الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والخمسون
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الأَعْلَمِ وَهْوَ زِيَادٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ.
قوله: "عن الأعلم" في رواية عفان عن همام حدّثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة ويأتي قريبًا تعريف الأعلم، وقوله:"عن أبي بكرة" قد أعله بعضهم بان الحسن عنعنه وقد قيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروي عن الأحنف عنه ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال: حدّثني الحسن أن أبا بكرة حدّثه. أخرجه أبو داود والنسائي، وقوله:"انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية سعيد المذكور أنه دخل المسجد زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه، وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى. وللطحاوي من رواية حماد بن سَلَمة عن الأعلم، وقد حفزه النفس. وقوله: فذكر ذلك في رواية حماد عند الطبراني فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف وهو راكع، وقوله:"زادك الله حرصًا" أي: على الخير. قال ابن المنير: صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة، وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة وخطأه من الجهة الخاصة حيث ركع منفردًا. وقوله:"ولا تَعُدْ" بفتح التاء وضم العين من العود أي: إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم من المشي إلى الصف، وفي بعض شراح المصابيح أنه روي بضم أوله وكسر المعين المهملة من الإعادة، وقد ورد ما تقتضيه الرواية المشهورة في طرق الحديث ففي رواية عبد العزيز المذكورة، فقال من السعي، وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني، فقال: أيكم صاحب هذا النفس؟ فقال: خشيت أن تفوتني الركعة معك، وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث صل ما أدركت واقضِ ما سبقك، وفي رواية أبي داود وغيره عن حمّاد أيكم الراكع دون الصف، وقد تقدم من روايته قريبًا أيكم دخل المسجد وهو راكع؟ وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال: إنما قال له لا تعد لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعًا لأنها كمشية البهائم، ولم ينحصر النهي في ذلك كما حرر، ولو كان منحصرًا اقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف، وقد مرَّ ما قيل فيه في باب المرأة وحدها تكون صفًا، ويرجح الرواية الأولى المشهور ما مرّ عن الطبراني صل ما أدركت.
وما أخرج الطحاوي بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعًا إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون
الصف حتى يأخذ مكانه من الصف واستنبط بعضهم من قوله: لا تعد أن ذلك الفعل كان جائزًا فمم ورد النهي عنه بقوله: لا تعد فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه طريقة البخاري في جزء القراءة خلف الإِمام وقد قيل: لِمَ لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص. وأُجيب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك الصلاة، وهذا مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير، وليس كذلك، واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحًا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ وجدني قائمًا أو ساجدًا أو راكعًا فليكن معي على الحال التي أنا عليها" وفي التِّرمِذِيّ نحوه عن علي ومعاذ مرفوعًا، وفي إسناده ضعف لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة.
قلت: الركوع دون الصف والمشي إليه في حال الركوع مكروه كراهة تنزيه عند الشافعية والحنفية حملًا منهم للنهي على التنزيه لكونه عليه الصلاة والسلام لم يأمر أبا بكرة بالإعادة إلى أن أبا حنيفة كما في العيني قال: يكره ذلك للواحد وللجماعة وقال بالتحريم أحمد وإسحاق وابن خزيمة حملًا للنهي على التحريم وعند المالكية يندب له الركوع دون الصف إن خاف فوات الركعة وظن أنه إن ركع ودبَّ يدرك الإِمام قبل الرفع من الركوع فيدبُّ راكعًا في الركعة الأولى فإن تخلف ظنه دبَّ قائما في الركعة الثانية ولا يدبُّ في الجلوس، ولا في السجود لقبح الهيئة، وإذا ظن عدم إدراكه قبل الرفع من الركوع لم يركع وتمادى حتى يدخل الصف ويكون دبيبه قدر صفين، أو ثلاثة، ويكون للفرجة التي تلي الإِمام ان تعددت الفرج وحملوا الحديث على أن المراد بقوله: لا تعد أي: لا تعد أن تسعى إلى الصف سعيًا يحفزك به النفس كما في حديث أبي هريرة، فلا تأتوها وأنتم تسعون. وأيد هذا المعنى عندهم ما روي عن ابن مسعود وزيد بن ثابت أنهما فعلا ذلك ركعًا دون الصف، ومشيا إلى الصف ركوعًا، وفعله عروة بن الزبير وسعيد بن جبير، وأبو سلمة، وعطاء وفي الأوسط عن عطاء أن ابن الزبير قال على المنبر: إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدبُّ راكعًا حتى يدخلَ في الصف فإن ذلك السنة. قال عطاء: ورأيته يصنع ذلك، وفي "المصنف" بسند صحيح عن زيد بن وهب قال: خرجت مع عبد الله من داره، فلما توسطنا المسجد ركع الإِمام فكبر عبد الله، ثم ركع وركعت معه، ثم مشينا إلى الصف راكعين حتى رفع القوم رؤوسهم فلما قضى الإِمام الصلاة قمت لأُصلي فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني وقال: إنك قد أدركت.
وروى في "المصنف" أيضًا أن أبا أُمامة فعل ذلك، وزيد بن ثابت، ومجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير فحديث أبي بكرة محتمل، وهذه الآثار ترجح المحمل الذي حملته عليه المالكية.