصحاب ابن عُيينة، وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار، وكذا من أصحاب جابر، لم يذكروا السلام، وكأنه
فهم أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة ،لأنّ السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة، ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفردًا. قال الرافعيّ في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعيّ عن ابن عُيَيْنَة في هذا الحديث "فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده" هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحّى عن موضع صلاته، واستأنفها لنفسه لكنه، غير محمول عليه، لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه، ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة، ويتم صلاته منفرداً، ونازع النَّوَوِي فقال: لا دلالة، فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليلٌ على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استانفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر.
ولم يقع في شيء من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل، وجاء في روايات أخرى مختلفة تسميته يأتي في السند جلبها وتعريف من ذكر فيها، وجمع بعضهم بين الاختلاف الواقع فيها بأنهما قضيتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط، لكونه جاء من العمل وهو تعبان، أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك، أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بُريدة، واستشكل هذا الجمع، لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولًا بالبقرة، فلما نهاه قرأ اقتربت، وهي طويلة بالنسبة إلى السورة التي أمره يقرأ بها، كما يأتي. ويحتمل أن يكون النهي وقع أولًا لما يُخْشَى من تنفير بعض من يدخل في الإِسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع زال، فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب {والطور} [الطور: 1] فصادف صاحب الشغل.
وجمع النَّوَويّ باحتمال أن يكون قرأ في الأُولى بالبقرة، فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية، فانصرف آخر، وفي رواية أبي الزُّبَير عند مسلم "فانطلق رجل منا" وهذا يدل على أنه كان من بني سَلِمة، ويقوي رواية من سماه سليمًا الآتية.
وقوله: فكان معاذ ينال منه، وللمستملي تناول منه، وللكُشْمِيْهَنيّ "فكأنَّ" بهمزة ونون مشددة، معاذًا تناول منه، والأُولى تدل على كثرة ذلك منه، بخلاف الثانية، ومعنى ينال منه: يذكره بسوء، وقد فسره في رواية سَلِيم بن حَيّان ولفظه "فبلغ ذلك مُعاذًا فقال: إنه منافق" وكذا لأبي الزُّبير ولابن عُيَيْنَةَ فقالوا: أنافقت يا فلان؟ فقال: لا والله، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه. وكأنَّ معاذًا قال ذلك أولًا. ثم قاله أصحابه للرجل.
وقوله: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، بيَّن ابن عُيَيْنَةُ في روايته، وكذا محارب وأبو الزُّبَير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ، وفي رواية النَّسائيّ "فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر
ذلك له، فأرسل إليه فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ بسورة كذا وكذا، فانصرفت فصليت في ناحية المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتانا يا معاذ، أفتانا يا معاذ".
وقوله فتّان فتّان فتّان ثلاث مرار، ويروى ثلاث مرات، وفتان مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أنت، والتكرير للتأكيد، وفي رواية ابن عُيَيْنَة: أفتّانٌ أنت؟ بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار. وقوله: أو قال فاتنًا، شك من الراوي، وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة، أي يكون فاتنًا. وفي رواية أبي الزبير أتريد أن تكون فاتنًا؟ ولأحمد عن مُعاذ بن رِفاعة "يا مُعاذ لا تكن فاتنًا" ويأتي حديثه، وفي حديث أنس "لا تطول بهم".
ومعنى الفتنة هنا أن التطويل يكون محببًا لخروجهم من الصلاة، وللتكرة للصلاة في الجماعة، وروى البَيْهَقِيّ في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال: لا تبغِّضوا إلى الله عبادَه (1)، يكون أحدكم إماما فيطوِّل على القوم الصلاةَ حتى يُبِّغض إليهم ما هم فيه. وقال الداوديّ: يحتمل أن يريد بقوله فتّان أي معذّب، لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قوله تعالى:{إنَّ الذيْنَ فَتَنُوا المُؤمِنِيْنَ والمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10]، قيل: معناه عذبوهم.
وقوله: وأمره بسورتين من أوسط المفصل الأوسط، يحتمل أن يريد به المتوسط والسُّوَر التي مثل بها من قصار المتوسط، ويحتمل أن يريد به المعتدل، أي المناسب للحال من المفصل، قيل سمي المفصّل مفصلًا لكثرة الفصول فيه، وقيل لقلة المنسوخ فيه، واختلف في المراد به مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن، هل هو من أول الصّافات أو الجاثية أو القتال أو الفَتح أو الحُجُرات أو "ق" أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن؟ أقوال، والراجح الحجرات كما هو المذهب عند المالكية، وذكر النَّووَيّ أنه هو الراجح، ونقل بعضهم أن المفصل الراجح أنه من سورة "ق" إلى آخر القرآن. ونقل المُحِبّ الطَّبَري قولًا شاذًا، أن المفصل جميع القرآن، وأما ما أخرجه الطَّحَاويّ عن زُرارة بن أبي أوفى قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: اقرأ في المغرب آخر المفصل، وآخر المفصل مِن {لم يكن} [البقرة: 196] إلى آخر القرآن، فليس تفسيرًا للمفصل بل لآخره، فدل على أنه أوله قبل ذلك، وعند المالكية طوال المفصل من "الحجرات" إلى "عَبَس"، ومن "عَبَس" إلى "والضحى" وسط، ومن "والضحى" إلى آخر القرآن قِصار.
وقال القَسْطَلَانِيّ: طواله من أوله على الأقوال المتقدمة إلى سورة عم، وأوساطه إلى الضحى، أو طواله إلى الصف وأوساطه إلى الانشقاق، والقصار إلى آخره. وفي العَيْنيّ: طوال المفصل من الحجرات إلى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] قصاره من الضحى إلى آخر القرآن.
وقوله: قال عمرو لا أحفظهما، كأنه قال ذلك في حال تحديثه لشُعبة، وإلا ففي رواية سليم بن حيان عن عمر "واقرأ والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها" وقال في رواية
ابن عُيينة عند مسلم "اقرأ بكذا واقرأ بكذا" قال ابن عُيينة: قلت لعمر: وإن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: اقرأ بالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وبسبح اسم ربك الأعلى. فقال عمر: ونحو هذا. وجزم بذلك مُحارب في روايته عن جابر، وفي رواية أبي الزُّبَير عند مسلم مع الثلاثة اقرأ باسم ربك، زاد ابن جُرَيْج عن أبي الزُّبَير "والضحى" أخرجه عبد الرَّزَّاق، وفي رواية الحُمَيديّ عن ابن عُيَيْنَةَ مع الثلاثة الأول والسماء ذات البروج والطارق.
واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، على أن معاذًا كان ينوي بالأُولى الفرض وبالثانية النفل، وهو مذهب الشافعية، وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المُنذر، وهو قول عَطاء وطاوس وسُلَيمان بن حَرْب وداود. وقالت الحَنَفية والمالكية لا يصح، وهو رواية أبي الحارث عن أحمد. قال ابن قُدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا، وهو قول الزُّهْريّ والحَسَنْ البَصريّ وسعيد بن المُسَيِّب وغيرهم. قال في "الفتح" محتجًا لمذهبه: يدل عليه ما رواه عبد الرَّزَّاق والشافعيّ والطّحاويّ والدارَقُطنيّ وغيرهم، عن ابن جُرَيْج عن عَمرْو بن دِينار عن جابر في حديث الباب، زاد "هي له تَطَوُّع ولهم فريضة" وهو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جُرَيج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه، واعتماد القائلين بصحة الاقتداء على تلك الزيادة المذكورة.
وتكلم القائلون بعدم صحة الاقتداء فيها بأوجه عديدة، منها ما رُوي عن الإمام أحمد أنه ضعّف هذه الزيادة، وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة، لأن ابن عُيَيْنَة يزيد فيها كلامًا لا يقوله أحد، وقال ابن الجَوْزِيّ هذه الزيادة لا تصح، ولو صحت لكانت ظناً من جابر، وبنحوه قال ابن العَرَبيّ في العارضة، ومنها قول الطَّحَاوِيّ: إن ابن عُيينة ساقه عن عمرو بأتم من سياق ابن جُرَيْج، ولم يذكر هذه الزيادة، ومنها ما قاله ابن حَزْم من أن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعًا، فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يجوز عندهم؟ ومنها قول الطَّحَاويّ: لا حجة فيها، لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقريره، ومنها ما قاله الطَّحَاويّ من احتمال أن تكون مدرجة، وهي جائز أن تكون من ابن جُرَيْج، وأن تكون من عمرو، وأن تكون من جابر، ومن أي هؤلاء كانت لم يكن فيها دليل على حقيقة ما كان يفعل مُعاذ، ولوثبت أنه عن مُعاذ لم يكن فيه دليل على أنه بأمره عليه الصلاة والسلام.
ومنها ما قاله الطَّحاويّ: لو سلمنا جميع ذلك، لم يكن فيه حجة، لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة تصلى فيه مرتين، أي: فيكون منسوخًا، واستدل على ذلك بما أخرجه عن ابن عمر، رفعه "لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين" ومن وجه آخر مرسل "أن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم، ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فنهاهم". ومنها ما قاله بعضهم من كونه منسوخًا، مستدلًا بأن صلاة الخوف وقعت مرارًا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل، لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه لا
تقع فيه منافاة، فلما لم يفعل دل ذلك على المنع، وجواب هذا أنه ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين، كما أخرجه أبو داود عن أبي بَكْرة صريحًا، ولمسلم عن جابر نحوه.
وأجيب عما قبل هذا من كون ذلك كان قبل النهي عن صلاة الفريضة مرتين، باحتمال أن يكون النهي عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البَيْهَقِيّ جمعاً بين الحديثين، بل لو قال قائل: هذا النهي منسوخ بحديث مُعاذ لم يكن بعيدًا ، ولا يقال القصة قديمة، لأن صاحبها استشهد بأُحُد، على أنه سليم كما يأتي، لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة، فلا مانع أن يكون النهي في الأول والإذن في الثالثة، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم، للرجلين اللذين لم يصليا معه "إذا صَلَّيتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلياها معهم، فإنها لكما نافلة" أخرجه أصحاب السنن عن يزيد بن الأسود العامريّ، وصححه ابن خُزْيمَةَ وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع، في آخر حياته عليه الصلاة والسلام.
ويدل على الجواز أيضًا أمره صلى الله تعالى عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده، ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها، أن صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة. وأجاب القائلون بصحة الاقتداء عما مرَّ من الاعتراضات، ولكن قال في الفتح: أسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة.
وفي الحديث أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وفيه جواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين، ولكن على سبيل أنهما فرض، وفيه جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما لغير عذر فاستدل به بعضهم، وتعقب وقال ابن المنير: لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر، لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظةُ على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردًا، وفي "شرح المُهَذَّب": اختلف العلماء فيمن دخل مع إمام في صلاة فصلى بعضها، هل يجوز له أن يخرج منها؟ فاستدل أصحابنا بهذا على أن للمأموم أن يقطع القدوة، ويتم صلاته منفردًا وإن لم يخرج منها، وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر، والثاني لا يجوز مطلقاً، والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح. قال العَيْنِيّ: أصحابنا لا يجيزون شيئًا من ذلك، وهو مشهور مذهب مالك، وعن أحمد روايتان، لأن فيه إبطال العمل، والقرآن قد منع من ذلك.
لا أعلم قولًا عند المالكية بجواز قطع المأموم الاقتداء والإتمام لنفسه منفردًا لغير عذر، لأنه ألزم نفسه بحكم الاقتداء، وعندهم قولان، لأن إذا طّول الإمام في القراءة طولًا خاف المأموم بسببه فوات ما يلحقه بفوته ضرر شديد، هل يجوز له أن يخرج عنه بالنية، ويتم لنفسه، أو لا يجوز؟ وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلى فيه بالجماعة، قال في "الفتح": إذا كان لعذر، قال