الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والأربعون
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى. فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟. فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ.
وحديثه هذا وصله التِّرمِذِيّ، والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس قال التِّرمِذِيّ: حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت وأخرجه البَيْهَقيّ عن محرز بن سَلَمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله وقد روى مبارك بن فضالة عن ثابت فذكر طرفًا من آخره وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله وذكر الدارقطني في العلل أن حمّاد بن سَلَمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلًا قال: وهو أشبه بالصواب وإنما رجحه لأن رواية حمّاد بن سلمة تقدم في حديث ثابت لكن عبيد الله بن عمر حافظ حجة وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان.
وقوله: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء" ويأتي ما في الرجل المبهم من الخلاف في السند وعند المصنف في أول كتاب التوحيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هو الله أحد إلخ.
وعلى هذا فالذي كان يؤم بقباء غير أمير السرية ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد وأمير السرية كان يختم بها وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الآخر وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه وفي هذا أنه قال له أنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال: إنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه والجمع بين
هذا التغاير كله ممكن لولا ما ثبت من كون كلثوم بن الهِدْم الذي قيل: إنه هو الإِمام في مسجد قباء مات قبل البعوث والسرايا وأما من فسره بأنه قتالة بن النعمان فأبعد جدًا فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها ليس فيه أنه أمَّ بها لا في سفر ولا حضر ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر وسيأتي ذلك واضحًا في فضائل القرآن.
وقوله: "مما يقرأ به" أي: من السورة بعد الفاتحة. وقوله: "افتتح بقل هو الله أحد" تمسك به من لا تشترط قراءة الفاتحة" وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اكتفاء بالعلم لأنه لابد منها فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة، أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة ويدل لهذا أنها لو كانت مشروعة حينئذ وتركها لأنكروا عليه لأنهم أنكروا عليه في جمع السورتين فلو كانت قراءة الفاتحة مطلوبة وتركها لأنكروا عليه أو كانوا أعادوا صلاتهم فإما أن يكون قرأها، أو تكون لم تشترط حينئذ.
وقوله: "فكلمه أصحابه" يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك بيانًا للجواز كما مرّ عن ابن المنير.
وقوله: "وكرهوا أن يؤمهم غيره" إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث، وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره. وقوله:"ما يأمرك به أصحابك" أي: يقولون لك. ولم يرد إلأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له: افعل كذا أو كذا.
وقوله: "ما يمنعك وما يحملك" سأله على أمرين فأجابه بقوله: إني أحبها وهو جواب عن الثاني مستلزم للجواب عن الأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السُنّة المعهودة في الصلاة، فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود من الصلاة بقراءة سورة أخرى.
قلت: هكذا قال في "الفتح"، وتابعوه عليه وفيه أن قراءة سورة أخرى في كل ركعة من الصلاة ليس معهودًا من السُنة ولو كان معهودًا فيها لما أنكروا عليه، وقالوا له ما قالوا. والحامل على الفعل المحبة وحدها ودل تبشيره له بالجنة على الرضى بفعله، وقوله: حبك إياها أي: سورة الإخلاص والحب مصدر مضاف لفاعله وارتفاعه بالابتداء وقوله: أدخلك الجنة خبره لأنها صفة الرحمن تعالى فحبها يدل على حسن اعتقاده في الدين وعبّر بالماضي وإن كان دخوله الجنة مستقبلًا لتحقق الوقوع، وفي الحديث جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة وقد مرَّ الكلام عليه في تعليق قتادة، وفيه أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال: إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه. قلت: هذا إنما يتم لو كان يقرؤها وحدها وأما حيث إنه يقرأ معها غيرها فكان يمكنه أن يأمره بترك إعادتها والاقتصار على الغير ولكن حبه إياها سوغ له إعادتها عنده عليه الصلاة والسلام وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانًا لغيره وفيه ما يشعر أن