الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والعشرون
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
قوله: عن محمود بن الربيع في رواية الحميدي عن سفيان حدّثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع، وعند الإسماعيلي لابن أبي عمر سمعت عبادة بن الصامت، ولمسلم عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبرني أن عبادة بن الصامت أخبره، وبهذا التصريح بالإخبار يندفع تعليل من أعلّه بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلًا. وهي رواية ضعيفة عند الدراقطني.
وقوله: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، زاد الحميدي في مسنده فيها وأخرجها البيهقي والإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج. وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة ويشمل القراءة في الظهر والعصر ويبيّن ضعف الأحاديث المروية عن ابن عبّاس في ترك القراءة في صلاة الظهر والعصر، وسيأتي إن شاء الله تعالى استيفاء الكلام على ذلك في باب القراءة في الظهر في الباب الذي يلي هذا، واستدل بهذا الحديث من قال بوجوب قراءة الفاتحة على كل مصلّ منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا سواء أسرّ الإمام أو جهر وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وإسحاق، وعند المالكية الفاتحة واجبة على الفذ والإمام، وأما المأموم فتندب له القراءة في السرية، ويندب تركها في الجهرية ولو لم يسمع قراءة الإِمام. واختلف في وجوب قراءتها هل هي واجبة في كل ركعة أو واجبة في الجلّ سنة في الأقل والتارك لها سهوًا سواء كان تركه لها في جلّ الصلاة أو في نصفها أو في أقلّها يسجد قبل السلام لاحتمال أنها وجبت في كل ركعة، هذا مشهور ما قيل في تركها سهوًا ونظمه بعض علمائنا فقال:
حاصل ما شهده بناني .... في السهو عن فاتحة القرآن
إن كان تركه لها في الجل
…
أو النصيف أو من الأقل
إتمامه الصلاة ثم يسجد .... قبل السلام ويعيد أبدا
وإن تركها عمدًا في ركعة على القول بوجوبها في الجلّ قيل تبطل وقيل لا تبطل. وعند الحنفية تجب القراءة في الركعتين الأوليين من الصلوات ولا تجب في الأخريين. قال صاحب الهداية: إن شاء قرأ في الأخريين، وإن شاء سبّح، وإن شاء سكت، إلَاّ أن الأفضل أن يقرأ. قالوا: المصلّي
مأمور بالقراءة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} والأمر لا يقتضي التكرار فتتعين الركعة الأولى منها، وإنّما أوجبوها في الثانية لأنهما تتشاكلان من كل وجه. فالفاتحة لا فرضية لها عندهم في الصلاة مطلقًا لقوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فتجب الصلاة بأي قراءة كانت. قالوا: الزيادة على النص تكون نسخًا لاطلاقه وذلك غير جائز، ولا يجوز أن يجعل الحديث بيانًا للآية لأنه لا إجمال فيها؛ لأن المجمل هو ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك. وتعيين الفاتحة إنّما ثبت بالحديث فيكون واجبًا يأثم تاركه، وتجزىء الصلاة بدونه، والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة (كمدْهامّتان). وقال صاحباه: آية طويلة أو ثلاث آيات ووجوب القراءة عندهم في غير المسلم، وأما المؤتم عندهم فلا يجب أن يقرأ شيئًا لا من الفاتحة ولا من القرآن، وهذا هو ما مرَّ عن المالكية وبه قال الأوزاعي وابن المسيب وجماعة من التابعين وفقهاء الحجاز.
قال في الفتح: في قولهم إن الفاتحة واجبة يأثم تاركها، لا ينقضي عجبي ممّن يتعمّد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلّي صلاة يريد أن يتقرّب إلى الله تعالى بها، وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقق مخالفته لمذهب غيره.
وقد قال جماعة: منهم الأحمر، وابن علية، والحسن بن صالح، والأصم أن القراءة في الصلاة مستحبة لا غير. وروى الشافعي عن مالك بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صلّى المغرب فلم يقرأ فيها شيئًا. فقيل له، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قلنا: حسن. قال: لا بأس. وهذا فيه انقطاع. ولابن الأثير في شرح مسند الشافعي عن الشعبي صلّى عمر فلم يقرأ شيئًا فأعاد، ورواه أبو معاوية عن الأعمش مثله.
وروى الشافعي عن علي رضي الله تعالى عنه قال له رجل: إني صلّيت فلم اقرأ قال: أتممت الركوع والسجود قال: نعم، قال: تمّت صلاتك. وروى ابن المنذر عن علي أنه قرأ في الأوليين وسبّح في الأخريين. وفي المصنّف عن أبي إسحاق عن عليّ وعبد الله بن مسعود أنّهما قالا: أقرأ في الأوليين وسبّح في الأخريين.
وعن منصور قلت لإبراهيم: ما نفعل في الركعتين الأخريين من الصلاة قال: سبّح وأحمد الله وكبّر، وعن الأسود والثوري كذلك، وعن مالك رواية شاذّة أن الصلاة صحيحة بدون القراءة.
وروى البيهقي عن زيد بن ثابت القراءة في الصلاة سُنّة، وعن الشافعي في القديم إن تركها ناسيًا صحّت صلاته. وقد اختلف العلماء في تأويل قوله لا صلاة .. الخ. فقيل أنّها لنفي الجنس والصحة وبهذا قال مَنْ جعلها ركنًا في الصلاة. وقيل إنها لنفي الكمال، وبهذا قال من لم يجعلها ركنًا في الصلاة.
قال المازري: اختلف الأصوليون في معنى هذا اللفظ يعني: قوله لا صلاة .. الخ، فقيل: إنه مجمل لأنه حقيقة في نفي الذات، والذات واقعة، والواقع لا يرتفع فينصرف لنفي الحكم وهو متردد
بين نفي الكمال ونفي الصحة وليس أحدهما أولى، فيلزم الإجمال وهو خطأ لأن العرب لم تضعه لنفي الذات وإنّما تورده للمبالغة. ثم تذكر الذات ما أرادت من المبالغة. وقيل: هو عام مخصوص عام في نفي الذات وأحكامها ثم خصّ بإخراج الذات لأن الرسول لا يكذب. وقيل: هو عام غير مخصوص لأن العرب لم تضعه لنفي الذات بل لنفي أحكامها، وأحكامها في مسألتنا الصحة والكمال وهو عام فيهما ورده المحققون بأن العموم إنّما يحسن إذا لم يكن فيه تنافٍ، هو هنا لازم لأن نفي الكمال يصحّ معه الإجزاء ونفي الصحة لا يصح معه الإجزاء.
وصار المحققون إلى الوقف وأنه تردد بين نفي الكمال والإجزاء، فإجماله من هذا الوجه لا ممّا قاله الأولون، وتعقبه الأبي فقال: ما رد به الأول لا يرفع الإجمال لأنه وإن سلم أنه لنفي الحكم فالأحكام متعددة وليس أحدها بأولى، وإنما الجواب ما قيل من أنه لا يمتنع، نفي الذات أي: الحقيقة الشرعية لأن الصلاة في عرف الشرع اسم للصلاة الصحيحة فإذا فقد شرط صحتها انتفت، فلابد من تعلق النفي بالمسمى الشرعي، ثم لو سلّم عوده للحكم لم يلزم الإجمال لأنه في نفي الصحة أظهر؛ لأن مثل هذا اللفظ يستعمل عرفًا لنفي الفائدة كقولهم لا علم إلا ما نفع، ونفي الصحة أظهر في بيان نفي الفائدة، وأيضًا اللفظ يشعر بالنفي العام، ونفي الصحة أقرب إلى العموم من نفي الكمال لأن الفاسد لا اعتبار له بوجه، ومن قال أنه عام مخصوص فالمخصص عنده الحسن؛ لأن الصلاة قد وقعت كقوله تعالى:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا ترَى (1) إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فإن الحسّ يشهد بأنها لم تدمر الجبال.
وقال في فتح القدير قوله: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هو مشترك الدلالة لأن النفي لا يرد إلا على النسب لا على نفس الفرد، والخبر الذي هو متعلق الجار محذوف، فيمكن تقديره صحيحة فيوافق قول الشافعي أو كاملة فيخالفه وفيه نظر؛ لأن متعلق المجرور الواقع خبرًا استقرار عام فالحاصل لا صلاة كائنة وعدم الوجود شرعًا هو عدم الصحة. هذا هو الأصل بخلاف لا صلاة لجار المسجد .. الخ، ولا صلاة للعبد الآبق فإن قيام الدليل على الصحة أوجب كون المراد كونًا خاصًا أي: كاملة، فعلى هذا يكون من حذف الخبر لا من وقوع الجار والمجرور خبرًا، ويؤيد حمله على نفي الصحة والإجزاء ما رواه الإسماعيلي عن العبّاس بن الوليد أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: لا تجزىء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
وأخرجه ابن حبّان وابن خزيمة وغيرهما بهذا اللفظ عن أبي هريرة، وأخرج أحمد بلفظ: لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، وقد أخرج ابن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي حديث الباب بلفظ لا صلاة إلَاّ بقراءة فاتحة الكتاب، فلا يمتنع أن يقال أن قوله لا صلاة نفي بمعنى النهي أي: لا تصلّوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب، ونظيره ما رواه مسلم عن عائشة مرفوعًا لا صلاة بحضرة الطعام
(1) هذه رواية ورش عن نافع وهي السائدة في بلاد المغرب. (المصحح).
فإنه في صحيح ابن حبّان بلفظ: لا يصلّي أحدكم بحضرة الطعام. وأخرجه مسلم وأخرج ابن حبّان شاهداً له عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ومما هوكحديث الباب في الدلالة على ركنيتها في الصلاة ما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "مَنْ صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج فهي خِداج فهي خِداج غير تمام"، واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمّى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلًا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرّة الواحدة، والأصل أيضًا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلًا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرّح به في حديث الإسراء حيث سمّى المكتويات خمسا، وكذا حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد وكير ذلك، فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازًا.
قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دلّ دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدمًا، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: وافعل ذلك في صلاتك كلّها -بعد أن أمره بالقراءة- وفي رواية لأحمد وابن حبّان وافعل ذلك في كل ركعة، ولعلّ هذا هو السرّ في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة، واستدلّ به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسرّ الإِمام أو جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلى أن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدّم، والمثبتون لركنية الفاتحة مطلقًا كالشافعية أو لغير المأموم كالمالكية يثبتونها لا على معنى الوجوب عند الحنفية، فانهم لا يقولون بوجولها قطعًا بل ظناً لأنهم يخصّون الفرضية والركنية بالقطعي، وإنما قال من قال بفرضيتها وركنيتها بالمعنى الذي سمّوه وجوبًا فلا زيادة.
وأجاب القائلون بعدم فرضيتها عن حديث الباب قبول الزيادة بالخبر إنّما تصحّ إذا كان محكمًا، أمّا إذا كان محتملًا فلا. وهذا الحديث محتمل لأن مثله يستعمل لنفي الجواز ونفي الفضيلة كقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فالمراد به نفي الفضيلة كذا هو هنا.
ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} فمعناه أنهم لا أيمان لهم موثوقًا بها، ولم ينف وجود الأيمان منهم رأسًا لأنه قال:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} وعقب ذلك أيضًا بقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} فثبت أنه لم يرد بقوله أنهم لا أيمان لهم نفي الإيمان أصلًا، وإنما أراد ما ذكر، وهذا يدل على إطلاق لفظة لا والمراد بها نفي الفضيلة دون الأصل، وحملوا معنى قوله في حديث مسلم فهي خِداج على نقصان البركة؛ لأن النقصان في الوصف لا في الذات واستدلت المالكية ومن وافقهم في عدم وجوبها على المأموم بحديث: من صلّى خلف الإِمام فقراءة الإِمام قراءة له. وبما أخرجه مسلم وغيره عن أبي موسى: وإذا قرأ فأنصتوا. وهو
حديث صحيح وأجابت الشافعية ومن وافقهم عن الحديثين أجابوا عن الأول بأنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب الدارقطني طرقة وعلله وردّ هذا الجواب بأن الحديث له طرق كثيرة وشواهد كثيرة، أقلّ أحواله أن يرتقي بها إلى درجة الحسن فقد أخرجه ابن ماجه عن جابر مرفوعًا وأخرجه الدارقطني في سننه عن ابن عمر وأبي هريرة مرفوعًا وأخرجه أيضًا عن ابن عبّاس مرفوعًا بلفظ يكفيك قراءة الإِمام خافت أو جهر وأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعًا عن أبي سعيد. وأخرجه ابن حبّان عن أنس مرفوعًا، ولحديث جابر طرق أخرى يشدّ بعضها بعضًا منها طريق صحيح، رواه محمد بن الحسن في موطئه عن أبي حنيفة بسنده عن جابر مرفوعًا، وأخرجه الدارقطني في سننه والبيهقي في سننه عن أبي حنيفة والحسن بن عمارة بالإسناد المذكور، وتعقّب الدارقطني لهذا الحديث بأن أبا حنيفة والحسن بن عُمارة ضعيفان، وأن الصواب أنه مرسل من عبد الله بن شدّاد مردود بان أبا حنيفة لم يرد أحد روايته، وبأن المرسل عندنا وعند الحنفية حجة، وكذلك الموقوف فما اعترض به الدارقطني حديث ابن عمر السابق بأنه موقوف لا اعتراض به لأن الموقوف حجة.
وقد روي منع القراءة خلف الإِمام عن ثمانين من الصحابة الكبار منهم العبادلة الأربعة. وقد روى الإِمام عبد الله بن يعقوب الحارني في كشف الأسرار عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون عن القراءة خلف الإِمام اشدّ النهي أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. ولهذا قال صاحب الهداية: وعلى ترك القراءة خلف الإِمام إجماع الصحابة فسمّاه إجماعًا باعتبار اتفاق الأكثر. ومثل هذا يسمى إجماعًا، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا ينهون عن القراءة خلف الإِمام وأخرج عن موسى بن سعد بن أبي وقاص قال: ذكر لي أن سعد بن أبي وقاص قال: وَدِدْتُ أن الذي يقرأ خلف الإِمام في فيه حجر.
وأخرج الطحاوي بسنده عن علي أنه قال: من قرأ خلف الإِمام فليس على الفطرة أي: ليس على شرائط الإِسلام، أو ليس على السنة. وأخرجه عنه ابن أبي شيبة بلفظ من قرأ خلف الإِمام فقد أخطأ الفطرة. وأخرجه الدارقطني كذلك من طرق. وأخرجه عبد الرزاق عنه بلفظ: من قرأ مع الإِمام فليس على الفطرة، وقال ابن مسعود: ملىء فوه ترابًا، قال: وقال عمر: وددت أن الذي يقرأ خلف الإِمام في فيه حجر، وفي التمهيد ثبت عن علي وسعد وزيد بن ثابت أنه لا قراءة مع الأمام لا فيما أسرّ ولا فيما جهر.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي وائل قال رجل إلى عبد الله: يا أبا عبد الرحمن أأقرأ خلف الإِمام؟ قال: أنصت للقرآن فإن في الصلاة شغلًا وسيكفيك ذلك الإِمام. وأخرجه الطبراني عن عبد الرزاق، وأخرجه ابن أبي شيبة عن منصور عن أبي وائل .. الخ.
وأخرج الطحاوي عن عبيد الله بن مِقْسَم أنه سأل عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله فقالوا: لا تقرأ خلف الإِمام في شيء من الصلوات. ثم قال الطحاوي: فهؤلاء جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على ترك القراءة خلف الإِمام، وقد وافقهم على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قدمنا ذكره. قلت: وما روي عن هؤلاء الصحابة له حكم المرفوع، إذ لا مجال للرأي في القرآن في الصلاة، فما قالوه محمول على أنهم سمعوه منه صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أبو داود في حديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، أن سفيان بن عيينة أحد رواته قال: هذا لمن يصلي وحده يعني: أنه في حق من يصلي وحده، وأما المقتدي فإن قراءة الإِمام قراءة له، وكذا قال الإسماعيلي في روايته إذا كان وحده وعلى هذا لا تبقى للشافعية ومن قال بقولهم دعوى للعموم في حق المأموم، وأجابوا عن حديث أبي موسى السابق وإذا قرأ فأنصتوا، ومثله ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والطحاوي عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: إنما جعل الإِمام ليؤتم به، وزاد فيه: وإذا قرأ فانصتوا، فإن هذين الحديثين حجة صريحة في أن المقتدي لا يجب عليه أن يقرأ خلف الإِمام في الجهرية بأنه لا دلالة فيما حكاه على الجمع بين الأمرين فينصت فيما عدا الفاتحة أو ينصت إذا قرأ الإِمام، ويقرأ إذا سكت. قالوا: وعلى هذا يتعين على الإِمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي حيث لا ينصت إذا قرأ الإِمام قلت: وهذا الجواب يكفي من رده أن مذهبهم لا يجب فيه هذا السكوت وإنما هو مندوب عندهم، فلابد من أن يقولوا بوجوب السكوت على الإِمام أو ترك المأموم للإنصات والقراءة مع الإِمام أو تركه القراءة، وهذا كله خلاف مذهبهم.
وقد قال ابن عبد البر في التمهيد بسنده عن أحمد بن حنبل أنه صحّح الحديثين حديث أبي موسى وحديث أبي هريرة. وقد قال في الفتح: كان متفطنًا للاعتراض الذي قدمناه، قد ثبت الإذن بقراءة الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء القراءة والترمذي وابن حبّان وغيرهما عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلمّا فرغ قال: لعلّكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا: نعم قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنَّسائي ومن حديث أنس عند ابن حبّان. وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: لابد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإِمام يسكت قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن. قلت: ما ذكره من قراءة المأموم في الجهرية ليس في الحديث الأول الذي ذكر دلالة عليه، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: لعلّكم تقرؤون قال على أنه لم يسمع قراءتهم ولو سمعها ما استفهمهم كما أن قوله إلا بفاتحة الكتاب ليس فيه إذن منه في قراءتها جهرًا.
وقد أخرج النَّسائي وغيره عن الزهري في آخر حديث الباب فصاعدًا واستدل به على وجوب قدر زائد على الفاتحة، وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة.