الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والسبعون
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ.
قوله: فإن تسوية الصفوف، في رواية الأصيلي "الصف" بالإفراد، والمراد به الجنس، وقوله: من إقامة الصلاة، هكذا ذكره البُخاريّ عن أبي الوَلِيد، وذكره غيره عنه بلفظ "من تمام الصلاة" مُسْلِم وأبو داود والبَيْهَقيّ وغيرهم وأخرج أبو داود الطَّيَالسيّ قال: سمعت شُعْبَةَ يقول: داهنت في هذا الحديث، لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا، ولم يرو عن قتادة إلا معنعنًا، ولعل هذا السر هو في إيراد البُخاري لحديث أبي هُريرة معه في الباب تقوية له، وقد استدل ابن حَزْم بقوله "إقامة الصلاة" على وجوب تسوية الصفوف. قال: لأن إقامة الصلاة واجبة، وكل شيء من الواجب واجب، ولا يخفى ما فيه، لاسيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة، وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبي هُريرة، فاستدل به على أن التسوية سنة. قال: لأن حسن الشيء زيادة على تمامه. وأورد عليه رواية "من تمام الصلاة".
وأجاب ابن دقِيق العِيد فقال: قد يؤخذ من قوله "تمام الصلاة" الاستحباب، لأنّ تمام الشيء في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها، وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به، كذا قال. وهذا الأخذ بعيد، لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العَربيّ، وإنما يحمل على العُرف إذا ثَبَت أنه عُرْف الشارع لا العُرْف الحادث.
رجاله أربعة:
قد مروا، مرَّ أبو الوليد في العاشر من الإيمان، ومرَّ شُعْبَةُ في الثالث منه، ومرَّ قَتَادةُ وأَنَسٌ في السادس منه. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجَه. ثم قال المصنف:
باب إثم من لم يتم الصفوف
قال ابن رَشيد: أورد فيه حديث أنس "ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف" وتعقب بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة، فلا يدل ذلك على حصول الإثم، وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] على أن المراد بالأمر الشأن.
والحال، لا مجرد الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئًا من الحال التي كان عليها صلى الله تعالى عليه وسلم يأثم ، لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية، وإنكار أنَس ظاهر في كونهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم، وهو ضعيف؛ لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون؛ لأن التأثيم إنما يحصل على ترك الواجب.
وأما قول ابن بَطّال: إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها، التي يستحق فاعلها المدح عليها، دل على أن تاركها يستحق الذم -فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون إثمًا سَلّمنا، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله، ويحتمل أن يكون البُخاريّ أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا، ومن عموم قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن، أن إنكار أَنَس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أنَّ أنَسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة.
وأفرط ابن حَزْم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر، أنه ضرب قدم أبي عثمان النَّهْدِيّ لإقامة الصف، وبما صح عن سُوَيد بن غَفَلَة قال: كان بلال يُسَوْي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة. فقال: ما كان عمر ولا بلال يضربان أحدًا على ترك غير الواجب، وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة.